كثيراً ما نسمع من المؤمنين يقولون : ” الكتاب المقدّس لا يذكر شيئاً عن المطهر ” فما هو المطهر ؟ وهل هو عقيدة ؟
” سارِعْ إلى إرضاء خصمكَ ما دُمتَ معه في الطريق ، لئلّا يسلّمكَ الخصمُ إلى الشرطيّ ، فتُلقى في السّجن . الحقّ أقول لك : لن تخرج منّه حتى تؤدّي آخر فلسٍ ” . ( متى ٥ : ٢٥ – ٢٦ )
ما هو المطهر ؟
المطهر هو مكان للألم والقصاص ، حيث العدالة الإلهيّة تُطهّر الأنفس لتصبح مُستعدّةً لدخول الملكوت . إنّه مكان وسطيّ بين السّماء حيث الفرح والسعادة ، والجحيم حيث الألم الأبديّ ، وهو قريبٌ من الجحيم بآلامه المبرّحة، وقريبٌ من السّماء بتقديس الأنفس المتألمّة.
المطهر عقيدةٌ إيمانيّة في الكنيسة الكاثوليكية ، أقرّها المجمع التريدنتيني ١٥٦٣ ، وعلّمها كلٌّ من المجامع : ليون الثاني ١٢٧٤، فلورنسا ١٤٣٩ ، الفاتيكاني الثاني ١٩٦٤ . ومن يُنكر أيّ عقيدة كنسيّة يقعُ في حال الحُرم الكنسيّ !
إذاً لماذا يُصلي المؤمنون للأموات ويقيمون الجنّازات ومراسيم الثالث والسابع والتاسع والخامس عشر والاربعين والسّنة ؟
لأولئك الذين لا يؤمنون بالمطهر نقول : إذا كانت النفوس التي في السماء ليست بحاجةٍ إلى صلاتهم ، والنفوس التي هلكت في جهنّم للأبد لا تستفيد من صلاتهم ! ؟
نصّ العقيدة
– مجمع ليون الثاني : ” إن مات المؤمنون التائبون حقًاً في المحبة ، قبل أن يكفرِّوا بثمارٍ لائقة بالتوبة ، عمّا ارتكبوه أو أهملوه، فستُطَهَّر نفوسُهم بعد الموت بعقوباتٍ مُطهِّرة . هذا وإنّ تشفع لهم المؤمنين الأحياء ستفيدهم للتّخفيف عن هذه العقوبات من خلال : ، ذبيحة القدّاس الإلهيّ ، والصّلوات ، والحسنات ، والصّدقات ، وسائر أعمال التّقوى التي اعتاد المؤمنين أن يقوموا بها من أجل سائر المؤمنين ، بحسب ما أنشأته الكنيسة … “.
– المجمع التريدنتيني : ” إنّ الكنيسة الكاثوليكيّة ، وبوحيٍ من الروح القدس، وانطلاقاً من الكتاب المقدس ، وتقليد الآباء القديم علّمت في المجامع المقدسة ، وأخيراً في هذا المجمع المسكوني بأنّه يوجد مطهر ، كما يطلُب المجمع من الأساقفة أن يبذلوا قُصارى جَهدهم ، لجعل عقيدة المطهر السّليمة التي نقلها الآباء القدّيسون والمجامع المقدّسة ، موضوع إيمان المؤمنين يحفظونها وتكون منتشرةً ومعلنةً في كلّ مكان ” .
١ – المطهر والكتاب المقدس :
أ . العهد القديم :
الذبيحة عن الأموات :
” … ثُمَّ أخذوا يُصَلُّونَ وَيَبْتَهِلُونَ أَنْ تُمْحَى تِلْكَ الْخَطِيئَةُ الْمُرتكبة محواً تاماً … ثم وعظَ يهوذا الباسل القومَ أن يصونوا أنفسهم من الخطيئةِ …
ثُمَّ جَمَعَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ تَقْدِمَةً ، فَبَلَغَ الْمَجْمُوعُ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ مِنَ الْفِضَّةِ ، فَأَرْسَلَهَا إِلَى أُورُشَلِيمَ لِتُقَدَّمَ بِهَا ذَبِيحَةٌ عَنِ الْخَطِيئَةِ . وَكَانَ عَمَلهُ هذا من أَحْسَنِ الصَّنِيعِ وَأَسماه على حسب فِكرةِ قِيَامَةَ الْمَوْتَى ، لأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ يرجو قِيَامَةَ الَّذِينَ سَقَطُوا . لَكَانَتْ صَلاَتُهُ مِنْ أَجْلِ الْمَوْتَى أمراً سخيفاً لا طائلَ تحته . وَإن عدَّ الَّذِينَ رَقَدُوا بِالتَّقْوَى قَدِ ادُّخِرَ لَهُمْ ثَوَابٌ جَمِيلٌ ، كان في هذا فِكرّ مُقَدَّسٌ تُقَوِيٌّ . وَلِهذَا قَدَّمَ الْكَفَّارَةَ عَنِ الْمَوْتَى لِيُحَلُّوا مِنَ الْخَطِيئَةِ ” ( سفر الكلبيين الثاني ١٢ : ٤٢ – ٤٦ ).
