”الصّلاة مع يسوع على درب الصّليب“
صلاة الافتِتاح
أيّها الرّبّ يسوع، إنّا ننظر إلى صليبك ونعرف أنّك بذلت كلّ شيء من أجلنا. إنَّا نكرِّس هذا الوقت لك. نريد أن نقضيه معك، قريبين منك، وأنت تصلِّي، من الجسمانيّة إلى الجلجلة. وفي سنة الصّلاة هذه، ننضمّ إلى مسيرة صلاتك.
من إنجيل ربّنا يسوع المسيح للقدّيس مرقس (14، 32-37)
ووصَلوا إِلى ضَيعَةٍ اسمُها جَتْسمَانِيَّة […]. ثُمَّ مضى بِبُطرُسَ ويَعقوبَ ويوحَنَّا، وجعَلَ يَشعُرُ بالرَّهبَةِ والكآبة. فقالَ لهم: «[…] أُمكُثوا هُنا واسهَروا». ثُمَّ أَبعَدَ قليلًا ووَقَعَ إِلى الأَرضِ يُصَلِّي […] قال: «أَبَّا، يا أَبَتِ، إِنَّكَ على كُلِّ شَيءٍ قَدير، فَاصرِفْ عَنِّي هذِه الكَأس. ولكِن لا ما أَنا أَشاء، بل ما أَنتَ تَشاء». ثُمَّ رَجَعَ فَوَجَدَهُم نائمين، فقالَ لِبُطرس: «[…] أَلَم تَقْوَ على السَّهَرِ ساعَةً واحِدَة؟».
أيّها الرّبّ يسوع، كنت تستعدّ لكلّ يوم لك بالصّلاة. والآن في الجسمانيّة فإنّك تستعدّ للفصح. قلت: أَبَّا، يا أَبَتِ، كلّ شيء ممكن لك، لأنّ الصّلاة هي أوّلًا حوار وحياة حميمة، وهي أيضًا جهاد وطلب: أَبعِد عَنِّي هذِه الكَأس! وإنّها ثقة وعطاء: ولكِن لا ما أَنا أَشاء، بل ما أَنتَ تَشاء. وهكذا، في الصّلاة، دخلت من باب آلامنا الضّيّق وعبرته إلى أعمق أعماقنا. وشعرت “بالرَّهبَةِ والكآبة” (مرقس 14، 33): بالرّهبة أمام الموت، وبالكآبة لِثِقَل خطيئتنا التي حملتها عليك، بينما اجتاحتك مرارة لا حدَّ لها. وفي خضمّ الجهاد صلّيت ”بجهْد“ (راجع لوقا 22، 44)، وحوّلت شدّة ألَمِكَ إلى تقدمة محبّة.
لقد طلبت منّا شيئًا واحدًا فقط: أن نمكث معك، ونسهر. إنّك لا تطلبُ منّا المستحيل، بل أن نكون قريبين منك. ومع ذلك، كم مرّة ابتعدتُ عنك! وكم مرّة، مثل التّلاميذ، بدلًا من أن أسهر معك، نِمت، وكم مرّة لم يكن لديّ الوقت أو الرغّبة في الصّلاة، لأنّي متعب، ومخدَّر بالرّاحة، وقد غلب النّعاس على نفسي. يا يسوع، قُلْ لي من جديد، ولنا نحن كنيستك: “قُوموا فصَلُّوا” (لوقا 22، 46). أيقظنا يا ربّ، أيقظنا من سبات قلوبنا، لأنّك اليوم أيضًا، وخاصّة اليوم، تحتاج إلى صلاتنا.
المرحلة الأولى
يسوع يُحكَم عليه بالموت
فقامَ عظيمُ الكَهَنَةِ في وَسْطِ المَجلِسِ وسأَلَ يسوع: «أَما تُجيبُ بِشَيء؟ ما هذا الَّذي يَشهَدُ بِه هؤُلاءِ علَيكَ؟» فظَلَّ صامِتًا لا يُجيبُ بِشَيء. […] فسأَلَه بيلاطُسُ ثانِيَةً: «أَما تُجيبُ بِشَيء؟ أُنظُرْ ما أَكثَرَ ما يَشهَدونَ بِه علَيكَ». ولكِنَّ يسوعَ لم يُجِبْ بِشَيءٍ بَعدَ ذلك حتَّى تَعَجَّبَ بيلاطُس (مرقس 14، 60-61؛ 15، 4-5).
يا يسوع، أنت الحياة وقد حُكِمَ عليك بالموت، وأنت الحقّ وعانيت من محاكمة كاذبة. ولماذا لا تشتكي؟ لماذا لا ترفع صوتك وتشرح أسبابك؟ لماذا لا تدحض أقوال العلماء والأقوياء كما فعلت دائمًا بنجاح؟ إنّ موقفك عجيب، يا يسوع: في اللحظة الحاسمة لا تتكلّم، بل تبقى صامتًا. لأنّه كلّما زاد الشّرّ قوّة، كان جوابك أكثر حسمًا. وجوابك الآن هو الصّمت. لكن في صمتك فِعلٌ: فهو صلاة، ووداعة، ومغفرة، وهو الطّريق لتفدي الشّرّ، ولتحوِّلَ ألَمَك إلى عطيّة تقدّمها. يا يسوع، أُدرك أنّني أعرفك قليلًا لأنّي لا أعرف صمتك بما فيه الكفاية. لأنّي في جنون السّرعة والعمل، غارق في الأشياء، وأنا خائف ألّا أبقى في نجاحي، وألّا أبقى محطّ الأنظار، ولهذا لا أجد الوقت للتوقّف والبقاء معك: لأدعك أنت تعمل فيَّ، أنت كلمة الآب الذي تعمل في الصّمت. يا يسوع، إنّ صمتك يهُزَّني، ويعلِّمني أنّ الصّلاة لا تولد من الشّفاه التي تتحرّك، بل من قلب يعرف أن يصغي: لأنّ الصّلاة هي أن أصير مطيعًا لكلمتك، وأسجد لحضورك.
