“يجب علينا أن نجتازَ مضايق كثيرة لندخل ملكوت الله” يوحنا 14: 22ب وما أجمل من الكتاب المقدس لبدء الحديث. يعرّف الإضطهاد: “هو استخدام السلطة أو القوة لتدعيم مجموعة على حساب تضعيف وتهميش مجموعة أخرى. يمكن أيضا أن يكون القهر على مستوى فردي، من شخص لآخر. والاضطهاد يظهر بوضوح في القوميات والتمييز بينها بصورة اضطهادية كتغليب فرقة على أخرى”. كما يضمّ عدّة أنواع منها: “الإضطهاد النظامي هو الاضطهاد الذي يكون بقوة القانون، وهو الأكثر شيوعا. مثال، الاضطهاد ضد جماعات تبعا للونها، وعدم اعطائها الحقوق المعطاة لجماعات أخرى، كما كان يحدث في الولايات المتحدة في ستينات القرن العشرين؛ والإضطهاد الداخلي يكون بين أعضاء مجموعة معينة، بحيث يمارس أعضاء المجموعة الاضطهاد بين بعضهم. مثال، في المجموعات المهمشة يؤمن البعض بمبادئ المجموعة، لكنه يظن أن المجموعة مهمشة بسبب ظروف لا ترجع إلى المبادئ ذاتها، بل إلى نقص في القدرة لدى أعضاء المجموعة. مثال، الدول النامية التي يمارس فيها البعض اضطهاد على سكان دولته، لأنه يرى أنهم السبب في تاخرها في النمو. والإضطهاد الغير مباشر هو الاضطهاد الذي يتأتى من الهجوم النفسي، كاحتكار السلطة، وفرض القيود بالقوة”.
اختبر شعب الله، على طول امتداد تاريخه، الإضطهاد الذي لم يستثنى منه ابن الله نفسه. قد جاء ليخلص العالم، ومع ذلك قد أبغضه العالم (يوحنا 3: 17)، لا بل يبلغ الإضطهاد الذروة في آلالام وموت المسيح، وأخيرا سوف يكون نصيب تلاميذه: “فإذا اضطهدونني، يضطهدونكم” (يوحنا 15: 20)، هكذا قال المعلّم. وان كان سر الإضطهاد مقترنا بسر العذاب الا أنه يظل متميزاً عنه، فالعذاب يخل مشكلة لأنه يصيب كل البشر، حتى الأبرار منهم. ولكن المشكلة تصبح أكثر حدّة مع الاضطهاد الذي يصيب الأبرار لأنهم أبرار. ويريد الله بالسماح لهذا الإضطهاد أن يطهر الخاطئ ويختبر الفاضل؛ ويقول الكتاب المقدس ب “أن رؤساء العالم هذا العالم، بصلبهم لرب المجد”، ما كانو يعرفون أنهم أدوات تستعملها حكمته الإلهية ( كورنتسس 2: 6 – 8 ).
لطالما اشتهرت الكنيسة بكثرة الإضطهادات ضدها، منذ اليوم الأول لنشأة الكنيسة وهي تضطهد منذ المؤسس يسوع المسيح، التلاميذ إلى خلفاء الرسل على يد اليهود في تلك الفترة لأعتبار المسيحيين شيعة ومعهم الرومان، ولم تتوقف هذه السلسلة المتتالية من الاضطادات إلا مع مرسوم ميلانو مع الإمبارطور قسطنطين سنة 313 ميلاديا الذي اعتنق المسيحية. وعرفت في العصور اللاحقة مراحل اضطهادات كثيرة وخصوصا في الشرق الذي لا يزال يعاني. حسب موقع ويكيبيديا: “ويقدر بعض المسيحيين بأنه في ألفي عام من المسيحية، قد عانى من الاضطهاد نحو 70 مليون من المؤمنين وقد قتل من أجل إيمانهم منهم 45.5 مليون أو 65 في المائة منهم في القرن العشرين وفقًا للاضطهاد الجديد”. كما مرّت مراحل عديدة منها الفرس والفتوحات الإسلامية والمماليك في اضطهادها لمسيحيي جبل لبنان والأتراك المتمثلين بالسلطنة العثمانية والنظام الشيوعي وأخيرا داعش.
أنواع الإضطهادات اليوم؟
هنالك نوعين من الإضطهاد، الأول الإضطهاد الجسدي أي قتل الجسد وهذا ما كان يمارس وما زال إلى اليوم. أمّا الإضطهاد الثاني والأكثر شيوعا هو الإضطهاد النفسي والمعنوي وهذا النوع يمارس اليوم وبكثرة إن كان بالمجتمعات الشرقيّة أو الغربية علة حد سواء. يُضطهد المؤمنون على ذهابهم إلى الكنيسة وممارستهم لشعائرهم والحملة الخفية على الكهنة واتهامهم بالتقصير من قبل جهات معروفة الأهداف.
في الختام يقول الله ليشوع ابن سيراخ: “يا بني إن أقبلت لخدمة الرّب، فأعدد نفسك للمحنة.” (يشوع بن سيراخ 2: 1). اننا كمسيحييون مفطومون على الإضطهاد منذ نعومة أظافرنا، نتشتت ونضيع ولكن الله يفتقد شعبه من خلال سماحه بالإضطهاد ليظهر الخاطئ وليختبر البار منّا. قال السيد يوما ليس هنالك من تلميذ أحسن من معلّمه. ومع كلمات البابا فرنسيس أمام نصب الشهداء في ناكزاكي في 24 تشرين الثاني 2019 نقول: “في هذا المكان، هناك ظلام الموت والاستشهاد ولكن هنا يعلَن نور القيامة حيث يتحول دم الشهداء إلى بذرة الحياة الجديدة التي يريد المسيح أن يهبنا جميعا إياها”