” فَلرَّبما تُثمِرُ في العامِ المُقبِل وإِلاَّ فتَقطَعُها ” ( لوقا ١٣ : ٩ )
لم يكتفِ يسوع المسيح، إلهنا وربّنا ومخلّصنا ، بتعليم الصبر من خلال الكلمات والأمثال فقط ، لكن بيّنه أيضاً بأفعالهِ . ففي وقت الآمه وصلبه ، كم من مرةٍ سمع الإهانات بصبر ؟ وكم من السخرية والإستهزاء الجارحة إحتمل ؟
بُصِق عليه وهو الذي بلعابه فتح عينيّ الأعمى ( يوحنا ٩ : ٦ ) . كُلِّلَ بالشوك ( يوحنا ١٩ : ٢ ) وهو الذي يكلِّلُ الشهداء بورود أبديّة .
صُفِع على وجهه براحة اليد وهو الذي بيده يعطي الوسام الحقيقي للمنتصرين . عُرّي من ثيابه هو الذي يكسو الآخرين بالخلود ، سُقي خلاًّ ومرّاً ( يوحنا ١٩ : ٢٩ ) وهو الذي يعطي الطعام السماوي والشراب من كأس الخلاص .
هو البريء ، هو العادل ، وبالأحرى هو البراءة والعدل ذاتهما ، وُضِع في صفوف المجرمين . شهادات زور طغت على الحقيقة ، وتمَّت محاكمة مَن لا يُحاكم بل هو الذي يحكم ” وحكمي عادل ” ( يوحنا ٥ : ٣٠ ) .
كلمة الله سيق إلى الذبح بدون أن يتفوّه بكلمة . ففي الوقت الذي احتجبت الكواكب واضطربت العناصر واهتزّت الأرض ، لم يتكلّم ولم يتحرّك ولم يكشف عن جلاله . إحتمل كلّ شيء حتّى النهاية بثبات لا يكلّ لكي يجد الصبر المثالي الذي لا عيب فيه كماله في الرّب يسوع المسيح .
بعد كل الإهانات والسخرية والإستهزاء ، نراه يستقبل مَن قتلوه إذا تابوا وعادوا إليه ، والفضل يعود إلى صبره ، لا يغلق باب كنيسته أمام أي شخص : أخصامه والمجدّفين وأعداء اسمه الأبديّين ، لا يعطيهم غفرانه إذا تابوا عن خطاياهم وحسب ، إنّما يكافئهم أيضًا بملكوت السماوات .
هل هناك من صبر أعظم من ذلك ، ومن عطف أكبر من هذا ؟
إنّ الذي سفك دم الرّب يسوع المسيح هو بنفسه يحيا بدمه . هذا هو مدى صبر الرّب يسوع المسيح الذي لو لم يكن بهذه السعة ورحابة الصبر ، لما كانت مريـم المجدلية ولا القدّيس بولس وغيرهم من التائبين في قلب الكنيسة .
+المطران كريكور اوغسطينوس كوسا
اسقف الإسكندرية للأرمن الكاثوليك