لِنُصَلِّ ولْنَقُلْ: كلِّم قلبي، يا يسوع
أنت الذي تَرُدُّ على الشّرّ بالخير: كلِّم قلبي، يا يسوع
أنت الذي تسكت الضّجيج بالوداعة: كلِّم قلبي، يا يسوع
أنت الذي تكره الثّرثرة والتشكّيات: كلِّم قلبي، يا يسوع
أنت الذي تعرفني في صميم حياتي: كلِّم قلبي، يا يسوع
أنت الذي تحبّني أكثر من حبّي لنفسي: كلِّم قلبي، يا يسوع
المرحلة الثّانية
يسوع يَحمِل الصَّليب
هو الَّذي حَمَلَ خَطايانا في جَسَدِه على الخَشَبَة لِكَي نَموتَ عن خَطايانا فنَحْيا لِلبِرّ. وهو الَّذي بِجِراحِه شُفيتم (1 بطرس 2، 24).
يا يسوع، نحن أيضًا نحمل صلبانًا، أحيانًا ثقيلة جدًّا: مرضًا، أو حادِثًا، أو موت أحد الأحبّاء، أو فشلًا عاطفيًّا، أو لنا ابن ضالّ، أو ليس لنا عمل، أو في نفسنا جرح لا يلتئم، أو إخفاق في مشروع، أو توقّع النّجاح بعد مئة مرّة، ثمّ يأتي الفشل… مع كلّ هذا، يا يسوع، كيف يمكن أن أصلّي؟ ماذا أعمل عندما أشعر بأنّ الحياة تسحقني، وأشعر بثقل على قلبي، وعندما أكون تحت ضغط وليس لديَّ القوّة حتّى على التّفاعل؟ أنت تجيب وتقول لي: “تَعالَوا إِلَيَّ جَميعًا أَيُّها المُرهَقونَ المُثقَلون، وأَنا أُريحُكم” (متّى 11، 28). أن آتي إليك، أنا؟ لكنّني منغلق على نفسي: أجتَرُّ أفكاري، وأعود إلى الوراء، وأبكي على نفسي، وأغرق في الشّعور بأنّي ضحيّة، وأصير زعيمًا في السّلبيّة. تعالوا إليّ: ولم تكتف بأن تقول لنا ذلك، فجئت أنت إلينا تحمل صليبنا على كتفيك، لترفع عنّا ثقله. هذا ما تريده أنت: أن نلقي عليك أتعابنا وهمومنا، لأنّك تريد أن نشعر بأنّنا أحرار وبأنّك تحبّنا. شكرًا، يا يسوع. إنّي أضمّ صليبي إلى صليبك، وأحمل إليك تعبي وكلّ شقائي، وألقي عليك كلّ ثقل في قلبي.
لِنُصَلِّ ولْنَقُلْ: أنا آتي إليك، يا ربّ
بقصّتي: آتي إليك، يا ربّ
بتعبي: آتي إليك، يا ربّ
بمحدوديّتي وضعفي: آتي إليك، يا ربّ
بمخاوفي: آتي إليك، يا ربّ
وأعود وأضع كلّ ثقتي في محبّتك: آتي إليك، يا ربّ
المرحلة الثّالثة
يسوع يَقَعُ تحتَ الصَّليب للمرَّة الأولى
الحَقَّ الحَقَّ أَقولُ لَكم: إنَّ حَبَّةَ الحِنطَةِ الَّتي تَقَعُ في الأَرض إِن لَم تَمُتْ تَبقَ وَحدَها. وإذا ماتَت، أَخرَجَت ثَمَرًا كثيرًا (يوحنّا 12، 24).
وقعتَ، يا يسوع. فِيمَ تفكِّر، وكيف تصلّي ووجهك في التّراب؟ وقبل كلّ شيء، من أين لك القوّة لتقوم من جديد؟ وجهك على الأرض ولم تعد ترى السّماء، أتخيّلك تكرّر في نفسك: أبي الذي في السّماوات. نظرة الآب الحبيبة التي استقرّت عليك هي قوّتك. وأتخيّلك أيضًا وأنت تقبّل الأرض القاحلة والباردة، أنك تفكّر في الإنسان المجبول من التّراب، وتفكّر فينا، نحن، في صميم قلبك، وتكرّر لنا وصيّتك: “هذا هو جَسَدي يُبذَلُ مِن أَجلِكُم” (لوقا 22، 19). محبّة الآب لك ومحبّتك لنا: المحبّة، هذه هي القوّة التي تجعلك تقوم وتستمرّ في المسير. لأنّ الذي يحبّ لا يبقى على الأرض، بل يبدأ من جديد. الذي يحبّ لا يتعب بل يركض. الذي يحبّ، يحلِّق ويطير. يا يسوع، أطلب منك دائمًا أشياء كثيرة، لكنّي أحتاج إلى شيء واحد فقط: أن أعرف أن أحبّ. سأقع في الحياة، وبالحبّ سيمكّنني أن أقوم وأستمرّ في المسير، كما فعلت أنت، الخبير في الوقوع. حياتك كانت وقوعًا مستمرًّا نحونا: كنت إلهًا فصرت إنسانًا، وإنسانًا فصرت عبدًا، وعبدًا فصرت مصلوبًا، حتّى القبر. لقد وقعت على الأرض مثل بذرة لتموت، وقعْتَ لترفعنا من الأرض وتحملنا إلى السّماء. أنت الذي تقيمنا من التّراب، وتعيد إلينا الرّجاء، أعطني القوّة لكي أحبّ وأبدأ من جديد.
لِنُصَلِّ ولْنَقُلْ: يا يسوع، أعطني القوّة لكي أحبّ وأبدأ من جديد
عندما يسود الفشل: يا يسوع، أعطني القوّة لكي أحبّ وأبدأ من جديد
عندما تقع علّي أحكام الآخرين: يا يسوع، أعطني القوّة لكي أحبّ وأبدأ من جديد
عندما تتعثّر الأمور وأفقد الصّبر: يا يسوع، أعطني القوّة لكي أحبّ وأبدأ من جديد
عندما أشعر أنّي فقدت كلّ مقدرة: يا يسوع، أعطني القوّة لكي أحبّ وأبدأ من جديد
عندما تضغط عليَّ الفكرة أنّ لا شيء يتغيّر: يا يسوع، أعطني القوّة لكي أحبّ وأبدأ من جديد
المرحلة الرابعة
يسوع يَلتقي أُمَّهُ الحَزينَة
رأَى يسوعُ أُمَّه وإِلى جانِبِها التِّلميذُ الحَبيبُ إِلَيه. فقالَ […] لِلتِّلميذ: «هذه أُمُّكَ». ومُنذُ تِلكَ السَّاعَةِ استَقبَلَها التِّلميذُ في بَيتِه (يوحنّا 19، 26-27).
