دَعَوْنَا نُفَكِّرُ وَنُذَكِّرُ عَمَلَ اَللَّهِ مَعَنَا ، وَنَتَأَمَّلُ فِيهِ . هُوَ قَدْ خَلَقَنَا وَجَبَلَنَا بِيَدَيْهِ اَلْمُقَدَّسَتَيْنِ ، فَبِالتَّالِي أَوَّلُ مَا مَنْحُنَا إِيَّاهُ هُوَ أَنَّنَا صِرْنَا مُقَدَّسِينَ فِيهِ .
خَالُقنَا وَهُوَ اَلصَّالِحُ اَلْحَنَانُ اَلرَّحُّومْ مِنْ بِصَلَاحِهِ وَحُبِّهِ وَحَنَانِهِ وَرَحْمَتِهِ ، أَهْلُنَا أَنْ نُكَوِّنَ أَيْضًا فِيهِ نَتَمَتَّعُ بِهَذِهِ اَلصِّفَاتِ .
كَوْنُهُ هُوَ اَلصَّانِعُ كُلَّ شَيْءِ فَلَهُ اَلْعِزَّةُ وَالسُّجُودُ وَالسُّلْطَانُ وَالْمَلِكِ وَالْمَجْد ، وَفِيهِ صِرْنَا أَبْنَاءَ مُلْكِهِ وَسُلْطَانِهِ وَمَجْدِهِ .
نُفِخَ فِينَا مِنْ رُوحِهِ نَسَمَةَ حَيَاةٍ ، صَارَ لَنَا مَسْكَنًا مُقَدَّسًا وَصِرْنَا بِقُوَّةِ رُوحِهِ مَسْكَنًا لَهُ وَهَيْكَلاً لِسُكْنَاهُ ” أَنْتُمْ هَيَاكِل اَللَّهِ وَرُوحِ اَللَّهِ سَاكِنَ فِيكُمْ .
أَنَّهُ أَخَذَ صُورَتَنَا وَتُحِسُّ لِأَجْلِنَا وَلِأَجْلِ خَلَاصِنَا حَلَّ فِينَا وَيَسِيرُ بَيْنُنَا لِذَا قَالَ ” أَسْكَنَ فِيهِمْ ، وَأَسِيرَ بَيْنِهِمْ ” لَا 26 / 12 . وَفِي أَرْمِيَا 7 / 4 يَقُولَ ” أَنْتُمْ هَيْكَلُ اَلرَّبِّ إِنَّ أَصْلَحْتُمْ طُرُقُكُمّ وَأَعْمَالُكُمْ ” .
وَلَا تَنْسَى أَنَّ اَلنَّبِيَّ دَاوُدْ خَاطَبَ اَلرَّبُّ قَائِلاً ” أَيُّهَا اَلرَّبُّ ، كُنْتَ لَنَا مَسْكَنًا مِنْ جِيلٍ إِلَى جِيلٍ ، حَتَّى قَبْلِ أَنْ تُؤَسِّسَ اَلْمَسْكُونِيَّةُ فَأَنْتَ مِنْ اَلْأَزَلِ وَإِلَى اَلْأَبَدِ أَنْتَ أَنْتَ هُوَ اَللَّهُ ” مَزْ 99 / 1
لِذَا إِخْوَتِي يَجِبُ عَلَيْنَا نَعرِف أَنَّ اَلرَّبَّ أَنْعَمَ عَلَيْنَا بِنِعَمِ غَزِيرَةٍ ، وَمِنْ أَبْرَزِهَا أَنَّ كُلَّ اَلْخَلَائِقِ قَدْ خَلَقَتْ لِخِدْمَةِ اَلْإِنْسَانِ اَلَّذِي تَوَجَّهَ اَللَّهُ رَاسِخًا لِخَلَائِقِهِ ، وَاهِبًا لِلْإِنْسَانِ مَعْرِفَةَ اَلتَّمْيِيزِ، لِيُمَيِّز بَيْنَ اَلْخَيْرِ وَالشَّرِّ ولِيعَرَفْ إِنَّ اَللَّهَ هُوَ خَالِقُهُ وَأَحْضَرَهُ لِيُكَوِّنَ هَيْكَلَ لَهُ ” أَنْتُمْ هَيْكَلُ اَللَّهِ ” .
“ كَوَّنُوا شَاكِرِينَ ” ( كُو 4 : 6 ) “ شَاكِرِينَ كُلَّ حِينِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ” ( اَفْسَسْ 5 : 20 ) .
“ لَا تَهْتَمُّوا بِشَيْءِ بَلْ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِالصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ مَعَ اَلشُّكْرِ لِتَعَلُّمِ طَلَبَاتِكُمْ لَدَى اَللَّهِ ” 4 : 6.
