Feast of the presentation of the Lord - 28th world day for consecrated life @ Vatican Media

سيف الحزن والألم

عيد تقدمة يسوع إلى الهيكل

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

“صعدا يوسف ومريم بالطفل يسوع ليقدماه للرب” ( لوقا ٢ : ٢٢ )

في ٢  فبراير/ شباط  ، تحتفل الكنيسة الجامعة بعيد تقدمة يسوع لله على يد سمعان الشيخ ( لوقا ٢ : ٢١ – ٤٠ ) .

أوجز لوقا الإنجيلي الكلام عن ختان السيد المسيح بعد أن انقضت ثمانية أيام على ولادته (لوقا ٢ : ٢١). لكنه استرسل و أفاض في وصف رتبة تقدمته إلى الهيكل من أحداث.

فتحدّثَ عن تطهير أُمه العذراء مريم وعن سمعان الشيخ الذي  “حمله بين ذراعيه ” وعن حنّة النبية التي ” حدّثت عنه كل من كان ينتظر فداء أورشليم “، وعن عجب أبويه مما قاله لهما سمعان، وقد ترك كل هؤلاء الأشخاص بعض أفكار وخطوط أظهرت وجه الطفل يسوع الروحي والزمني .

ونحن نتأمل بمعنى هذا العيد ومعنى التطهير والتقدمة للرب، ووجوه ودور الأشخاص الذين اشتركوا فيها، نسأل السيد المسيح أن يلهمنا الطاعة له والاقتداء به وبمثَله، لنعمل بما تأمر به الشريعة التي ما اتى ليبطلها بل ليكملها، ” لا تظنوا أني جئت لأبطل الشريعة أو الأنبياء : ماجئت لأبطل بل لأكمل ” (متى ٥ : ١٧) . وان يلهمنا بقوة روحه القدوس على الشجاعة لنقابل على مثال العذراء مريم والدة الإله سيف الحزن والألم ، إذا ما سمح الله، بان ينفذ منا إلى القلوب.

١ – التطهير :

كانت الشريعة في العهد القديم تأمر بتطهير المرأة بعد أن تضع طفلها، وكانت أيام التطهير أربعين يوماً إذا كان المولود ذكراً، وثمانين إذا كانت أنثى . ومعنى ذلك أن الشريعة كانت تحرم على المرأة الأم دخول الهيكل أو لمس أي شيء من الأقداس، قبل أن تنتهي هذه الأيام التي نصت عليها الشريعة.

وكان للتطهير معناه الطقسي و الاجتماعي وهو إزالة عن المرأة، ما يعتقد انه قد علق بها من نجاسة، ويسمح لها بعد ذلك عودتها إلى الحياة العادية.

وكان ينبغي عليها، بالإضافة إلى ذلك، عندما تحضر إلى الهيكل ان تقدم على يد الكاهن ذبيحة للرب : حملاً ، إذا كانت غنية ، أو زوجي يمام أو فرخي حمام، إذا كانت فقيرة                   ( احبار ٥ : ٧ و ١٢ : ١ – ٨ ) .

٢ – التقدمة :

وكانت الشريعة تأمر كذلك بتقديم الابن البكر للرب، تذكيراً لليهود بفضل الله عليهم يوم أخرجهم من مصر وحررهم من العبودية. وكانت هذه الشريعة نفسها توجب تقديم الأبكار من الناس والحيوان والنبات وفقاً لما جاء في سفر الخروج : ” باكورة بيدرك ومعصرتك لا تؤخرها والبكر من بنيك تجعله لي ” (خروج ٣٢ : ٢٩).

ولمّا لم يكن بالإمكان تكريس كل بكر في إسرائيل للخدمة المقدسة ، اكتفى الله بسبط لاوي ، فأقام أبناءه خداماً لأقداسهِ ، وأما الباقون فكان كل منهم يفتدى بخمسة مثاقيل من الفضة أي ما يقارب العشرة جنيهات تُدفع إلى احد الكهنة دون إحضار البكر إلى الهيكل (عدد ١٨ : ١٥ – ١٧).

