في تِلْكَ الأَيَّام، (أي بعد أن بشَّر الملاك جبرائيل مريـم العذراء بأنها ستحبل بقوة الرُّوح القُدُس وتلد إبناً تسميه يسوع)، قَامَتْ مَرْيَمُ وَذَهَبَتْ مُسْرِعَةً إِلى الجَبَل، إِلى مَدِينَةٍ في يَهُوذَا.
ودَخَلَتْ بَيْتَ زَكَرِيَّا، فسَلَّمَتْ عَلَى إِليصَابَات. فلَمَّا سَمِعَتْ إِلِيصَابَاتُ سَلامَ مَرْيَم، ٱرْتَكَضَ الجَنِينُ في بَطْنِها، وَٱمْتَلأَتْ مِنَ الرُّوحِ القُدُس. فَهَتَفَتْ بِأَعْلَى صَوتِها وقَالَتْ: ” مُبارَكَةٌ أَنْتِ في النِّسَاء، وَمُبارَكَةٌ ثَمَرَةُ بَطْنِكِ! مِنْ أَيْن أَنْ تَأْتِينيَ أُمُّ ربِّي؟ فَما إن وَقَعَ صَوْتُ سَلامِكِ في أُذُنَيَّ، حتى ٱرْتَكَضَ الجَنِينُ ٱبْتِهَاجًا في بَطْنِي! فَطُوبَى لِمَن آمَنَتْ فسَيَتِمُّ ما بلغها من عند الرَّبّ” (لوقا ١: ٣٩-٤٥).
بما أنّ “مَحبَّةَ المسيحِ تَأخُذُ بِمَجامٍعِ قَلْبِنا عندما نفكِّر” (قورنتس الثانية ٥ : ١٤)
كلّ واحد منّا يجب أن يكون ، ليس رسولاً فحسب، بل رسولاً مع الرُّسلِ فيبّشر و يُعلِّم الغير، ويحثّهم على معرفة الرّب يسوع المسيح والإيمان به، وبعد ذلك هُم أيضاً يقومون ويعلنون البشارة للعالم (متى ٢٧ : ١٩).
أكثر الأحيان ، يسأل البعض منَّا أنفسهم كيف وبأي طريقة يستطيعون أن يكونوا رسلاً ويوصلوا معرفة الرّب يسوع المسيح هذه إلى الآخرين؟ أجيبكم وببساطة، بالعيش تماماً كما أنتم تعملون وتفعلون مع الآخرين في وسط عائلتكم وكنيستكم ومكان أعمالكم ومجتمعكم، وكما أنتم متفرّغون في عملكم اليومي المهنيّ، وفي عناية عائلاتكم والإهتمام بها. إنّ الحياة العاديّة تستطيع أن تكون حياة مقدّسة ومليئة بالله، فالرّب يدعونا لنقدّس أعمالنا المعتادة التي نقوم بها كل يوم بإخلاص، لأنّه بهذا التّقديس أيضاً يكمن الكمال المسيحيّ . فلنفكّر في هذا، متأمّلين بحياة أمنّا مريم العذراء مريم.
علينا ألاّ ننسى أنّ مريم العذراء قد عاشت جميع أيّام حياتها على هذه الأرض، وعاشتها بطريقة مماثلة جدَاً ليوميّات الملايين من النساء، النِّساء المكرّسات وربّات البيوت، اللواتي هنّ أيضاً يهتمنَّ بعائلاتهنّ، وتربية أطفالهنّ وتأدية أعمالهنّ المنزليّة بطريقة جيّدة. هكذا اهتمّت العذراء مريم والدة الإله من خلال أعمالها اليومية بأدقّ التفاصيل الّتي يعتبرها الكثيرون، ومع الأسف، أعمال لا معنى ولا قيمة لها: يعني عمل روتيني، وواجب على الزوجات أن يقمن به.
كلّ عمل نقوم به يومياً، كالسؤال والإنتباه للأشخاص المحبوبين والمقرّبين لنا، والأحاديث أو زيارات الأهل أو الأصدقاء. كُلِّها حياة طبيعيّة عادية تستطيع أن تكون ممتلئة من محبّة الله كثيراً إذا قمنا بها وعملناها بفرحٍ ووعيٍ على أكمل وجه.
إنّ محبّة مريم نفهمها من أعمال حياتها نحو الآخرين: “قامت فمضت مسرعةً إلى الجبل إلى مدينةٍ في يهوذا. ودخلت بيتَ زكريَّا، فسلّمت على اليصابات” (لوقا ١ : ٣٩ – ٤٠).
محبَّة مريـم، محبة مندفعة نحو الحدود القصوى، حتّى نسيان الذات بالكامل، فكان كلّ سرورها بأن تكون في المكان الّذي يريدها الله أن تكون فيه، مُتَمِّمَةً بذلك إرادته الإلهيّة الكاملة. لهذا السبب، لم تكن أيّ مبادرة منها، مهما كانت كبيرة أمّ صغيرة، كانت بسيطة جداً، إنّما على العكس من ذلك كانت أعمالها ممتلئة بالمعاني والتضحيات. ذهبت لعند نسيبتها أليصابات لتخدمها، لأنّها كانت طاعنة في السنّ وبحاجةٍ لمن يخدمها.
مريم العذراء، أُمّ الله وخادمته، هي المثال والطريق لنا جَميعاً، صغاراً وكباراً. ويعود لنا أن نحاول أن نتشبّه بها ونكون على مثالها، في الظروف المحدّدة الّتي أراد الله أن نعيشها.
+المطران كريكور اوغسطينوس كوسا
أسقف الإسكندرية للأرمن الكاثوليك