يوضح هذا النّص أنّ الصلاة والحَسنة (التّقدمة) هما من أجل غفران خطايا الّذين ماتوا بخطاياهم العرضيّة لا المميتة ، ولكن كيف تغفر الخطايا بعد الموت ؟
ب . العهد الجديد :
1- يقول الرب يسوع : ” … ومن قال كلمةً على إبن الإنسان يُغفرُ له ، أُمّاً من قال على الروح القُدُس ، فلن يُغفر له ، لا في هذه الدنيا ولا في الآخرة “. ( متى ١٢ : ٣٢ )
هذا يعني أنّه توجد خطايا تغفر في هذه الدنيا ، وخطايا تغفر في الحياة الأخرى . فكيف تغفر الخطايا بعد الموت ، وفي أيّ مكانٍ ؟
٢ – ” سارِعْ إلى إرضاء خصمكَ ما دُمتَ معه في الطريق ، لئلّا يسلّمكَ الخصمُ إلى الشرطيّ ، فتُلقى في السّجن . الحقّ أقول لك : لن تخرج منّه حتى تؤدّي آخر فلسٍ ” . ( متى ٥ : ٢٥ – ٢٦ )
أُطلب التوبة قبل الموت والوقوف أمام الله الدّيان العادل ، لأنّه متى مات الإنسان وعليه دينٌ ، فإنّه يُلقى في السّجن ( المطهر )، ولن يخرج منه حتّى يوفي كلّ ما عليه : أي يتطهّر تماماً من خطاياه . ذلك لأنّه : ” وَلَنْ يَدْخُلها ( السّماءَ ) شَيْءٌ نَجِسٌ ، وَلاَ فاعلُ قبيحةٍ ولا كَذِب ، بل الذين كُتِبوا في سِفرِ الحياة ، سفر الحمل ” (رؤيا القديس يوحنا ٢١ : ٢٧ ) .
السّجن هو المطهر وليس جهنّم لأنّ من يدخل جهنّم لا يخرج منها، لأنها مصيرٌ أبديٌّ . أمّا هنا فيشير إلى الخروج والتطهّر من الخطايا العرضية ، وبالطبع السّماء ليست سجناً بل هي فرحاً أبديًاً .
٣ – سيظهرُ عَمَلُ كُلِّ وَاحِدٍ ، فيوم الله سيُعلِنُه ، لأنه في النار سيُكشف ذلك اليوم ، وهذه النار سَتَمْتَحِنُ قيمة عَمَلَ كُلِّ وَاحِدٍ . فمن بَقِيَ عَمَلُه الذي بَنَاهُ على الأساس نال أجرَهُ . ومن إحْتَرَقَ عَمَلُه كان من الحاضرين ، أُمّاً هو فَسَيَخلُص ، وَلكِنْ كَمَن يَخلُصُ من خلالِ النَّار” . (كورنتس الأولى ٣ : ١٣ – ١٥ )
الأساس هنا هو السيّد المسيح وكلّ من يبني عمله عليه ينال أجره أي أنّه سيخلص . ولكن من خسر عمله خلال النار يُلقى في الجحيم الأبدي ، فلا بدّ للإنسان بإيمانه وجهده وأعماله أن يجتاز النّار لتمتحنهُ ، وهذا هو الجهد الّذي من خلاله يخلص الإنسان .
+المطران كريكور اوغسطينوس كوسا
اسقف الاسكندرية للأرمن الكاثوليك