وقد أبى يوسف ومريم إلاّ أن يقدما ابنهما يسوع للرب في الهيكل تأكيداً على رغبتهما في تكريسه لله واعترافهما بأنه له لا لهما.

وإذا كان الختان يدخل الطفل في عداد شعب الله، فإن التقدمة تجعله مكرساً لخدمته تعالى ولا سيما عندما يكون بكراً، وارث تقاليد العائلة ، وحافظ امتيازات الشعب المختار. وكان السيد المسيح بكراً لا بالنسبة إلى إسرائيل وحسب، بل بالنسبة إلى العالم كله. فهو بكر العائلة المسيحية ” ذلك بأنه عرفهم بسابق علمه وسبق أن قضى أن يكونوا على مثال صورة إبنه ليكون هذا بكراً لإخوة كثيرين ” ( رومة ٨ : ٢٩ ).

وبكر الراقدين أي المختارين المعدين للسعادة ” هو البدء والبكر من بين الأموات (قولسي ١ : ١٨)، وبكر الخليقة جمعاء ” هو صورة الله الذي لا يُرى وبكر كل خليقة ” (قولسي ١ : ١٥)، وأخيراً هو البكر على وجه الإطلاق ” أخضعت كل شيء تحت قدميه ” (عبرانيين ٢ : ٨).

٣ – الأشخاص ودورهم في هذا اللقاء:

وجاء يوسف ومريم إلى الهيكل ، ولما دخلا بالطفل يسوع، يقول القديس لوقا الإنجيلي، التقى بهما سمعان الشيخ (معنى اسم سمعان : الله يسمع ) الذي كان يقيم في أورشليم، وكان ينتظر خلاص إسرائيل وقد وصفه لوقا بالرجل التقي والبار، مشيراً إلى ما تلقى من الله من وعد بأنه لا يذوق الموت حتى يعاين مسيح الرب ( لوقا ٢ : ٢٦ ). وكان ينتظر تحقيق هذا الوعد برجاء وطيد وثقة عمياء وصلاة متواصلة وإكباب على قراءة الكتب المقدسة والأنبياء.

وإذا بالوعد يتحقق، فيشير عليه الروح القدس بالتوجه إلى الهيكل ، وما أن لمحَ سمعان الشيخ الطفل الإلهي يسوع انفتحت أساريره ومدّ ذراعيه واحتضنه ورفع صوته بالشكر لله في نشيد لعله اقصر ما جاء في الإنجيل من أناشيد بعد انشودة ” المجد لله في العُلى ، وعلى الأرض السلام ” خلاصتهُ وداع الماضي ، وفرح الحاضر ، وأمل المستقبل ، فقال في نبرة نبوية مملؤة بالعاطفة الفياضة والتأثر البالغ ” يارب ، أطلق الآن عبدك بسلام وفقا لقولك ، فقد رأت عيناي خلاصك الذي أعددته من خلاص للشعوب كلها، نوراً لهداية الأمم ومجداً لشعبك إسرائيل” (لوقا ٢ : ٢٩ – ٣٢ ).

سلَّمٓ سمعان الشيخ على الطفل ، وكان سلامه سلام وداع . لكنه ، سلام وداع ، طافح بالأمل والرجاء بأن الخلاص سيعم الشعوب كلها لا إسرائيل وحده ( كلمة إسرائيل معناها : شعب الله). فكانت آفاق سمعان في هذا المجال أرحب من آفاق زكريا الذي لم يرى سوى خلاص إسرائيل.

٤ – مريم شريكة يسوع في عمل الفداء:

وفيما كان مريم ويوسف يُعجبان مما يقال عن إبنهم يسوع ، إذا بالشيخ التقي سمعان يلتفت إلى أمه وينبئها بأنه ” جعل لسقوط كثير من الناس، وقيام كثير منهم في إسرائيل” (لوقا ٢ : ٣٤ ) وبأن سيفاً سينفذ في قلبها.

ففهمت مريم من الساعة الأولى أنها ستكون شريكة إبنها في عمل الفداء والخلاص. وهكذا امتزجت الأفراح عندها بالأتراح والحزن، وبالبسمات والدموع، على مثال إبنها ومن تبعه من مؤمنين على مر العصور، ممن لا يزالون كالقديس بولس الرسول يفرحون بالآلام والاضطهاد لأجل المسيح كما عبَّرَ القديس بولس بقوله : ” يسرني الآن ما أعاني من الألم، فأتمُّ في جسدي ما نقص من شدائد المسيح في سبيل جسده الذي هو الكنيسة ” ( قولسى ١ : ٢٤) .

وما أن جاءت حنة النبيّة ( ومعنى اسمها : النعمة ). وقد حرص لوقا أن يكشف هويتها وحالتها الإجتماعية وعمرها وترملها وإقامتها في الهيكل وتمرسها بالصوم والصلاة وتقبلها روح النبوة .

فاتت الهيكل وكأنها تعيش إلا لتلك اللحظة السعيدة ، تسكب النفس شكراً لله وكأنها ترد على سمعان الشيخ بالكلام المرسل وبما أعرب عنه في نشيد فياض بالمشاعر وراحت هي أيضاً تحدّث بأمر الطفل كل من كان ينتظر فداء أورشليم . إن ما كتبه لوقا عن هذه المرأة البسيطة لعله يجعل منها وجهاً من أجمل وجوه النسوة اللواتي تبعن المسيح وذكرهن في إنجيله.

٥ – يوسف البار ومريم البتول:

وأما الوجهان اللذان نوّد أن نظهرهما في هذا المشهد الرائع لتاريخ الخلاص، ولم يقل عنهما شيئاً البتّه ، فهما وجه القديسين مريم البتول  ويوسف المربي ليسوع  .

يوسف هو رب العائلة ، تفرض عليه حالته أن يتصدر بين الحاضرين، وإذا به يتعمّد الإختفاء وعدم الظهور، فلا يلوح لنا وجهه الوقور إلا من خلال ستار من التواضع والتأمل العميق في سر التجسد والفداء ، ولا يذكره لوقا إلا بصيغة الغائب المثنى فيجمع دائماً بينه وبين مريم، فيقول : ” صعدا بالطفل ليقرباه ، ليقدماه للرب” ( لوقا ٢ : ٢٢)، وإذا أفصح عن ذلك قال :       ” وكان أبوه وأمه يُعجبان مما يُقال فيه ” (لوقا ٢ : ٣٣)، ولا يسميهما، ويُنهي حديثه عنهما بقوله : “ولما اتمَّا جميع ما تفرضه شريعة الرب ، رجعا إلى الجليل إلى مدينتهما الناصرة ”    (لوقا ٢ : ٣٩) ، ويذكرهما بصفة الجمع .

هل من تواضع أعمق من هذا التواضع؟

وأما مريم فقد ذكر لوقا الإنجيلي اسمها مرّةً واحدة ، عندما قطع على سمعان الشيخ حديثه فقال : ” وباركهما سمعان” ثم قال لمريم أمه، ولم يذكرها إلاّ ليذكِّرَها “بالسيف الذي سينفذ في نفسها ” (لوقا ٢ : ٣٥)، وستتلقى ضربته القاسية، بعد ان تكون قد أصبحت وحدها بعد وفاة القديس يوسف . وعندما ستكون واقفةً على أقدام الصليب.

وأما الطفل يسوع ، فهو محور الحديث دون أن نتبين له وجهاً ، فهو الحاضر الغائب ، وهو دائماً في الضمائر والنفوس.

أيُّها الرّبّ يسوع ، في هذا العيد المبارك ، ألهمنا الطاعة لك والتواضع على مثال أبويك يوسف ومريم، والشجاعة لمقابلة سيف الحزن والألم والعذاب والشدائد إذا سمحت بان ينفذ منا في القلوب.

+المطران كريكور اوغسطينوس كوسا

اسقف الاسكندرية للأرمن الكاثوليك

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

المطران كريكور أغسطينوس كوسا

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير