عيد القيامة إنما هو عيد ثمار الفداء والحياة الجديدة ، عيد القيامة هو عيد قيامة قلوبنا من موت الخطيئة والحزن واليأس، من موت الحقد والبغض والعدواة ،إن قيامة المسيح من بين الأموات أرجعت الحياة إلى الإنسان كما أنها صالحت الإنسان مع الله وأعادت إليه قوام العلاقة القوية والصحيحة، فيسوع قد أقام البشرية من غفوتها وارتباكها وضعفها وكرّس لها معنى حياتها كأولادٍ لله أوجدهم من محبّته. وصارت القيامة نقطة انطلاق، ومرحلة حاسمة ووُجهة سير، وعربون نعيم أبدي في حضرة الله الآب. لذا نرتل نحن فنقول : “المسيح قام من بين الأموات ووطئ الموت بالموت، ووهبَ الحياة للذين في القبور.” أيّ قبور هذه؟ أليست قبورَ شرّ أليست قبور البُعد عن الله وتركه الاتّكال على الذات ؛ هل يوجد أشرّ من شرِّ الانفصام عن محبة الله ومعرفته وخدمته.
فرح القيامة
عيد القيامة هو عيد البهجة. مع الكنيسة يهتف كل مسيحي: “أمس دُفنت معك، واليوم أنهض معك بقيامتك. أمسِ صُلبت معك، فأنت يا مخلصي مجِّدني معك في ملكوتك.””لتفرح السماوات بحق ولتبتهج الأرض، وليعيد العالم كل ما يرى وما لا يرى لأن المسيح السرور الأبدي قد قام..”
لنفرح لأن المسيح قد قام بعد ألم وغلب الخطيئة وغلب الموت. ففي قيامة المسيح أصبح كل شيء جميلاً ولم يعد يضيع شيء مما نفعله أو نتحمّله مع المسيح. بالقيامة صارت المصالحة مع الله.
نفرح بالقيامة مع الصدّيقين الذين كانوا يترقّبون هذا الحدث منذ فجر الخليقة، “نفرح مع العذراء مريم التي أَنْسَتْها القيامة كل ما عانته من آلام وأحزان لمشاهدة ابنها يعاني العذاب…نفرح مع النسوة حاملات الطيب القديسات اللواتي سبقن الصبح…نفرح مع الرسل القديسين الذين ذاقوا مرارة الخذلان، واعتقدوا أن رحيل المسيح هو إلى غير رجعة..نفرح مع الكنيسة، مع شعب الله المؤمن. لا توجد تعزية حقيقية لنا أو أي فرح حقيقي آخر في عالم مصيره الموت، إنما في عالم يحيا بالنعمة ونبضِ الحب. قوة المسيح تفوق بما لا يُقاس قوة الموت.
في عيد القيامة تفرح الطبيعة بتفتح الزهور والبراعم وتكتسي الأرض باللون الأخضر، لون الحياة التي تدب الحياة من جديد بعد غفوٍ موقّت وهذا التجدّد الذي يكسي الأرض والإنسان لا ينفي بقاء الإنسان في جذوره فالجذور والأصول لا تتغير.إن الإنسان سقط بسبب خطيئة آدم لكن هبة الحياة التى فيه استمرّت، فجدّدها المسيح بالفداء الخلاصي.
نؤكد أن الضعف، والخطأ، والتعب في المسيرة، وتغلّب الشهوة، والتعثُّر في السير وغير ذلك لا يُفقد الإنسان أصالته بل يطمسها إلى حين. فالقيامة هي لهذا: “لنزع الإنسان العتيق الفاسد بشهوات الغرور ولبس الإنسان الجديد الذي خُلِقَ على مثال الله في البرّ والقداسة” (أفسس 4/22).هذه القدرة على التجدّد الروحي هي القيامة الحقّة، هي بمعنى آخر وجود المسيح دوماً حياً في النفس رغم الانتكاسة التي قد تحصل في حياة الإنسان.
إن يسوع لم يقم، مرة واحدة، ففي كل يوم، وفي كل ساعة هو يقوم في قلب المؤمن.
