” كلامي روحٌ وحياة ” ( يوحنا ٦ : ٦٣ ) ،
” السموات والارض تزولان وكلامي لا يزول ” ( لوقا ٢١ : ٣٣ ) .
أجمل ما تعلمناهُ من الْكِتَابِ المقدّس أنّ الزمان ليس له مقياساً : ” السموات والارض تزولان وكلامي لا يزول ” ( لوقا ٢١ : ٣٣ ) .
فالزمن بِبعُدِهِ الماديّ وتحديده العلمي لا يعنينا . ما يهمنا اليوم ، في هذا العصر ، وفِي هذا والوقت بالذات أن نُوّكد على استمرارية سعينا واهتمامنا من أجل الانسان . وترك أبوابنا مفتوحة لكل ما يلزمه ويخدمه ، في كل وقت وزمان ومكان ، لنرفع من مستواه الروحي والإقتصادي والإجتماعي والأخلاقي .
نحن بحاجة ماسة في الزمن الحاضر إلى مفاهيم جديدة تتبناها البشرية ليسود السلام والعدالة والتضامن بين الناس ويتحقق خير البشرية ، عوضاً من خير جماعات وأحزاب سياسية وعرقية وثقافية خاصة تسعى إلى مصلحتها وتهميش الأخرين .
الزمن الحاضر لا نريده زمن تعدي على الحقوق الانسانية ، وبالتالي على الضمير البشري .
بل نريده ، زمن نجاح للمفاوضات والوساطات واللجوء إلى شرعة حقوق الأُمم المتحدة ، لتكون البشرية جممعاء عائلة واحدة تجد قوتها في توزيع عادل لخيرات الأرض من أجل منفعة الخير العام ، المشترك للناس أجمعين . فنحل مشكلة فقر المليارات من الرجال والنساء ، والشباب والاطفال ، حتى لا تبقى المساواة أغنية ، كلُّ واحدٍ يغنيها على ليلاه، وشعار يُكتب في المجلات والجرائد وعلى الحيطان ، ويُنادى به عبر الإذاعات ولا أحد يطبقه فيبقى حبراً على ورق ، وصوت لا يسمعه أحد .
الزمن الحاضر لا نريده زمن أحقاد تتجزر فينا وتؤدي إلى خلق أجواء ظلم ومآس ، تدوس أبسط حقوق البشر .
بل نريده زمن حب نلتقي فيه كلنا إخوة واخوات ، أحباء وأصدقاء ، هذه وصيتي لكم : ” أحبوا بعضكم بعضا كما انا أحببتكم ” ( يوحنا ١٥ : ١٢ ) ، بهذه الوصية تكتمل الشريعة والأنبياء ( متى ٢٢ : ٣٨ ) .
مع هذا الزمن نريد أن نطوي الماضي ، نطوي ما فرّقنا ، نطوي صفحة الإنعزالية والطوائف والمذاهب والاحزاب والزعامات التي تتناحر عقائدياً وفكرياً على هيكلية سياسية أو حزبية وتبحث عن طريقة لحفظ الشريعة ، فتدوس الناس المنبوذين والمهمشين والتعساء المنطرحين على طرقات العالم ، هؤلاء الذين ينتظرون منا لمسة حُبٍ وحنان، ونظرة عطف وإبتسامة وكلمة تشجيعية صادقة وشفافة ، وحضوراً إنسانياً مميزاً، وحده يُخلصهم من بؤسهم وفقرهم وشقائهم وتعاستهم ، بدل العظات الطويلة الرنانة والمبادئ الفضفاضة .
لا نريد هذا الزمن الحاضر أن يكون زمن القوانين والشرائع الدينية القاسية التي قد تخسر الإنسان جوهر المخلوقات ، لتربح الرأي العام ، وتخلص صورتها المزيفة وتدافع عن كيانها الكاذب، ناسية أن الله تخلى عن نفسه وأخذ صورتنا ليُخلصنا ويُعيد لتا كرامتنا ، متبنياً واقعنا ومتحدثاً لغتنا ليصير واحِداً منا وقريباً لنا ليحل مشاكلنا وينعم علينا بالفرح والهناء والسعادة .
هذا الزمن الذي نعيشه ، لا نُريد فيه سياسة حاقدة ملحدة ، تحرق البشر وقوداً لمصالحها . بل نريده زمن سياسة تحترق بمسؤوليها من أجل صقل قضايا الفقراء والمظلومين وخدمتهم .
نريد فيه نظاماً اقتصادياً جديداً يُشاركُ فيه الأغنياء والفقراء كنوزهم وخيراتهم حتى لا يدوم الإقتصاد الكافر الذي يقتل البشر الأبرياء ليرفع رصيد الأغنياء .
لا نريد في زمننا الحاضر ثقافة قاسية ، جافة ترتكز على المعلوماتية والكتابة المحفورة على أحجار قلوبنا القديمة ، بل نريد ثقافة سلام يستند برنامجها إلى رحمة الإنسان ومسامحته ، لبعمّ الفرح قلوب الناس وتكتب الثقافة البناءة عمل قلوب تنبض لحماً ودماءً .
تحية لزمننا الحاضر المؤسس على كلام السيد المسيح الذي قال : ” كلامي روحٌ وحياة ، ولا يزول ابداً “، وإذا وجدنا أنفسنا اليوم قد تركنا أمكنتنا ، ونسينا أزمنتنا وتاريخنا العريق ، فلنعمل لكي لا نجد أيادينا فارغةً في الزمن الحقيقي ، أمام الله ، الديان العادل ، من هدية فيها سلام لإرضنا وكنيستنا وشعبنا .
فتكلم يا رب ، عبيدك على الارض يصغون إلى تعاليمك ، ليفعلون مشيئتك .
+المطران كريكور أوغسطينوس كوسا
أسقف الإسكندرية للأرمن الكاثوليك