يا يسوع، لقد تركك تلاميذك، وخانك يهوذا، وأنكرك بطرس: لقد بقيت وحدك مع الصّليب. ولكن هذه أُمُّكَ. لا حاجة إلى الكلام، عينَاها تكفيان، تنظران الألم في وجهك، وتحمله. يا يسوع، في نظرة مريم المليئة بالدّموع والنّور، تجد ذكرى الحنان والملاطفة والذراعَين المحبَّين اللذين عانقاك وأسنداك دائمًا. النّظرة الوالديّة هي نظرة الذّاكرة التي تثبِّتُنا في الصّلاح. لا يمكننا الاستغناء عن أمّ تَلِدُنا في العالم، ولا حتّى عن أمّ توقفنا على رجلينا من جديد في العالم. أنت تعرف ذلك ومن على الصّليب تعطينا أمّك. قلت للتّلميذ: هذه أُمُّكَ، ولكلّ واحد منّا. وبعد الإفخارستيّا، أعطيتنا مريم، العطيّة النّهائيّة قبل أن تموت. يا يسوع، ذكرى محبّتك لها كانت عزاء لك في طريقك. وطريقي أيضًا يجب أن يرتكز على ذكرى الصّلاح. لكنّني أرى أنّ ذاكرتي في الصّلاة ضعيفة: فهي سريعة، ومتسرِّعة، هي قائمة احتياجات اليوم وغدًا. يا مريم، أوقفي سباقي وسرعتي، وساعديني لأتذكّر: فأحافظ على النّعمة، وأتذكّر مغفرة الله وعجائبه، وأستعيد الحبّ الأوّل، وأتذوّق من جديد عجائب العناية الإلهيّة، وأبكي بكاء الشّاكرين.
لِنُصَلِّ ولْنَقُلْ: أيّها الرّبّ يسوع، أحْيِ فيَّ ذكرى حبِّكَ
عندما تَظهَر فيَّ جروح الماضي من جديد: أيّها الرّبّ يسوع، أحْيِ فيَّ ذكرى حبِّكَ
عندما أفقد معنى الأشياء وغايتها: أيّها الرّبّ يسوع، أحْيِ فيَّ ذكرى حبِّكَ
عندما لا أعود أرى العطايا التي قبِلْتُها: أيّها الرّبّ يسوع، أحْيِ فيَّ ذكرى حبِّكَ
عندما أنسى أنّي أنا نفسي عطيّة من الله: أيّها الرّبّ يسوع، أحْيِ فيَّ ذكرى حبِّكَ
عندما أنسى أن أشكرك: أيّها الرّبّ يسوع، أحْيِ فيَّ ذكرى حبِّكَ
المرحلة الخامسة
سمعان القَيروانيّ يُعين يسوع على حَملِ الصَّليب
وبَينما هم [الجنود] ذاهبونَ بِه، أَمسكوا سِمعان، وهو رَجُلٌ قِيرينيٌّ كانَ آتِيًا مِنَ الرِّيف، فجَعَلوا علَيهِ الصَّليبَ لِيَحمِلَه خَلْفَ يَسوع (لوقا 23، 26).
يا يسوع، كم مرّة، أمام تحدّيات الحياة، ندَّعي أنّنا نقدر أن نواجهها وحدنا! قد يصعب علينا أحيانًا أن نطلب يد المساعدة، خوفًا من إعطاء الانطباع بأنّنا لسنا على المستوى المطلوب، فنحن دائمًا حريصون على الظّهور والتّباهي! ليس من السّهل أن نثق، ولا أن نتّكل على الآخرين. لكن الذي يصلّي يعرف أنّه محتاج، وأنت، يا يسوع، تعَوّدت أن تضع ثقتك في الصّلاة. لذلك لم تَستَهِنْ بمساعدة سمعان القَيروانيّ. بل أظهرت ضعفك أمامه، هو الرّجل البسيط، والمزارع العائد من العمل في الحقول. شكرًا، لأنّك بقبول المساعدة منه، ألغيت صورة الإله البعيد والذي لا يتألّم. أنت لست صاحب السّلطان الذي لا يمكن الانتصار عليه، لكن لا يمكن أن يتفوّق عليك أحد بالحبّ، وتعلّمنا أنّ المحبّة هي مساعدة الآخرين في ضعفهم، حيث يخجلون أن يُظهِروا ضعفهم. إذّاك يتحوّل الضّعف إلى فرصة للمساعدة. هذا ما حدث لسمعان القَيروانيّ: ضعفك غيّر حياته، وسيدرك يومًا أنّه ساعد مخلّصه، وأنّه تمَّ فداؤه بهذا الصّليب الذي حمله. لكي تتغيّر حياتي أيضًا، أصّلي إليك، يا يسوع: ساعدني لأُزيل كلّ ما أحتمي به وأختبئ خلفه، حتّى أسمح لك بأن تحبّني في مواطن ضعفي التي أخجل من إظهارها.
لِنُصَلِّ ولْنَقُلْ: اشفني، يا يسوع!
مِن كلّ غرور واكتفاء ذاتيّ: اشفني، يا يسوع!
من التّفكير في أنّني أستطيع أن أفعل كلّ شيء بدونك وبدون الآخرين: اشفني، يا يسوع!
من وَلَعِ مظاهر الكمال: اشفني، يا يسوع!
من الامتناع عن تسليم بؤسي إليك: اشفني، يا يسوع!
من الذّهاب سريعًا بدل التّمهّل للنّظر في حاجة المحتاجين الذين ألتقي بهم في الطّريق: اشفني، يا يسوع!
المرحلة السّادسة
فيرونيكا تمسح وجه يسوع بالمنديل
تَبارَكَ اللهُ […] أَبو الرَّأفَةِ وإِلهُ كُلِّ عَزاء، فهو الَّذي يُعَزِّينا في جَميعِ شَدائِدِنا لِنَستَطيعَ […] أَن نُعَزِّيَ الَّذينَ هُم في أَيَّةِ شِدَّةٍ كانَت. فكَما تَفيضُ علَينا آلامُ المسيح، فكَذلِكَ بِالمسيحِ يَفيضُ عَزاؤنا أَيضًا. (2 قورنتس 1، 3-5).
