حافظ الذاكرة المارونية، البطريرك اسطفان الدويهي، من هو؟

مع اقتراب تطويبه

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

المكرّم البطريرك إسطفان الدويهي وقريباً الطوباوي، إسم كبير. منذ نعومة أظافري الروحية واكتمال وعيي الإنساني وأنا أسمع عن هذا الكبير من بلادي، هو الزغرتاوي – الهدناني المولود سنة 1630 في اهدن والمتوفي سنة 1704 في وادي القديسين قاديشا. هو الأب الثاني للطائفة المارونية الكاثوليكية، إذ أنّه هو من حافظ على جميع التراث الروحي الماروني في ذلك الوقت.

في وطن يبحث فيه النّاس عن فسحة أملٍ، ويناشدون الله للحماية ومعرفة المصير. يظهر لنا ذلك الرجل البطريرك الكادح. اللذي يعتبر من الكبار في المارونية. وهو السياسي المخضرم، ويعتبر الوسطي من المدرسة الوسطية في البطريركية كما المؤرخ الأول في لبنان عني بتاريخ لبنان، بكامله، الموارنة والدروز، الشمال والجبل والجنوب والساحل، وخاصّة بالتاريخ المدنيّ. إلاّ أنّه لم يسترسل في تفسير علائق المقاطعات الواحدة بالأخرى أو غير ذلك من الموضوعات التي تهمّ المؤرّخ المعاصر. وسطي بحث جمع النهج القديم الرافض للمدرسة المارونية والأفكار الجديدة والخط الجديد، خط المدرسة المارونية. والجدير بالذكر بأن الدويهي هو كاتب شديد الدقة في كتاباته، فكل ورقة كان يستند إليها كانت تذكر.

الدويهي هو ابن مخائيل موسى الدويهي ومريم الدويهي. دعي اسطفان كونه ولد يوم عيد القديس اسطفان. توفي والده وهو في الثالثة من العمر، فترعرع في كنف والدته التي علمته القيم المسيحية وأهمية خدمة الرب وكانت صاحبة التأثير الكبيرعلى حياته. أدخلته مدرسة القرية فتعلم السريانية والعربية ومبادىء الديانة المسيحية فكان محباً للعلم والتقوى.

في العام 1641 أُرسله البطريرك جرجس عميره الاهدني الى روما حيث أدهش الكثيرين أثناء دراسته في المدرسة المارونية في روما بتفوقه وشخصيته المميزة وسعة معرفته. تفوق في تعلم اللاتينية واليونانية والعبرانية والسريانية وعلوم الفصاحة والمنطق والرياضيات. قال عنه معلمه البروفسور الأب سبارسا “لقد درّست في كثير من البلدان والعديد من الجامعات، لكنني لم أجد مثل اسطفان في فكره المتألق وصفاء حياته”. في العام 1648 ومن شدة انهماكه بالدراسة والبحث فقد نور عينيه مما أضطره الى الاستعانة برفاقه لكي يتلو عليه ما فاته من الدروس. وحين علم بأنّ رئيس المدرسة قد صمّم على إيقافه عن متابعة دروسه، وإرجاعه إلى جبل لبنان، لجأ إلى الكنيسة، طالبًا شفاعة أمّه العذراء، حتّى عاد إليه بصره. فاتخذها شفيعة له وملقبا إيّاها “ست النِسا”.

عام 1650 حاز على شهادة الملفنة (الدكتوراه) في الفلسفة واللاهوت. وحملت اطروحته عنوان “محاورة لاهوتية” وبعد ان قضى 14 عاماً في روما، آثر العودة الى لبنان في 3 نيسان عام في 1655 حيث أخذ بالتبشير وتعليم الشبيبة اللبنانية. وقد حمل معه العديد من الوثائق والمخطوطات المتعلقة بتاريخ الطائفة المارونية ولبنان. سِيم كاهنا في 25 اذار عام 1656 في دير مار سركيس اهدن بمباركة البطريرك يوحنا الصفراوي، فأنصرف الى التعليم وفتح المدارس والاديرة. في 1657 أسس مدرسة في دير مار يعقوب في اهدن بعدما ان قام بترميمه وراح يعلم فيها الاولاد مبادىء السريانية والعربية وينشئهم في الايمان والاخلاق مفضلاً حجارة الدير المتواضع على منابر روما ومعاهدها وجامعاتها الكبرى. وقد دخل الكهنوت اثنا عشر تلميذ من اصل اربعين من تلاميذه.