“ لِنَكُنْ دَائِمِي اَلْحُضُورِ أَمَامَ اَلرَّبِّ رَافِعِينَ إِلَيْهِ آيَاتُ اَلشُّكْرِ فِي كُلِّ حَالٍ ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ وَمِنْ أَجْلِ كُلِّ حَالٍ كَمَا نُرَدِّدُ فِي صَلَاةِ اَلشُّكْرِ قَائِلِينَ فَلِنَشْكُر اَللَّه اَلرَّحِيمِ وَاهِبٍ اَلْخَيْرَاتِ، فِي كُلِّ حَالٍ لِأَنَّهُ سِتْرُنَا وَأَعَانَنَا وَحَفِظْنَا وَنَسْأَلهُ أَنْ يَحْفَظَنَا فِي يَوْمِنَا وَيَنْزِعُ عَنَّا كُلُّ شَرِّ وَكُلِّ خِصَامٍ لِأَنَّ هَذِهِ هِيَ مَشِيئَتُهُ لَنَا فِي اَلْمَسِيحْ يَسُوعْ ” .
وَلِنُعْلَم بِأَنَّ اَلْحَيَاةَ اَلَّتِي هِيَ بِدُونِ شُكْرٍ تُصْبِحُ رَكِيكَةً وَلَا طَعْمَ أَوْ لَوْنِ لَهَا شَبِيهًا بِالْمَوْتِ وَالْفَنَاءِ.
يُعَدّ فِعْلُ اَلشُّكْرِ فَضِيلَةَ مُحَبِّبِهِ لِقَلْبِ اَللَّهِ ، جَوَابٌ طَبِيعِيٌّ يُجِيبُ بِهِ اَلْقَلْبُ بِفَرَحِ وَسُرُورْ عَلَى اَحَسِنَاتْ اَللَّهُ لَنَا وَحُسْنِ صَنِيعِهِ مَعَنَا .
عَلَيْنَا أَنْ نَبْقَى دَائِمًا مُسْتَعِدِّينَ لِنُظْهِرَ اَللَّهَ اَلسَّاكِنَ فِينَا أَعْمَالَنَا وَأَخْلَاقَنَا ، لِيَكُنْ فِيكُمْ مِنْ اَلْأَخْلَاقِ وَالْأَفْكَارِ فِيمَا هُوَ لِلْمَسِيحِ يَسُوعْ ، فَأَنْتَم رَائِحَةُ اَلْمَسِيحِ اَلزَّكِيَّةِ وَنَحْنُ نَحْيَا بِهِ وَفِيهِ وَمَعَهُ .
فَهُوَ اَلَّذِي تَحْمِلُ اَلْكَثِيرَ لِأَجْلِنَا وَقَدْ شَفَيْنَا بِجُرُوحِهِ يَقُول أَشْعِيَا ” مَجْرُوح لِأَجْلِ مَعَاصِينَا ، وَمَسْحُوق لِأَجَلِ آثَامِنَا ، تَأْدِيبُ سَلَامِنَا عَلَيْهِ وَمِنْ جُرُوحِهِ شَفَيْنَا. .
إِذَا كُنْتُ فِي هَذِهِ اَللَّحَظَاتِ مَهْمُومًا أَوْ مُتَضَايِقًا فِي أَمْرِ مَا ، ضَعْ ثِقَتَكَ فِي اَللَّهِ وَأَطْلُبُ مَعُونَةَ اَلرُّوحِ اَلْقُدُسِ وَأَجْعَلُ إِيمَانَكَ بِاَللَّهِ ثَابِتًا وَاسْأَلْهُ أَنْ يَمْنَحَكَ اَلْمَحَبَّةَ لِأَخِيكَ فَتَخَلَّصَ مِنْ اَلْهُمُومِ وَالْأَحْزَانِ وَعِنْدِهَا تَرَدَّدَ قَائِلٌا ” عِنْدَ كَثْرَةِ اَلْهُمُومِ فِي دَاخِلِيٍّ ، تَعَزِيَانْكْ تَلَذُّذًا نَفْسِيًّا ” .
أختم بهذه الصلاة من الليتورجيا المارونية :
إقْبَلْ، يا رَبُّ، في فسيحِ سَمائكَ صَلَواتِ البيعَةِ المُقَدَّسةِ ، التّي تُقَرَّبُ في هذا الصّباح، لأجلِ المَرْضى والمُتَضايقين، التَّعِبينَ والأسرى، البائِسينَ والمساكين. إمْنَحْ مِنْ كَنْزِ رَحْمَتِكَ كُلَّ واحِدٍ ما يَلْزَمُهُ وَيَنفَعُه.
رَبِّ، يا بحرًا فاخِرَ العَطايا، زاخِرَ المواهِب، زَيِّنّا بِشرائعِكَ البَرَّة، جَمِّلنا بِعَطاياكَ الرّوحيّةِ ومَواهِبكَ الغنيّة، فَنَقومَ أمامكَ أطهارًا كُلَّ حينٍ بِغيرِ خطيئةٍ أو ضلال، وَنَرفعَ إليكَ المدائحَ والتّسابيح، ونُقَرِّبَ السُّجودَ الكاملَ بالرّوحِ والحَقّ، أيُّها الآبُ والابنُ والرّوحُ القُدُس، لكَ المَجدُ الآنَ وكُلَّ آنٍ الى الأبد. آمين
آبُ أَنْطُونْيُوسْ مَقَارَّ إِبْرَاهِيمْ
رَاعِيَ اَلْأَقْبَاطِ اَلْكَاثُولِيكِ فِي لُبْنَانَ