يا يسوع، رأى كثيرون المشهد الهمجيّ لتنفيذ حكم الإعدام فيك، ومن دون أن يعرفوك ومن دون أن يعرفوا الحقيقة، كانوا يُصدرون الأحكام والإدانات، وينظرون إليك بالتّحقير والازدراء. يحدث هذا اليوم أيضًا، يا ربّ، ولا حاجة حتّى إلى موكب الموت ليتمّ ذلك: تكفي اليوم لوحة المفاتيح للإهانة وإصدار الأحكام. وفي وسط الصّراخ والأحكام، شقّت امرأة طريقها وسط الجموع. لم تتكلّم، بل عملت. ولم تهاجم، بل أشفقت. سارت عكس التّيّار: وحدها، وبشجاعة الرّحمة، غامرت لأنّها أحبّت، ووجدت طريقها بين الجنود لتضع على وجهك لمسة الحنان. وقد سجَّل التّاريخ عملها، وهو عمل عزاء. كم مرّة أطلب منك التّعزية، يا يسوع! وفيرونيكا تذكّرني بأنّك أنت أيضًا بحاجة إلى التّعزية: أنت، الإله القريب، تطلب قربي منك. أنت الإله المعزّي، تطلب منّي التّعزية. أيّها الحبّ غير المحبوب، إنّك تبحث اليوم أيضًا بين الجموع عن قلوب حسّاسة لآلامك ووجعك. أنت تبحث عن العُبَّاد الحقيقيّين بالرّوح والحقّ (راجع يوحنّا 4، 23) الذين يبقون معك (راجع يوحنّا 15)، أيّها الحبّ المتروك. يا يسوع، أضرم فيَّ الرّغبة لأن أقف معك، وأن أعبدك وأعزِّيك. واجعلني أكون باسمك عزاءً للآخرين.
لِنُصَلِّ ولْنَقُلْ: اجعلني شاهدًا لتعزيتك
يا إله الرّحمة، بالقرب منك يجد القلب الجريح تعزيته: اجعلني شاهدًا لتعزيتك
يا إله الحنان الذي تتأثّر لمشاعرنا: اجعلني شاهدًا لتعزيتك
يا إله الرّحمة الذي تكره عدم الاهتمام: اجعلني شاهدًا لتعزيتك
أنت، الذي تحزن عندما أتّهم غيري: اجعلني شاهدًا لتعزيتك
أنت، الذي لم تأتِ لتدين بل لتخلِّص: اجعلني شاهدًا لتعزيتك
المرحلة السّابعة
يسوع يسقُط تحتَ الصَّليب للمرَّة الثّانية
رَجَعَ [الابنُ الأصغر] إِلى نَفسِه وقال: أَقومُ وأَمضي إِلى أَبي فأَقولُ لَه: يا أَبَتِ إِنِّي خَطِئتُ […]. فقامَ ومَضى إِلى أَبيه. وكانَ لم يَزَلْ بَعيدًا إِذ رآه أَبوه، فتَحَرَّكَت أَحْشاؤُه وأَسرَعَ فأَلْقى بِنَفسِه على عُنُقِه وقَبَّلَه طَويلًا. فقالَ لَه الِابْن: يا أَبَتِ، إِنِّي خَطِئتُ […]، ولَستُ أَهْلًا بَعدَ ذلِكَ لأَن أُدْعى لَكَ ابنًا. فقالَ الأَبُ […]: ابنِي هذا كانَ مَيِّتًا فعاش، وكانَ ضالًّا فوُجِد (لوقا 15، 17-18. 20-22. 24).
يا يسوع، الصّليب ثقيل: يحمل ثقل الهزيمة والفشل والذّلّ. أفهم ذلك عندما أشعر بالأشياء تسحقني، والحياة تطاردني، والنّاس لا يفهمونني. وعندما أشعر بثقل المسؤوليّة والعمل الزّائد والمثير للأعصاب، وعندما أقع في قبضة القلق، وتهاجمني الكآبة، بينما تتردّد في ذهني فكرة خانقة: لن تخرج هذه المرّة، ولن تقوم من جديد. وهناك ما هو أسوأ. أُدرك أنّني وصلت إلى الحضيض عندما أقع من جديد: عندما أقع من جديد في أخطائي، وخطاياي، وعندما أتشكّك من الآخرين، ثمّ أُدرك أنّني لست مختلفًا عنهم. ليس هناك ما هو أسوأ من أن نشعر بالفشل في أنفسنا، وأن نرزح بسبب الشّعور بالذّنب. وأنت، يا يسوع، وقعت عدّة مرّات تحت ثقل الصّليب لتكون قريبًا منّي عندما أقع. معك الرّجاء لا ينتهي أبدًا، وبعد كلّ وقعة أقوم من جديد، لأنّني عندما أَخطَأ أنت لا تتعب منّي، بل تقترب منّي. شكرًا، لأنّك تنتظرني. شكرًا لأنّي عندما أقع مرّات عديدة تغفر لي مرّات لا تُحصى: تغفر لي دائمًا. تذكّرني أنّ الوقعات يمكن أن تصير لحظات حاسمة على الطّريق، لأنّها تقودني إلى أن أفهم الشّيء الوحيد الذي يهمّ: أنّني بحاجة إليك. يا يسوع، انقش في قلبي هذا الشّيء الأكيد الأهمّ: أنّني لن أقوم حقًّا إلّا عندما تقيمني أنت، وعندما تحرّرني من الخطايا. لأنّ الحياة لا تبدأ من جديد من كلامي، بل من مغفرتك.
لِنُصَلِّ ولْنَقُلْ: أقِمْني، يا يسوع!
عندما أُصاب بالشّلّل بسبب عدم الثّقة، وأشعر بالحزن واليأس: أقِمْني، يا يسوع!
عندما أرى عدم كفاءتي وأشعر بأنّه لا فائدة منّي: أقِمْني، يا يسوع!
عندما يسود عليَّ الخجل والخوف أنّي صرت لا أقدر أن أعمل شيئًا: أقِمْني، يا يسوع!
عندما أميل إلى أن أفقد الرّجاء: أقِمْني، يا يسوع!
عندما أنسى أنّ قوتي تكمن في مغفرتك: أقِمْني، يا يسوع!
المرحلة الثّامنة
يسوع يلتقي نساء أورشليم
وتَبِعَه جَمعٌ كثيرٌ مِنَ الشَّعب، ومِن نِساءٍ كُنَّ يَضرِبنَ الصُّدورَ ويَنُحنَ علَيه (لوقا 23، 27).
يا يسوع، مَن يتبعك حتّى النّهاية على درب الصّليب؟ ليس الأقوياء هم الذين ينتظرونك على الجلجلة، ولا المتفرّجون الواقفون بعيدًا، بل النّاس البسطاء، الكبار في عينيك والصّغار في عيون العالم. إنهنّ النّساء اللواتي أعطيتهنّ الرّجاء: ليس لهنّ صوت، لكنهنّ موجودات. ساعدنا لنعترف بكرامة النّساء، هُنَّ الأمينات والقريبات منك في يوم الفصح، وهُنَّ اليوم مُبعدات، ويعانَين من الإهانة والعنف. يا يسوع، النّساء اللواتي التقيت بهنَّ كُنَّ يَضرِبنَ صدورهنَّ ويَبكِينَ عليك. لم يَبْكِينَ على أنفسهِنَّ، بل يَبْكِينَ عليك، ويَبْكِينَ على شرّ العالم وخطيئته. صلاتهنَّ كانت دموعًا وصلت إلى قلبك. وهل صلاتي تعرف أن تبكي؟ هل أتأثّر أمامك، أنت المصلوب من أجلي، وأمام حبّك الوديع والمجروح؟ هل أبكي على أكاذيبي وتقلّباتي؟ وأمام مآسي العالم، هل يتجمّد قلبي أم يذوب؟ كيف أتصرّف أمام جنون الحرب، وأمام وجوه الأطفال الذين لم يعودوا يعرفون أن يبتسموا، والأمّهات اللواتي يرونهم يعانون من سوء التّغذية والجوع ولم تعد لديهنّ دموع تذرفها؟ أنت، يا يسوع، بكيت على أورشليم، وبكيت على قساوة قلوبنا. حرّكني من داخلي، وأعطني نعمة البكاء عندما أصلّي، ونعمة الصّلاة عندما أبكي.
لِنُصَلِّ ولْنَقُلْ: يا يسوع، لَيِّنْ قلبي القاسي
أنت الذي تعرف أسرار القلب: يا يسوع، لَيِّنْ قلبي القاسي
أنت الذي تحزن من قساوة النّفوس: يا يسوع، لَيِّنْ قلبي القاسي
أنت الذي تحبّ القلوب المتواضعة والتّائبة: يا يسوع، لَيِّنْ قلبي القاسي
أنت الذي جفّفت دموع بطرس بالمغفرة: يا يسوع، لَيِّنْ قلبي القاسي
أنت الذي تحوّل البكاء إلى نشيد: يا يسوع، لَيِّنْ قلبي القاسي
المرحلة التّاسعة
يسوع يُعَرَّى مِن ثيابه
«يا رَبّ، متى رَأَيناكَ جائعًا فأَطعَمْناك أَو عَطشانَ فسَقيناك؟ ومتى رأَيناكَ غَريبًا فآويناك أَو عُريانًا فكَسَوناك؟ ومتى رَأَيناكَ مَريضًا أَو سَجينًا فجِئنا إِلَيكَ؟» فيُجيبُهُمُ […]: «الحقَّ أَقولُ لَكم: كُلَّما صَنعتُم شَيئًا مِن ذلك لِواحِدٍ مِن إِخوَتي هؤُلاءِ الصِّغار، فلي قد صَنَعتُموه» (متّى 25، 37-40).
يا يسوع، هذه كلمات قلتها قبل آلامك. الآن أفهم إصرارك على مساواة نفسك بالمحتاجين: لقد كنت سجينًا، وغريبًا، قادوك خارج المدينة ليصلبوك. أنت عريان، معرَّى من ثيابك، أنت مريض وجريح، وأنت العطشان على الصّليب والجائع للمحبّة. أعطني أن أراك في المتألِّمين وأرى المتألِّمين فيك، لأنّك أنت هناك، في الذين جُرِّدوا من كرامتهم، وفي المسحاء الذين أذلَّهم الاستبداد والظّلم، والمكاسب الآثمة من عذاب الآخرين، في اللامبالاة العامّة. أنظر إليك، يا يسوع، معرًّى من ثيابك، وأفهم أنّك تدعوني إلى أن أعرّي نفسي من مظاهر خارجيّة كثيرة. لأنّك أنت لا تنظر إلى المظاهر، بل إلى القلب. ولا تريد صلاة عقيمة، بل صلاة مثمرة بالمحبّة. أيّها الإله المعرَّى، عرّيني أنا أيضًا. لأنّه من السّهل أن أتكلّم، لكن هل أحبّك حقًّا في الفقراء، الذين هم جسدك الجريح؟ وهل أصلّي من أجل الذين جُرِّدوا من كرامتهم؟ أم أصلّي فقط لأستر حاجاتي وأستر نفسي بما يحميها؟ يا يسوع، حقيقتك تعرّيني وتقودني إلى التّركيز على ما يهمّ: أنت المصلوب وإخوتي هم المصلوبون. أعطني أن أفهم ذلك الآن، حتّى لا تجدني مجرَّدًا من الحبّ عندما أمثل أمامك.
لِنُصَلِّ ولْنَقُلْ: جرِّدني، أيّها الرّبّ يَسُوع!
من التّعلّق بالمظاهر: جرِّدني، أيّها الرّبّ يَسُوع!
من اللامبالاة المدرَّعة: جرِّدني، أيّها الرّبّ يَسُوع!
من الإيمان بأنّ مساعدة الآخرين لا يَمَسُّني: جرِّدني، أيّها الرّبّ يَسُوع!
من عبادة هي بعض الإحسان والمظاهر الخارجيّة: جرِّدني، أيّها الرّبّ يَسُوع!
من القناعة بأنّ كلّ شيء على ما يرام متى كان كلّ شيء لي على ما يرام: جرِّدني، أيّها الرّبّ يَسُوع!
المرحلة العاشرة
يسوع يُسَمَّر على الصَّليب
ولمَّا وَصَلوا إِلى المَكانِ المَعروفِ بالجُمجُمة، صَلَبوهُ فيهِ والمُجرِمَيْن، أَحَدُهما عنِ اليَمينِ والآخَرُ عَنِ الشِّمال. فقالَ يسوع: «يا أَبَتِ اغفِرْ لَهم، لأَنَّهُم لا يَعلَمونَ ما يَفعَلون» (لوقا 23، 33-34).
يا يسوع، المسامير تثقب يديك وقدميك، وتمزِّق جسدك، والآن، في أشدِّ الألم الجسديّ، تتدفّق الصّلاة المستحيلة من شفتَيك: تغفر للذين يضعون المسامير في معصمَيك. ولا تغفر مرّة واحدة فقط، بل مرّات عديدة، كما يذكر الإنجيل، بهذا الفعل الذي يشير إلى تكرار العمل: قلت: “يا أَبَتِ اغفِرْ”. معك يا يسوع، يمكنني أيضًا أن أجد الشّجاعة لأختار المغفرة التي تحرّر القلب وتعيد إطلاق الحياة. يا ربّ، ولا تكتفي بأن تغفر لنا، بل تبرّرنا أيضًا أمام الآب: فهم لا يَعلَمونَ ما يَفعَلون. توَلَّ الدّفاع عنّا، وكن محامينا، وتشفّع بنا. الآن بعد أن سُمِّرت يداك، اللتان بارَكت بهما وشفَيت، وقدمَاك، اللتان حملت بهما البشرى السّارّة، ولم تعودا الآن قادرتين على السّير، الآن، في عدم القدرة والضّعف، تكشف لنا قدرة الصّلاة المطلقة. على قمّة الجلجلة تكشف لنا قمّة الصّلاة التي تشفع والتي تخلّص العالم. يا يسوع، أعطني أن أصلّي ليس فقط من أجلي ومن أجل أحبائي، بل من أجل الذين لا يحبّونني ويسيئون إليَّ، وأن أصلّي حسب رغبة قلبك من أجل البعيدين عنك، ولكي أكفِّر وأتشفَّع بجميع الذين لا يعرفونك ولا يعرفون فرح حبّك، وغفرانك.
لِنُصَلِّ ولْنَقُلْ: أيّها الآب، ارحمنا وارحم العالم أجمع
بحقِّ آلام يسوع: أيّها الآب، ارحمنا وارحم العالم أجمع
بحقِّ قدرة جراحاته: أيّها الآب، ارحمنا وارحم العالم أجمع
بحقِّ مغفرته على الصّليب: أيّها الآب، ارحمنا وارحم العالم أجمع
من أجل الذين يغفرون حبًّا لك: أيّها الآب، ارحمنا وارحم العالم أجمع
بشفاعة جميع الذين يؤمنون، ويسجدون، ويرجون، ويحبّونك: أيّها الآب، ارحمنا وارحم العالم أجمع
المرحلة الحادية عشرة
يسوع يصرخ لأنّ الله تركه
وخَيَّمَ الظَّلامُ على الأَرضِ كُلِّها مِنَ الظُّهْرِ إِلى السَّاعَةِ الثَّالِثَة، ونحوَ السَّاعَةِ الثَّالِثة صَرَخَ يسوعُ صَرخَةً شديدةً قال: «إِيلي إِيلي لَمَّا شَبَقْتاني؟» أَي: «إِلهي، إِلهي، لِماذا تَرَكْتني؟» (متّى 27، 45-46).
يا يسوع، هذه هي الصّلاة التي لم يُسمَعْ بها حتّى الآن: تصرخ إلى الآب الذي تركك. أنت إله السّماء، لا تعطي الإجابات الصّارخة، بل تسأل ”لماذا“؟ في قمّة الآلام، شعرت بالبعد عن الآب ولم تعد تسمّيه أبًا، كما كان الحال دائمًا، بل الله، كما لو أنّك لم تعد قادرًا على التّعرِّف على وجهه. لماذا هذا؟ حتّى تنحدر إلى أعماق هاوية آلامنا. لقد فعلت ذلك من أجلي، حتّى إذا ما رأيتُ الظّلام محيطًا بي، وإذا انهار من حولي كلّ ما كنت أتكلّ عليه، وغرقت سفينة حياتي، لا أشعر بالوِحدة بعد الآن، بل أثق أنّك معي: أنت، إله الشّركة والوَحدة الذي اختبرت الخذلان، حتّى لا تتركني رهينة للعزلة. عندما صرخت ”لماذا“، فعلت ذلك بكلمات المزمور: وهكذا جعلت صلاتك صلاة في أقصى درجات اليأس. هذا ما يجب علينا أن نعمله في عواصف الحياة: بدلًا من الصّمت وحبس كلّ شيء في داخلنا، نصرخ أمامك ونقول: المجد لك أيّها الرّبّ يسوع، لأنّك لم تهرب من ضياعي، بل سكنت فيه حتّى الأعماق. التّسبيح والمجد لك، يا من حملت ثقل كلّ المسافات، وجعلت نفسك قريبًا من أبعد النّاس عنك. وأنا، في ظلمة أسئلتي ”لماذا“، أجدك يا يسوع، نورًا في الليل. وفي صراخ الكثيرين الوحيدين والمُبعَدين والمظلومين والمتروكين، أراك أنت، يا إلهي: فاجعلني أعرفك وأحبّك.
لِنُصَلِّ ولْنَقُلْ: يا يسوع، اجعلني أعرفك وأحبّك
في الأطفال الذين لم يولدوا بعد وفي الأطفال المتروكين: يا يسوع، اجعلني أعرفك وأحبّك
في الشّباب الكثيرين، الذين ينتظرون من يسمع صرخة ألمهم: يا يسوع، اجعلني أعرفك وأحبّك
في الكبار الكثيرين والمتروكين: يا يسوع، اجعلني أعرفك وأحبّك
في السّجناء وفي الذين هم وحدهم: يا يسوع، اجعلني أعرفك وأحبّك
في الشّعوب المستغَلّة والمنسيّة: يا يسوع، اجعلني أعرفك وأحبّك
المرحلة الثّانية عشرة
يسوع يموت على الصّليب ويُسَلِّم نفسه للآب ويُعطِي الفِردَوس للصّ اليمين
قالَ [أَحَدُ المُجرِمَينِ المُعَلَّقَينِ على الصَّليبِ]: «أُذكُرْني يا يسوع إِذا ما جئتَ في مَلَكوتِكَ». فقالَ لَه: «الحَقَّ أَقولُ لَكَ: ستَكونُ اليَومَ مَعي في الفِردَوس». […] فصاحَ يسوعُ بِأَعلى صَوتِه قال: «يا أَبَتِ، في يَدَيكَ أَجعَلُ رُوحي!» قالَ هذا ولَفَظَ الرُّوح (لوقا 23، 42-43. 46).