في عام 1658 أوفده البطريرك البسبعلي الى حلب. وفي السنة ذاتها عين مرسلا ل “مجمع انتشار الايمان في الشرق”. وكان عليه بموجب هذا التعيين تزويد الكرسي الرسولي بتقارير عن نشاطاته. وبعدها لجأ الى بلاد كسروان بسبب ظلم الاتراك حيث اقام مع اخيه بالقرب من عينطورة. واخذ يعلم العلوم الانسانية والكنسية والتعليم المسيحي واللغة السريانية. عام 1659 طلب اهالي اهدن من البطريرك جرجس البسبعلي ترقيته الى درجة الاسقفية فرفض الاب اسطفان المقام رغبة منه بمواصلة دوره ككاهن الذي بحسب رأيه تحد منه مسؤوليات الاسقفية. في 1660 عينه البطريرك جرجس البسبعلي زائراً بطريركياً في بلاد الشوف وصيدا والبقاع ومرجعيون ووادي التيم.

في 1661-1662 خدم رعية ارده، زغرتا. في 1663 عاد الى حلب وأسس فيها مدرسة حلب المارونية الشهيرة عام 1666 التي عرفت “بالمكتب الماروني” والتي أرادها الدويهي صورة مصغرة عن معاهد روما في عصره. وقد لقب بيوحنا فم الذهب الثاني نظراً الى المواعظ التي أقبل على سماعها اهالي حلب بأعداد كبيرة. ويعتقد الكثيرون انه أقنع الكثير من الملكيين والنسطوريين واليعاقبة والارمن بالتحول الى الكنيسة المارونية. في عام 1668 قام برحلة الحج الى الأماكن المقدسة برفقة والدته وشقيقه.

وفي 8 تموز 1668 فوجىء بخبر تعيينه مطراناً على أبرشية قبرص فرفض مرة ثانية تولي مقام الاسقفية. وبعد محاولات مكثفة، أقنعه الرؤساء الزمنيون والروحيون بقبول درجة الاسقفية. خلال خدمته في قبرص على مدى سنتين قام بزيارة جميع المدن المارونية في الجزيرة ليبّشر ويجمع وثائق وينّظم أبرشية قبرص التي كانت شاغرة طوال 34 عاماً، ومكث فيها حتى أوائل سنة 1670. توزّعت مهام المطران إسطفان في جزيرة قبرص على التعليم والتدبير والتقديس، فلقّبه أبناء الجزيرة “بمنارة الأمّة المارونيّة ومجدها”. ومن أبرز الأعمال التي قام بها هناك: سيامة الشمامسة والكهنة، وتكريس الكنائس والمذابح، وتفحّص الكتب وتواريخ البلاد وعاداتها وأوضاع الموارنة فيها. في 12 نيسان 1670 ترك قبرص وقام بزيارة لبنان في اليوم عينه الذي توفى فيه البطريرك جرجس البسبعلي.

في 20 ايار 1670 اجتمع الموارنة واعيان البلاد في دير سيدة قنوبين وانتخبوا المطران اسطفان الدويهي بطريركاً على الرغم من ممانعته واحتجابه عن الانظار. ووكما جرى يوم تعيينه أسقفاً، تدخل الاعيان وبعد يومين جرت مراسيم تتويجه بطريركاً في دير سيدة قنوبين، ومنحه قداسة البابا درع التثبيت في اواسط كانون الاول من عام 1672. في 27 كانون الثاني 1684 وضعت صورته إلى جانب صورتي البطريرك جرجس بن عميرة الإهدني والبطريرك إغناطيوس أندراوس أخجيان على جدران قاعة المدرسة المارونية في روما.

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

سليمان فرنجيه

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير