” هوشعنا لأبن داؤد !
تَباركَ الآتي باسم الرّبّ !
هُوشَعْنا في العُلى ! ” ( متى ٢١ : ٩ ) ،
بهذا الهتاف النابع من القلب رحبَ الأطفال والمساكين والمرضى والضعفاء بيسوع . هؤلاء الناس المتواضعين ، البسطاء و الأتقياء استقبلوا يسوع عند مشارف اورشليم ، لا يريدون ان يكونوا متفرجين على الملك الآتي باسم الرّبّ ، بل كانوا أناس ينتظرونه بفارغ الصبر ليسيرون وراءه ويدعمون مبدأه ورسالته .
موكب يسوع هو موكب الخلاص . في هذا اليوم يدخل الله إلى قلب الإنسان ، إلى قلب كل إنسان بتواضع وبساطة ” تعالوا إليَّ جَميعاً أيُّها المرهقون والمتعبون ، وأنا أُريحُكم إملوا نيري ، و تعلموا مني ، وتتلمذوا لي ، فإنِّي وديعٌ متواضع القلب ، تَجِدوا الراحة لنفوسكم ” ( متى ١١ : ٢٨ – ٣٠ ) .
في هذا اليوم الأغرّ يأتينا الرّبّ ويدخل قلوبِنا برأفة وطيبة وحنيّة . ياتينا بنداء الخلاص الذي ننتظره ، وليس بهتاف خلاص كاذب مزيَّف كما نراه في أيامنا هذه ، يأتينا حامِلاً بين ثناياه الخلاص الحقيقي . الكثيرون اليوم يعِدوننا بالخلاص، ولكن أي خلاص ؟ فالذين يدعوننا للخلاص هم أنفسهم محتاجين إلى الخلاص . ولكن، الحاجة دائماً هي : ” إلى واحد ” ، إلى يسوع المُخلّص وفادي البشرية ، هو فقط يدعونا إلى خلاص حقيقي، لا بل هو نفسه، الخلاص كما قال : ” أنا الباب ، فمن دخل مني يَخلُص ” ( يوحنا ١٠ : ٩ ) .
يسوع ملك السلام
نعم ، يسوع هو ملك، ملك السلام، يدخل إلى اورشليم، المدينة التي إلى اليوم لم تعرف السلام . وموكب يسوع الجالس على الجحش لا يخيف ابداً ، لانه لا وجود معه لجنود ولا لحراس ولا لدبابات ومدرعات ، ولا من يحملون الأسلحة الفتاكه ، والصواريخ والقنابل ، بل أطفال وشيوخ يحملون اغصان الزيتون وسعف النخيل رمزًا للسلام والفرح . هذه هي علامات ملك الخلاص المتواضع والمسالم والمحب للبشر .
يسوع يريد رسلاً مبشرين بالمحبّة والسلام ، لذلك لا يريد أن يسير في موكبه لجنود و حراس ولا أي رمز من رموز الحماية الشخصية ، يريد العميان والبرص والخرس والمجروحون والعشارون والمتألمون والمهمشون ، يريد كل من شفاه روحيًاً وجسدياً ، يريد كل إنسان فيه علّة ، وخاصةً الخطأة ، ليسيروا معه في موكب الخلاص .
كثيرون كانوا على جانبي الطريق التي تؤدي إلى اروشليم مدينة السلام ، وكثيرون فرشوا الطرق بأرديتهم ورفعوا الاغصان وهتفوا للملك ” تَباركَ الآتي باسم الرّبّ ” ، ولكن ، ومع الأسف من بين هؤلاء الأشخاص من تراجع وترك يسوع وحده يسير في طريق الالآم و العذاب . واخرون رفعوا اصواتهم طالبين أن يُصلب ( لوقا ٢٣ : ٢٣ )، واخرين انكروه ، ولم يبقى معه إلاَّ العدد القليل الضعيف الذي لا يقوى إلاَّ على البكاء والبكاء بصمت .
جميعنا يخاف من الملوك والحكام والمسؤولين ، فهم يتسلطون بحزم وعنف على البشر، وكثيرا ما يعذبونهم ويضطهدونهم ظلماً ، ولا يكترثون إذا نام الكثيرين جائعين وعطشانين وليس لهم لقمة للعيش . لكن ملكنا يختلف تماماً عن هؤلاء ، فهو مُحب، لا يزعجنا بطلباته، بل يأتينا متواضعاً ويحمل همومنا وأوجاعنا ومخاوفنا ويفهمنا ويغفر لنا خطايانا، وبكلمة واحدة يهتم ويعتني بنا ” أُمّاً أنا فقد أتيتُ لِتكونَ الحياة للناس ، وتفيضُ فيهم ( يوحنا ١٠ : ١٠ ) .
تَباركَ الآتي باسم الرّبّ في قلوبِنا :
إذا أردنا اليوم أن نسير مع يسوع في موكب الشعانين، موكب التواضع والمحبّة والسلام ” السلام أستودعكم ، وسلامي أُعطيكم ” ( يوحنا ١٤ : ٢٧ ) ، يجب علينا أن نستقبله بإيمانٍ وحرارة ليدخل أعماق قلوبنا ، شافياً لنا أمراضنا الروحيّة والجسديّة ، وجروحاتنا وعاهاتنا .
لكل واحد منا أورشليم خاصة، به و هي قلبه . و يسوع، لايزال إلى اليوم راكباً الحمار يبحث عنا و ينتظر الدخول إلى أورشليم كل واحد منا ، إلى قلبنا .
إلى جانب من سنقف اليوم ؟
إلى جانب الأطفال المنشدين والمبتهجين والقائلين : تَباركَ الآتي باسم الرّبّ ؟
أم إلى جانب الكتبة والفريسيين الغاضبين والقائلين : ” اصلبه ، اصلبه … دمُهُ علينا وعلى أولادنا ” ( متى ٢٧ : ٢٣ – ٢٥ ) ؟
ولنتذكّر، إذا لم نرحبّ بيسوع ترحيباً لائقاً ، لهتفت الأحجارة ( لوقا ١٩ : ٤٠ ) وتعلن ملكوت الله .
+المطران كريكور اوغسطينوس كوسا