“كانَت عُيونُ أَهلِ المَجمَعِ كُلِّهِم شاخِصَةً إِلَيه” (لوقا 4، 20). هذا المقطع من الإنجيل يُدهشنا دائمًا، ويقودنا إلى أن نتخيّل المشهد: إلى أن نتخيّل لحظة الصّمت التي فيها كانت الأنظار كلّها شاخصة إلى يسوع، في مزيج من الدّهشة والاتّهام. ونعلَم كيف انتهى الأمر: بعد أن أزال يسوع قناع التّوقعات الكاذبة لأهل بلده، “ثارَ ثائِرُ الجَميع” (لوقا 4، 28)، وخرجوا وطردوه خارج المدينة. كانت عيونهم شاخِصَة إلى يسوع، لكنّ قلوبهم لم تكن مُستعدّة لأن تتغيّر بكلمته. وهكذا أضاعوا فرصة الحياة.
وفي مساء هذا اليوم، الخميس المقدّس، حدثَ تبادل نظرات بين اثنين. الشّخصيّة الرّئيسيّة في هذا الحدث هو راعي كنيستنا الأوّل، بُطرُس. هو أيضًا لم يَثق في البداية بالكلمة التي وجّهها يسوع إليه والتي أزالت القناع عن وجهه: “ستُنكِرُني ثَلاثَ مَرَّات” (مرقس 14، 30). في لحظة ”لم يعد يرى“ يسوع وأنكره عند صياح الدّيك. لكن، عندما “التَفَتَ الرَّبُّ ونظَرَ إِلى بُطرُس، فتذَكَّرَ بُطرُسُ كَلامَ الرَّبِّ […] فخَرَجَ مِنَ الدَّارِ وبَكى بُكاءً مُرًّا” (لوقا 22، 61–62).اغْرَوْرَقت عيناه بالدّموع التي تدفّقت من قلبه الجريح وحرّرته من معتقدات ومبرّرات باطلة. هذا البكاء المرّ غيَّر حياته.
لَم يؤثِّر كلام يسوع وأعماله في بطرس مدة سنوات كثيرة، ولم تغيِّر توقعاته، وهي مشابهة لتوقعات أهل النّاصرة: فهو أيضًا كان ينتظر مسيحًا سياسيًّا وذا سُلطان، وقويًّا وحلَّالًا للأمور، ولما اعتراه الشّكّ لدى رؤية يسوع الضّعيف، والذي تمّ اعتقاله دون أن يقاوم، أعلن قال: “إِنِّي لا أَعرِفُه!” (لوقا 22، 57). وهذا صحيح، لم يكن يعرفه: بدأ يعرفه عندما بدأت دموع الخجل والتّوبة تنهمر من عيونه، في ظلمة إنكاره له. وسيعرفه حقًّا عندما يخترق الألم نفسه بسبب سؤال يسوع له للمرّة الثّالثة: “أَتُحِبُّني حُبًّا شَديدًا؟”، سيسمح إذّاك لنظرة يسوع بأن تسيطر عليه. إذّاك، بدل القول: “إِنِّي لا أَعرِفُه”، سيقول: “يا رَبّ، أَنتَ تَعلَمُ كُلَّ شَيء” (يوحنّا 21، 17).
أيّها الإخوة الكهنة الأعزّاء، شفاء قلب بطرس، وشفاء الرّسول، وشفاء الرّاعي يحدث عندما يُجرَح فيتوب، ويَترُك يسوع يغفر له. وهذا الشّفاء يتمّ بالدّموع، والبُكاء المرّ، والألم الذي يساعد لاكتشاف المحبّة. لهذا السّبب، شعرت برغبة في أن أشارككم ببعض الأفكار حول جانب مُهمَلٍ من الحياة الرّوحيّة، ولكنّه أساسيّ. أعيد تقديمه لكم اليوم بكلمة ربّما عفا عليها الزّمن، لكن أعتقد أنّه حسنٌ لنا أن نكتشفها من جديد، وهي: النّدم.
ماذا تعني هذه الكلمة؟ الكلمة تُشير إلى النّخز: فالنّدم هو ”نَخزة في القلب“، وطَعنة تجرحه، فتجعل دموع التّوبة تفيض. تساعدنا على فهم ذلك حادثة أخرى مع القدّيس بطرس. بعد أن طعنته نظرة يسوع وكلماته بعد قيامته، وبعد أن طهَّره الرّوح وأضرمه في يوم العنصرة أعلن لسكّان أورشليم: “يَسوعَ هذا الَّذي صَلَبتُموه أَنتُم قد جَعَلَه اللهُ رَبًّا ومَسيحًا” (أعمال الرّسل 2، 36). فشعر المستمعون بالشّرّ الذي صنعوه وبالخلاص الذي أعطاهم إياه الرّبّ يسوع: “فلَمَّا سَمِعوا ذٰلكَ الكَلام، تَفَطَّرَت قُلوبُهم” (أعمال الرّسل 2، 37).
هذا هو النّدم: ليس شعورًا بالذّنب يلقي بنا أرضًا، ولا هو وسواس الخطيئة الذي يَشُلّنا، بل هو نَخزَة مفيدة في الدّاخل تحرق وتشفي، لأنّ قلبنا عندما يرى الشّرّ الذي اقترفه ويعترف بأنّه خاطئ، فإنّه ينفتح، ويقبل عمل الرّوح القدس، والماء الحيّ الذي يحرّكه، فيجعل الدّموع تنهمر على وجهه. الذي يزيل القناع عن وجهه ويترك نظرة الله تخترق قلبه، ينال عطيّة هذه الدّموع، وهي أقدس المياه بعد مياه المعموديّة [1]. أيّها الإخوة الكهنة الأعزّاء، هذا ما أتمنّاه لكم اليوم.
مع ذلك، علينا أن نفهم جيّدًا ماذا يعني أن نبكي على أنفسنا. لا يعني أن نبكي فنشكو أنفسنا، كما يحدث لنا مرارًا. هذا يحدث، مثلًا عندما نكون محبطين أو قلقين بسبب توقعاتنا التي بائت بالفشل، أو بسبب عدم فهم الآخرين لنا، وربّما إخوتنا ورؤسائنا. أو بسبب متعة غريبة ومريضة في النّفس، نحبّ أن نجترَّ طويلًا الإساءات الموجّهة إلينا، لكي نبكي حالنا، فنعتقد أنّنا لم نتلقّ ما نستحقه، ونتخيّل أنّ المستقبل لا يمكن إلّا أن يحفظ لنا باستمرار مفاجآت سلبيّة. هذا ما يعلّمنا إياه القدّيس بولس، وهو الحزن بحسب العالم، عكس الحزن بحسب الله [2].
البكاء على أنفسنا هو بالأحرى توبة جدّيّة لأنّنا أحزنّا الله بالخطيئة، فنعترف أنّنا مدينون دائمًا ولا استحقاق لنا مطلقًا، ونعترف بأنّنا أضعنا طريق القداسة، لأنّنا لم نحافظ على الأمانة لحبّ الذي بذل حياته من أجلي [3]. البكاء على نفسي هو أن أنظر إلى داخلي وأتألّم لنكراني الجميل وعدم ثباتي، وأن أتأمّل بحزن في ازدواجيّتي وزَيفِي، وأن أنزل إلى أعماق ريائي، رياء التسلّط الإكليريكيّ، أيّها الإخوة الأعزّاء، الذي فيه نقع كثيرًا كثيرًا. تنبّهوا من رياء التسلّط الإكليريكيّ. ومن هناك، أرفع نظري إلى المصلوب وأتأثّر بمحبّته التي تغفر لنا دائمًا وتنهضنا، ولا تخيِّب أبدًا الذين يثقون به. وهكذا، تستمرّ الدّموع وتنقّي قلبنا.
في الواقع، النّدم يتطلّب جُهدًا، لكنّه يمنح السّلام، ولا يسبّب الألم، بل يخفّف من أثقال النّفس، لأنّه يشفي جرح الخطيئة، ويهيّئنا لنلاقي ملاطفة الله، الذي يحوّل القلب “المُنكَسِر المُنسَحِق” (المزامير 51، 19) وقد ليّنته الدّموع. النّدم إذن هو التّرياق لتصلّب القلب، ولقساوة القلب التي ندَّد بها يسوع مرارًا (راجع مرقس 3، 5؛ 10، 5). لذلك، القلب الذي لا يتوب ولا يبكي يصير قاسيًا: في البداية يتعوَّد، ثمّ يصير لا يشعر بألم غيره ولا يكترث له، ثم يصير باردًا وعديم الإحساس، وكأنّه ملفوف بقِشرة لا تنكسر وأخيرًا يتحجَّر. لكن كما تحفر قطرة الماء الحجر، كذلك تحفر الدّموع القلوب القاسية ببطء. بهذه الطّريقة نشهد معجزة الحزن، الحزن الجيّد، الذي يؤدّي إلى اللطف.
نفهم إذًا لماذا يُصِرُّ المعلّمون الرّوحيّون على النّدم. القدّيس بنديكتس يدعونا كلّ يوم إلى “أن نعترف لله بخطايانا الماضية بالدّموع والأنين” [4]، ويؤكّد أنّه إن صلّينا “لن يُستجاب لنا من أجل كلامنا، بل من أجل نقاوة قلوبنا والندم الذي يفجِّر الدموع فينا” [5]. ويقول القدّيس يوحنّا الذّهبيّ الفَم إنّ دمعة واحدة تُطفئ حريقًا من الخطايا [6]، وكتاب الاقتداء بالمسيح يوصينا بما يلي: “اسلم نفسك لانسحاق القلب”، بقدر ما لا ننتبه للويلات في نفنسا بسب طيش قلبنا، وتوانينا عن إصلاح نقائصنا” [7]. النّدم هو العلاج، لأنّه يعيدنا إلى حقيقة أنفسنا، كما أنّ الخطيئة في عمق كياننا تكشف لنا عن الحقيقة الأكبر بما لا نهاية له أنّنا كائن مغفور له خطاياه. لذلك، لا يُدهشنا قول إسحق السّريانيّ القائل: “الذي ينسى مقدار خطاياه، ينسى مقدار نعمة الله له” [8].
أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، صحيح أنّ كلّ ولادة جديدة في داخلنا تنشأ دائمًا من اللقاء بين بؤسنا ورحمته، وتمرّ من خلال فقرنا الرّوحيّ الذي يسمح للرّوح القدس بأن يعطينا من غناه. على ضوء هذا الكلام، يمكننا أن نفهم التّأكيدات البليغة لكثير من المعلّمين الرّوحيّين. لنفكّر في تلك التّأكيدات، الغريبة، للقدّيس إسحق أيضًا: “الذي يعرف خطاياه […] هو أكبر من الذي يُقيم الموتى بصلاته. والذي يبكي على نفسه ساعة، هو أكبر من الذي يخدم العالم كلّه وهو يتأمّل […]. والذي أُعطي معرفة نفسه، هو أكبر من الذي أُعطي رؤية الملائكة” [9].
أيّها الإخوة، لننظر الآن إلى أنفسنا نحن الكهنة ولنسأل أنفسنا كَم يكون النّدم والدّموع حاضرَيْن في فحصنا لضميرنا وفي صلاتنا. لنسأل أنفسنا هل الدّموع تزداد مع مرور السّنين. من هذا المنظور، حسنٌ أن يحدث العكس مقارنة مع الحياة البيولوجيّة، حيث عندما ننمو ونكبر، نبكي أقلّ ممّا كنّا عليه ونحن أطفالًا. أمّا، في الحياة الرّوحيّة، وحيث من المهمّ أن نصير أطفالًا (راجع متّى 18، 3)، الذي لا يبكي يتراجع إلى الوراء، ويهرم في داخله، أمّا الذي تزداد صلاته بساطة وصدقًا أمام الله، وتقوم على السّجود والتأثّر، فهو يزداد نضوجًا. يتعلّق دائمًا أقلّ بنفسه، ويزداد تعلّقه بالمسيح، ويصير فقيرًا بالرّوح. بهذه الطّريقة يشعر بأنّه أقرب إلى الفقراء، أحباء الله، الذين كان يبتعد عنهم في البداية – كما كتب القدّيس فرنسيس في وصيّته – لأنّه كان في الخطيئة، لكن بعد ذلك، تحوّلت رفقتهم من المرّ إلى الحلو [10]. وهكذا، الذي يتفطّر قلبه يشعر دائمًا أكثر بأنّه أخٌ لجميع الخطأة في العالم، ودون أيّ مظهر من مظاهر التّفوّق أو الأحكام القاسية، بل تملأه دائمًا رغبة في الحبّ والإصلاح.
وهذه ميزة أخرى للنّدم أيّها الإخوة الأعزّاء: التّضامن. القلب المطيع، والمحرّر بروح التّطويبات، يصير بشكل طبيعيّ ميّالًا لأن يشعر بالنّدم تجاه الآخرين: فبدل أن يغضب ويتشكّك بسبب الشّرّ الذي يصنعه إخوته، يبكي على خطاياهم. لا يتشكّك. يحدث نوع من الانقلاب فيه، فينعكس الميل الطّبيعي فيه، فبدلًا من أن يكون متساهلًا مع نفسه ومتشدّدًا مع الآخرين، يصير وبنعمة الله، حازمًا مع نفسه ورحيمًا مع الآخرين. والرّبّ يسوع يبحث، وخاصّة بين المكرَّسين له، عن أشخاصيبكون على خطايا الكنيسة والعالم، ويجعلون أنفسهم شفعاء للجميع. كم من الشّهود الأبطال في الكنيسة يبيِّنون لنا هذا الطّريق! لنفكّر في رهبان الصّحراء، في الشّرق وفي الغرب، وفي الشّفاعة الدّائمة في الدّموع والنّحيب للقدّيس غريغوريوس من ناريك، وفي التّقدمة الفرنسيسكانيّة من أجل الحبّ غير المحبوب، وفي الكهنة، مثل كاهن آرس، الذين عاشوا بالتّوبة من أجل خلاص الآخرين. أيّها الإخوة الأعزّاء هذا ليس شِعرًا، هذا كهنوت!
أيّها الإخوة الأعزّاء، الرّبّ يسوع لا يطلب منّا، نحن رعاته، أن نحكم على الذين لا يؤمنون ونستخف بهم، بل أن نحبّ البعيدين ونبكي عليهم. الأوضاع الصّعبة التي نراها ونعيشها، وقلّة الإيمان، والآلام التي نلمسها، إذا وصلت إلى قلب منسحق، لا تثير تشدُّدًا في الجدال، بل مثابرة في الرّحمة. كم نحتاج أن نكون أحرارًا من القسوة والاتّهامات، ومن الأنانيّة والأطماع، ومن التّصلّب وعدم الرّضا، لكي نوكل أنفسنا وغيرنا إلى الله، فنجد فيه السّلام الذي يخلّصنا من كلّ عاصفة. لنسجد ولنشفع ولنبكِ من أجل الآخرين: فنسمح للرّبّ يسوع أن يصنع العجائب. ولا نَخَف: سوف يفاجئنا!
وستستفيد خدمتنا من كلّ هذا. اليوم، في مجتمع علمانيّ، نوشك أن نكون كثيري النّشاطات، وفي الوقت نفسه نشعر بالعجز. ويؤدّي ذلك إلى فقدان الحماس، وإلى إيقاف ”المجاديف في القارب“، فننغلق على أنفسنا في الشّكوى ونضخّم المشاكل فنراها أكبر من قوّة الله. إن حدث هذا الأمر، نمتلئ بالمرارة والحدّة تجاه الآخرين، ونتكلّم دائمًا بالسّوء على الآخرين، ونجد دائمًا فرصة ما لكي نتشكّى. أمّا إن انقلبت المرارة والنّدم، ليس في العالم، بل في قلبنا، سيزورنا الرّبّ يسوع وينهضنا. كما يحثّنا أن نعمل كتاب الاقتداء بالمسيح: “لا تحوّل إليك شؤون الآخرين، ولا تتدخّل في مھام الرّؤساء. لتكن عينك دائمًا على نفسك قبل كلّ شيء، وانصح أوّلًا نفسك، قبل أن تنصح أحدًا من أحبّائك. إن لم تنل حسن الجميل عند النّاس، فلا تحزن لذلك، بل ما يجب أن يرزح قلبك تحت الثِقل ويُحزنك، هو أنّك لا تسلك في الصّلاح والرّصانة” [11].
أخيرًا، أودّ أن أؤكّد على جانب أساسيّ: النّدم ليس ثمرة جهودنا، بل هو نعمة علينا أن نطلبها في الصّلاة. التّوبة هي عطيّة من الله، وهي ثمرة عمل الرّوح القدس. لكي نسهّل نموّها، أشارككم نصيحتَين صغيرتَين. الأولى هي ألّا ننظر إلى الحياة والدّعوة من منظور الفعّالية والإنتاج والتّحقيق السّريع، ولا نربطها فقط بهذا اليوم وبضروراته وتوقعاته، بل انظروا إلى الكلّ معًا، وإلى الماضي والمستقبل معًا. ومن الماضي، نتذكّر أمانة الله – الله أمين -، ومغفرته، ونتمسك بحبّه، ومن المستقبل، نفكّر في الهدف الأبديّ الذي نحن مدعوّون إليه، وفي الهدف النّهائي لحياتنا. توسيع الآفاق، أيّها الإخوة الأعزّاء، يساعد توسيع القلب، ويحفّزنا على أن نعود إلى أنفسنا مع الرّبّ يسوع وأن نعيش النّدم. النّصيحة الثّانية، وهي نتيجة للأولى: نكتشف ضرورة أن نعوِّد أنفسنا أن نصلّي صلاة ليست واجِبَة ولا هي رتبة نتمّمها، بل صلاة حرّة وهادئة وطويلة. أخي، كيف هي صلاتك؟ لنَعُد إلى السّجود – هل نسيت أن تسجد؟ – ولنَعُد إلى صلاة القلب. لنكرّر: يا يسوع ابن الله، ارحمني أنا الخاطئ. لنشعر بعظمة الله أمام ضَعَتِنا نحن الخطأة، ولننظر إلى داخلنا وندع نظره يجتازنا من الدّاخل. سنكتشف من جديد حكمة أمِّنا الكنيسة المقدّسة، التي تدعونا دائمًا إلى بدء صلاتنا بنداء الفقير الذي يصرخ: يا ربّ، أَسرِعْ إِلى إغاثتي.
أيّها الأعزّاء، لنَعُد أخيرًا إلى القدّيس بطرس وإلى دموعه. المذبح الموضوع فوق قبره لا يمكنه إلّا أن يجعلنا نفكّر كمّ مرّة، نحن الذين نقول هناك كلّ يوم: “خذوا فكلوا من هذا كلكم، هذا هو جسدي الذي يبذل من أجلكم”، كم مرّة نخيّب ظنّه، ونُحزنه هو الذي أحبّنا لدرجة أنّه جعل من أيدينا أدوات لحضوره. لذلك، حسنٌ أن نكرّر هذا الكلام الذي نجهّز به أنفسنا بصوتٍ مُنخفض: “اقبَلْنا، يا رَبُّ، لِتواضُعِ أرواحِنا وانسِحَاقِ نُفُوسِنا”، وأيضًا: “اغسِلْني، يا رَبُّ، مِن إِثمي، ومِن خَطيئَتي طَهِّرْني”. في كلّ ذلك، أيّها الإخوة، يعزّينا يقيننا الذي تلقّيناه اليوم بهذه الكلمة: الرّبّ يسوع، المكرَّس بمسحة الزّيت (راجع لوقا 4، 18)، جاء “لِيَجبُرَ مُنكَسِري القُلوب” (أشعيا 61، 1). لذلك، إن انكسر القلب، يمكن أن يَجبُرَه يسوع ويشفيه. شكرًا، أيّها الكهنة الأعزّاء، شكرًا على قلبكم المنفتح والمُطيع، وشكرًا على تعبكم ودموعكم، وشكرًا لأنّكم تحملون رحمة الله العجيبة – اغفروا دائمًا وكونوا رُحماء – واحملوا هذه الرّحمة، واحملوا الله إلى الإخوة والأخوات في زمننا. أيّها الكهنة الأعزّاء، ليكن الرّبّ يسوع عزاءكم، وليثبّتكم وليُكافئكم. شكرًا.
***********
© جميع الحقوق محفوظة – حاضرة الفاتيكان 2024
[1]“يوجد في الكنيسة ماء ودموع: ماء المعموديّة، ودموع التّوبة” (القدّيس امبروسيوس، Epistula extra collectionem، المجلّد الأوّل، 12).
[2] “لأَنَّ الحُزْنَ للهِ يُورِثُ تَوبَةً تُؤَدِّي إِلى الخَلاص ولا نَدَمَ عَلَيها، في حِينِ أَنَّ حُزْنَ الدُّنْيا يُورِثُ المَوت” (2 قورنتس 7، 10).
[3]راجع القدّيس يوحنّا الذّهبيّ الفمّ، De compunctione، المجلّد الأوّل، 10.
[4] القانون الرّهبانيّ، 4، 57.
[5] المرجع السّابق، 20، 3.
[6]راجع التّوبة، 7، 5.
[7]الفصل الحادي والعشرون.
[8] مقالات نُسكيَّة، 12.
[9] مقالات نُسكيَّة، 34.
[10]راجع مصادر فرنسيسكانيّة، 110.
[11]الفصل الحادي والعشرون.
Copyright © Dicastero per la Comunicazione – Libreria Editrice Vaticana