يا يسوع، أَحَدُ المُجرِمَينِ في الفِردَوس! أسلَم نفسه إليك، وأنت تسلِّم نفسك وتسلِّمه معك إلى الآب. أنت إله المستحيل، تجعل من اللصّ قدّيسًا. وليس ذلك فحسب: فإنّك تغيّر مجرى التّاريخ على الجلجلة. وتجعل الصّليب، علامة العذاب، أيقونة الحبّ، وجدار الموت صار جسرًا إلى الحياة. وحوّلت الظّلام إلى نور، والانفصال إلى شركة ووَحدة، والألم إلى رقص، وحتّى القبر، المحطّة الأخيرة في الحياة، حوّلته إلى نقطة انطلاق للرّجاء. لكنّك تقوم بهذه الانقلابات معنا، وليس بدوننا أبدًا. يا يسوع، أُذكُرْني: هذه الصّلاة الصّادقة سمحت لك أن تصنع العجائب في حياة ذلك المجرم. قدرة للصّلاة لم يُسمع بها من قبل. أعتقد أحيانًا أنّ صلاتي لا تُسمع، ولكن الشّيء الأساسيّ هو أن أثابر، وأثبت، وأتذكّر أن أقول لك: “أُذكُرْني يا يسوع”. أُذكُرْني وشرّي لن يكون هو الهادي في حياتي، بل بداية من جديد. اذكرني: ضعني في قلبك من جديد، حتّى عندما أبتعد عنك، وعندما أضيع في عجلة الحياة التي تدور بجنون. أُذكُرْني يا يسوع، لأنّك إن ذكرتني – كما يبيِّن ذلك لصّ اليمين – هذا يعني أن أدخل السّماء. وقبل كلّ شيء، ذكِّرني يا يسوع أنّ صلاتي يمكن أن تغيّر التّاريخ.
لِنُصَلِّ ولْنَقُلْ: أُذكُرْني يا يسوع
عندما يغيب الرّجاء وتسيطر عليَّ خيبة الأمل: أُذكُرْني يا يسوع
عندما لا أستطيع أن أتّخذ قرارًا: أُذكُرْني يا يسوع
عندما أفقد الثّقة بنفسي وبالآخرين: أُذكُرْني يا يسوع
عندما لا أعود أرى عظمة حبّك: أُذكُرْني يا يسوع
عندما أعتقد أنّ صلاتي لا فائدة منها: أُذكُرْني يا يسوع
المرحلة الثّالثة عشرة
يسوع يُنزَل عَن الصَّليب ويُوضَع بين ذراعَي مريم
قالَ سِمعان […] لِمَريَمَ أُمِّه: «ها إِنَّه جُعِلَ لِسقُوطِ كَثيرٍ مِنَ النَّاس وقِيامِ كَثيرٍ مِنهُم في إِسرائيل وآيَةً مُعَرَّضةً لِلرَّفْض. وأَنتِ سيَنفُذُ سَيفٌ في نَفْسِكِ» (لوقا 2، 33-35).
يا مريم، بعد جوابك ”نعم“، الكلمة صار جسدًا في أحشائك. والآن يرقد في حضنك جسده المعذّب: ذلك الطّفل الذي حمَلْتِهِ بين ذراعَيك هو جثّة مشوّهة. ولكن الآن، في أشدّ اللحظات ألَمًا، تتألَّق تقدمتك: سيف ينفذ في نفسك، وصلاتك ظلّت ”نعم“ لله. يا مريم، نحن فقراء في قول ”نعم“، وأغنياء في قول ”لو“: لو كان لديّ والدَان أفضل، ولو فهمني النّاس وأحبّوني أكثر، ولو لاقيت توفيقًا أكثر في مسيرتي المهنيّة، لو لم تطرأ تلك المشكلة، ولو لم أتألّم، على الأقلّ، بهذا القدر، ولو أصغى الله إليّ… إنّا نسأل أنفسنا دائمًا عن سبب الأشياء، ونتعب في عيش الحاضر بحبّ. تقول لله دائمًا مرّات كثيرة ”لو“، ومع ذلك، قل له ”نعم“. كُنْ قويًّا في الإيمان، وثِقْ بأنّ الألم الذي تجتازه المحبّة يأتي بثمار خلاصيّة، وبأنّ الألم مع الله ليس له الكلمة الأخيرة. بينما كنت تحملين يسوع الميِّت بين ذراعَيْكِ، فإنّ الكلمات الأخيرة التي قالها لك يتردّد صداها فيك: هذا ابنك. يا أمّي، أنا هذا الابن! اقبليني بين ذراعَيك وانحني على جراحي. ساعديني لأقول ”نعم“ لله، ”نعم“ للحبّ. يا أمّ الرّحمة، نحن نعيش في زمن لا يرحم ونحتاج إلى الرّحمة: أنتِ، الحنونة والقوّيّة، امسحينا بوداعتك: وأزيلي مقاومات القلب وعُقد النّفس.
لِنُصَلِّ ولْنَقُلْ: أمسكي بيدي، يا مريم
عندما أستسلم للتشكِّي وأشعر بأنّي ضحيّة: أمسكي بيدي، يا مريم
عندما أتوقّف عن الجهاد وأقبل أن أعيش مع أكاذيبي: أمسكي بيدي، يا مريم
عندما أؤجِّل ولا أجد الشّجاعة لأقول ”نعم“ لله: أمسكي بيدي، يا مريم
عندما أكون متساهلًا مع نفسي ومتشدِّدًا مع غيري: أمسكي بيدي، يا مريم
عندما أريد أن تتغيّر الكنيسة والعالم، لكنّي لا أتغيّر: أمسكي بيدي، يا مريم
المرحلة الرابعة عشرة
يسوع يُدفَن في قبر يوسُف الرّامي
وجاءَ عندَ المَساءِ رَجلٌ غَنِيٌّ مِنَ الرَّامةِ اسمُه يوسُف، وكانَ هُوَ أَيضًا قد تَتَلمَذَ لِيَسوع. فذَهبَ إِلى بيلاطُسَ وطَلَبَ جُثمانَ يسوع. […] فأَخذَ يوسُفُ الجُثْمانَ ولَفَّه في كَتَّانٍ خالِص، ووضَعَه في قَبرٍ لَه جديد كانَ قد حفَرَه في الصَّخْر (متّى 27، 57-60).
