صاحب السّمو الشّيخ محمد بن زايد آل نهيان،
السّيّد الأمين العام للأمم المتّحدة،
أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء!
أودّ أن أشكر فضيلة الإمام الأكبر، الدّكتور أحمد الطّيّب، شيخ الأزهر الشّريف، الذي عبّر لي عن مودته وقربه، ومجلس حكماء المسلمين، الذي التقيته قبل سنة، وبرنامج الأمم المتّحدة للبيئة (UNEP)، وجميع الشّركاء الذين نظّموا جناح الأديان هذا ودعموه. إنّه الجناح الأوّل من نوعه في قلب مؤتمر الدّول الأطراف، ويبيّن أنّ كلّ معتقد دينيّ حقيقيّ هو ينبوع للقاء والعمل.
أوّلًا هو ينبوع للقاء. من المهمّ أن نلتقيَ، بمعزل عن اختلافاتنا، إخوةً وأخواتٍ في الإنسانيّة، وقبل كلّ شيء مؤمنين، لنذكّر أنفسنا والعالم، أنّنا حجّاج ينتظرنا الله على هذه الأرض، وأنّه علينا أن نحافظ على بيتنا المشترك. الأديان، باعتبارها ضمير الإنسانيّة، تذكّرنا بأنّنا مخلوقات محدودة، لكنّنا نتوق إلى اللامحدود واللانهائي. نَعم، نحن إلى زوال ولنا حدود، والحفاظ على الحياة يعني أيضًا مقاومة هذيان القدرة المطلقة الجشعة التي تدمّر الكوكب. هذا الهذيان يظهر عندما يعتبر الإنسان نفسه سيّد العالم، وعندما يعيش كما لو كان الله غير موجود، ويترك نفسه تجرفه الأشياء الفانية. ومن ثَمَّ، فإنّ الإنسان بدلًا من أن يوجِّه التّكنولوجيا، يسمح لها بأن تسيطِر عليه، ويصير هو ”سلعة“، ولا يبالي: لا يقدر أن يبكي وأن يرحم، ويبقى وحيدًا مع نفسه، ويتعالى فوق الأخلاق والحكمة، فَيَصِل إلى تدمير حتّى ما يسمح له بأن يعيش. ولهذا فإنّ المأساة المناخيّة هي أيضًا مأساة دينيّة: لأنّ جذورها تكمن في غرور الخليقة التي تظن أنّها تكفي نفسها بنفسها. لكن “الخليقة دون خالقها لا توجد” (دستور رعائي في “الكنيسة في عالم اليوم”، فرح ورجاء، 36). فليكن إذًا هذا الجناح مكانًا للقاء، ولتكن الأديان دائمًا ”أماكن ضيافة“ تشهد شهادة نبويّة للحاجة إلى التّسامي فوق ما هو أرضيّ، وتكلِّم العالم عن الأخوّة والاحترام والعناية بعضنا بعضًا، دون أن تبرّر بأيّ شكل من الأشكال الإساءة إلى الخليقة (راجع وثيقة الأخوّة الإنسانيّة من أجل السّلام العالمي والعيش المشترك، أبو ظبي، 4 شباط/فبراير 2019).
هذا الأمر يقودنا إلى الموضوع المِفصَليّ الآخر لهذا الجناح والمعتقد الدّيني وهو: العمل. العمل من أجل البيئة أمرٌ مُلِحّ، ولا يكفي فقط أن نستزيد من الموارد الاقتصاديّة التي نستخدمها: بل علينا أن نغيّر طريقة عيشنا، ولذلك يجب أن نربّي الأجيال على أنماطِ حياةٍ قانعة وأخويّة. إنّه عمل لا غِنى عنه بالنّسبة للأديان، التي هي مدعوّة أيضًا إلى أن تربّي على التّأمّل، لأنّ الخليقة ليست مجرّد نظام علينا أن نحافظ عليه، بل هي عطيّة علينا أن نقبلها. والعالم الذي يَفتَقِر إلى التّأمّل سيكون عالمًا نَفْسُهُ مُلَوَّثَة، وسيستمرّ في إقصاء الأشخاص وإنتاج النّفايات. عالم من دون صلاة سيقول كلمات كثيرة، لكنّه عاجز عن الشّفقة وعن الدّموع، فيعيش فقط على مادّيّة قوامها المال والسّلاح.
في هذا الصّدد، نعلَم كَم هناك ارتباط بين السّلام والحفاظ على الخليقة: جميعنا نرى كيف أنّ الحروب والصّراعات تُلحق ضررًا بالبيئة وتقسّم الدّول، وتُعيق الالتزام المشترك بالقضايا العامّة، مثل الحفاظ على الكوكب. في الواقع، لكي يكون البيت صالحًا ليعيش فيه الجميع، يجب أن يكون فيه جَوٌّ من السّلام. هذه هي حال أرضنا، يبدو تُرابها متَّحِدًا مع صراخ الأطفال والفقراء ليوصِّل إلى السّماء تضرعًا واحدًا: السّلام! الحفاظ على السّلام هو أيضًا مهمّة الأديان. من فضلكم، لا يَكُن أيّ تناقض في هذا. لا نُنكر بأعمالنا ما نقوله بشفاهنا: لا نكتفي بالكلام على السّلام فقط، بل لنتّخذ مواقف صريحة ضِدَّ الذين يعلنون أنّهم مؤمنون، ويؤجّجون الكراهية ولا يعارضون العنف. وأذكر هنا كلمات فرنسيس الأسّيزي: “السّلام الذي تعلنونه بفَمِكم، ليكن أشدّ وأقوى في قلوبكم” (أسطورة الرّفاق الثّلاثة، المجلّد 14، 5، مصادر فرنسيسكانيّة 1469). أيّها الإخوة والأخوات، ليبارك الله العليّ قلوبنا حتّى نستطيع أن نكون معًا بُناة سلام وحُرّاسًا للخليقة. شكرًا.
***********
© جميع الحقوق محفوظة – حاضرة الفاتيكان 2023
Copyright © Dicastero per la Comunicazione – Libreria Editrice Vaticana