هو يقوم في قلب الإنسان الذي يتوب عن الخطايا، والذي ينتصر على الألم، والذي يصفح للآخرين بالمحبة ويسامحهم غافراً لهم على مثال معلمه يسوع المسيح ” يا أبتاه إغفر لهم “. إن يسوع يقوم دائماً في قلب الإنسان الذي يعود الى صوابه ورشده وإيمانه، ويعود عن حالة البُعد والانفصال عن الله الى حضنه الأبوي. وأعظم حدث قيامة نعيشه في حياتنا هو حدث القيامة من الموت الروحي الى قيامة الحياة المتجددة في المسيح. نتمم هذا الحدث عندما نعود الى الله ونلتمس منه ان يسكن في قلبنا وينعش حياتنا بالنعمة.
القيامة هي الحياة مع المسيح
تعني القيامة مع المسيح الحياة مع المسيح. “إن كنّا متنا مع المسيح نؤمن اننا سنحيا أيضاّ معه” (رومية 6/8) (2 تيمو 2/11).ويا ترى ما هي الحياة مع المسيح سوى موت الخطيئة وتثبيت النعمة في قلب الإنسان. ولكي نقوم مع المسيح علينا إذًا أن ندحرج الحجر عن باب القبر، حجر الشهوات والخطايا والفتور في الإيمان والمحبة، والطمع المفرط في حطام هذه الدنيا، والإعراض عن الخيرات الروحية التي فيها غذاء نفوسنا. وليس القبر القبر الرخامي بل القبرُ العميق الذي فيه تدفن النعمة. وقد يكون هذا القبرَ قلبُنا. وكما أن القيامة بعثت الخيرات الروحية فأُفيضت على الذين آمنوا، هكذا كل من يدحرج الحجر عن باب قلبه يُفيض المخلص خيراتِه الروحيةَ عليه.فلنهدم القبور ولنفتح القلوب ليقوم المسيح فينا. فإننا بقيامته نتقوّى ونقوم وبنعمته نتغذّى ونحيا.
القيامة هي قيامتنا مع المسيح
إن قيامتنا للمجد والسعادة هي حقيقة إيمانية (نترجّى قيامة الموت والرجاء هو تصديق ما لا يُرى) وستكون قيامتنا كقيامة المسيح كاملة، نهائية، أبدية مجيدة. وستكون لنا نهاية كل ألم، وفرحاً أبدياً في المسيح. يا له رجاء عظيماً. ولو لم يكن لنا هذا الرجاء. فنحن أشقى الناس أجمعين” (1 كور 15/19)كما يقول القديس بولس الذي يؤكّد لنا أنْ “الآن قام المسيح من بين الأموات وهو باكورة الراقدين”. (1 كور 15/20).وسنقوم ممجدين لأن المسيح قام ممجداً وقيامته هي سبب قيامتنا ففي كل جسد يشترك الجسد مع الرأس في حياة واحدة. إن مات الرأس مات الجسد كله، وإن قام الرأس فجميع الأعضاء المتحدة به ستقوم معه. الإنسان الجديد مؤلف من الرأس والأعضاء في وحدة تامة، يتحتم عليها مصير واحد لأنه لا يوجد سوى مسيح واحد وقيامة واحدة، وهي قيامة المسيح الذي هو من الطبيعة البشرية المجدّدة بالمسيح تجديداً كاملاً في لحظة وطرفة عين” (1 كور 15/25) يستعيد أعضاء الجسد السرّي في القيامة أجسادهم. وكما قال بولس الرسول ان أجساد المؤمنين تكون كجسد المسيح الرأس الحقيقي والأول لهذا الجسد: “وعلى مثال السماوي يكون السماويون وكما لبسنا صورة الأرضي كذلك سنلبس صورة السماوي” (1 كور 15/48).وهذه الأجساد التي تقوم من القبر تكون غير قابلة للفساد وغير عرضة للانحلال. “إن المسيح من بعد أن أُقيم من بين الأموات لا يموت أيضاً.” (رو 6/9) بل يكون الجسد روحانياً، هازئاً بغلاظة الجسد ومعفى من نواميسه الثقيلة. أجمَلَ القديس بولس قيامة الأجساد بما يلي: “الزرع بفساد والقيامة بغير فساد، الزرع بهوان والقيامة بمجد، الزرع بضعف والقيامة بقوة. يزرع جسد حيواني ويقوم جسد روحاني.” (1 كور 15/42).