يوسف: الاسم الذي كان مع مريم في فجر الميلاد، كان أيضًا في فجر الفصح. رأى يوسف النّاصريّ حُلمًا، فأخذ يسوع بشجاعة ليخلّصه من هيرودس. وأنتَ، يا يوسف الرّامي، أخذت جسده، دون أن تعلَم أنّ حُلمًا مستحيلًا وعجيبًا سيتحقّق هنا، في القبر الذي قدّمته للمسيح، عندما ظننت أنّه لم يعد قادرًا على فعل أيّ شيء من أجلك. لكن صحيح أيضًا أنّ كلّ عطيّة لله تجد مكافأة أكبر. يوسف الرّامي، أنت نبيّ الشّجاعة الجريء. أعطيت عطيّتك لميِّت، وسألت بيلاطس المرهوب أن يسمح لك بأن تعطي يسوع القبر الذي بنيته لك. صلاتك ثابتة وكلامك تبعه العمل. يا يوسف، ذكِّرنا أنّ الصلاة الملِحّة تأتي ثمَرَها، وتجتاز ظلمة الموت، وأنّ الحبّ لا يبقى بلا جواب، بل يعطي بدايات جديدة. قبرك، الفريد من نوعه في التّاريخ، والذي سيكون ينبوع حياة، كان جديدًا، محفورًا حديثًا في الصّخر. وأنا، أيُّ جديدٍ أعطي يسوع في هذا الفصح؟ بعض الوقت أبقى فيه معه؟ أو بعض الحبّ للآخرين؟ أو مخاوفي ومظاهر بؤسي المدفونة التي ينتظرها المسيح، أقدّمها له كما قدّمت أنت القبر؟ سيكون الفصح حقًّا إن أعطيت شيئًا يخصّني لمن بذل حياته من أجلي: لأنّ الذي يعطي ينال، ولأنّنا نجد الحياة عندما نفقدها، ونمتلكها عندما نعطيها.
لِنُصَلِّ ولْنَقُلْ: يا ربّ، ارحم
ارحمني أنا الكسول في تحرّكي للتوبة: يا ربّ، ارحم
ارحمني أنا الذي أحبّ كثيرًا أن آخذ، وأعطي قليلًا: يا ربّ، ارحم
ارحمني أنا غير القادر على الاستسلام لحبِّك: يا ربّ، ارحم
ارحمنا نحن المستعدّين لأن نستخدم الأشياء، لكنّنا بطيئون في خدمة الآخرين: يا ربّ، ارحم
ارحم عالمنا الذي أفسده قبر الأنانيّة: يا ربّ، ارحم
صلاة ختاميّة (اسم يسوع، أربعة عشر مرّة)
يا رب، نصلّي إليك مثل المحتاجين والضّعفاء والمرضى في الإنجيل، الذين ابتهلوا إليك بأبسط كلمة وأكثرها أُلفَةً: نادوك باسمك.
يا يسوع، اسمك يخلِّص، لأنّك أنت خلاصنا.
يا يسوع، أنت حياتي ولكيلا أضلّ طريقي في المسيرة أحتاج إليك، أنت الذي تغفر لي وتقيمني، وتشفي قلبي وتعطي معنى لألمي.
يا يسوع، لقد حملت شرّي، ومن على الصّليب لم تتّهمني، بل عانقتني. أنتَ، الوديع والمتواضع القلب، اشفني من الكراهية والاستياء، وحرّرني من الشّكّ وعدم الثّقة.
يا يسوع، أَنظر إليك على الصّليب وأرى حبّك ينفتح أمام عينَيّ، ويظهر معنى حياتي وهدف مسيرتي: ساعدني لأحبّ وأغفر، ولأتغلّب على عدم التّسامح واللامبالاة، والتّشكّي.
يا يسوع، على الصّليب كنت عطشان، وهو عطش لحبّي وصلاتي. أنت في حاجة إليهما لإكمال مشاريعك، مشاريع الخير والسّلام.
يا يسوع، أشكرك على الذين استجابوا لدعوتك وثابروا في الصّلاة، ولهم الشّجاعة في الإيمان، والثّبات في التّقدّم بالرّغم من الصّعوبات.
يا يسوع، أقدّم لك رعاة شعبك المقدّس: صلاتهم تسند القطيع. أعطهم أن يجدوا الوقت ليقفوا أمامك، وليجعلوا قلبهم مثل قلبك.
يا يسوع، أشكرك من أجل الرّهبان والرّاهبات الذين يعيشون حياة التّأمّل، فإنّ صلاتهم، المخفيّة عن العالم والتي ترضيك، تحفظ الكنيسة والإنسانيّة.
يا يسوع، أحمل أمامك العائلات والأشخاص الذين صلّوا من بيوتهم هذا المساء، والكبار المتقدّمين بالسّن، وخاصّة الوحيدين، والمرضى، إنّهم لآلئ في الكنيسة يضمّون آلامهم إلى آلامك.
يا يسوع، لتصِلْ صلاة الشّفاعة هذه إلى الأخوات والإخوة الذين يتألّمون من الاضطهاد في أنحاء كثيرة من العالم بسبب اسمك، وإلى الذين يعانون من مأساة الحرب والذين يستمدّون القوّة منك، وهم يحملون صلبانًا ثقيلة.
يا يسوع، بصليبك جعلتنا جميعًا واحدًا: اجمع المؤمنين معًا في شركة ووَحدة، وأفِض مشاعر الأخُوّة والصّبر، وساعدنا لنتعاون ونسير معًا، ونحافظ على الكنيسة والعالم في سلام.
يا يسوع، الدّيان القدّوس الذي ستدعوني باسمي، حرّرني من الأحكام المتهوّرة والقيل والقال والكلام العنيف والاعتداء على الآخرين.
يا يسوع، قبل أن تموت، قُلتَ: “تَمَّ كُلُّ شَيء”. أنا، في عدم اكتمالي، لن أستطيع أن أقول ذلك، ولكنّني أثق بك، لأنّك أنت رجائي، ورجاء الكنيسة والعالم.
يا يسوع، أريد أن أقول لك كلمة أخرى، وأكرّرها دائمًا: شكرًا! شكرًا ربّي وإلهي.
***********
© جميع الحقوق محفوظة – حاضرة الفاتيكان 2024