bible - Pixabay - CC0

Bible

اسمعوا وافهموا

تأمل الأحد 7 تموز 2024

Share this Entry
ثُمَّ دَعَا الْجَمْعَ وَقَالَ لَهُمُ : ” اسْمَعُوا وَافْهَمُوا. لَيْسَ مَا يَدْخُلُ الْفَمَ يُنَجِّسُ الإِنْسَانَ، بَلْ مَا يَخْرُجُ مِنَ الْفَمِ هو الذي يُنَجِّسُ الإِنْسَانَ ” .
فدنا التَلاَمِيذُ وَقَالُوا لَهُ : ” أَتَعْلَمُ أَنَّ الْفَرِّيسِيِّينَ صُدموا عندما سمعواهذا الكلام ؟ ”  فَأَجَابَهم : ” كُلُّ غَرْسٍ لَمْ يَغْرِسْهُ أَبِي السَّمَاوِيُّ يُقْلَعُ . دعوهم ، اُتْرُكُوهُمْ  وشأنهم . إنهُمْ عُمْيَانٌ يقودون عُمْيَانٍاً . وَإِذاكَانَ الأَعْمَى يَقُودُ الأَعْمَى ، سْقُطَ كِلاَهُمَا فِي حُفْرَةٍ ” . فَقال له بُطْرُسُ : ” فَسِّرْ لَنَا هذَا الْمَثَلَ ” . فَأجابه يَسُوعُ : ” أوأَنْتُمْ  حَتَّى الآنَ  لا فهم لكم ؟ ؟ أَلاَ تَدركون أَنَّ  مَا يَدْخُلُ الْفَمَ يَنزِلُ  إِلَى الْجَوْفِ ، وَيَخرج في الخلاء ؟ وَأَمَّا الذي يَخْرُجُ مِنَ الْفَمِ ، فإنه ينبعث من الْقَلْب ، وَهو الذي يُنَجِّسُ الإِنْسَانَ . فمِنَ الْقَلْب تَخْرُجُ المقاصد والأَفْكَارٌ السيئة والشِرِّيرَةٌ : القَتْلٌ، والزِنىً، والفِسْقٌ، والفُحشُ ، والسِرْقَةٌ، وشَهَادَةُ الزُورٍ، والتتَجْدِيفٌ والشتائم . تلك هِيَ الَّأشياء التي تُنَجِّسُ الإِنْسَانَ . أَمَّا الأَكْلُ بِأَيْدٍ غَيْرِ مَغْسُولَةٍ فَلاَ يُنَجِّسُ الإِنْسَانَ» ( متى ١٥ : ١٠ – ٢٠ )
” اسمعوا وافهموا “
دعا يسوع الجميع بأسلوبه الشيق وكلاماته الرقيقة عندما ” قال لهم : اسمعوا وافهموا ” . إنه الطبيب الحكيم الذي يعرف متى يحتاج المريض إلى ضربات المشرط ” السكين الطبية ” ليقتلع كل فساد، ومتى يستخدم الدواء المناسب ليعالج المريض ، و ليُلطِّف الجراحات، وأيضاً متى يجرح ومتى يضمِّد. لم يكن ممكناً شفاء المعلّمين المرائين من الكتبة والفريسيين بالكلمات الطيّبة ، فإن هذا يغطي على شرّهم في الداخل ليفسد الجسد كله، أمّا الشعب البسيط فلا يحتمل كلمة قاسية لئلا يتحطّم ويتعسَّر باليأس، وإنما يحتاج إلى كلمات بسيطة ورقيقة تسنده وترفعه إلى الرجاء. بهذا يملك الرب على القلوب، مستخدماً الكلمة القاسية كما الرقيقة لينفتح له القلب . هكذا دعا السيّد الجموع ليشرح لهم أمر الأيدي غير المغسولة، ليس دفاعاً عن تلاميذه، وإنما لأجل بنيانهم الروحي، ولكي لا يتعثّروا بسبب الشكوك التي يثيرها الكتبة والفرّيسيّون.
” ليس ما يدخل الفم ينجِّس الإنسان ، بل ما يخرج من الفم هو الذي ينجِّس الإنسان “
أراد السيّد المسيح أن يمسك الجماهير البسيطة بيده ويدخل بهم إلى الحياة الروحيّة الداخليّة، ليُدركوا أن سرّ الحياة والقداسة لا يكمن في الأعمال الخارجيّة الظاهرة، وإنما في الحياة الداخليّة. إنه لم يتجاهل ما يدخل الفم تماماً، لكنّه ليس هو الذي يُنجِّس، بل ما في داخل الإنسان والمُعلن خلال ما يخرج من الفم.
عندما تَنجّس قلب الأبوين الأوّلين الداخلي اهتمّا لا بعلاج الداخل، إنّما بستر جسديهما في الخارج، كمن يُزيّن بيته المُنهار عِوضاً عن  معالجة أساساته. هكذا اهتم قادة اليهود  والفريسيين والكتبة بغسل الأيدي قبل الطعام حتى لا يتنجّسوا، ولم يهتمّوا بما يصدر عن قلوبهم من نجاسات تظهر خلال كلماتهم المملوءة رياءً وإدانةً وحقداً .
” فتقدّم التلاميذ وقالوا له : أتعلم أن الفرّيسيّين صُدموا عندما سمعوا هذا الكلام ؟ ” . فأجابهم : ” كل غُرس لم يغرسه أبي السماوي يُقلع .دَعوهم وشأنهم ! إنهم عُميان يقودون عُمياناً . وإن كان الأعمى يقود الأعمى سقط كلاهما في حفرة “
لم يستطع الفرّيسيّون أن يسمعوا كلمات الرّبّ يسوع ، لأنها كالسكين الذي يُصوِّبه الطبيب على العضو الفاسد أثناء العملية الجراحية ، فيفتحه ليُخرج العفونة والصديد ويطّهره من المرض الخبيث ، الأمر الذي لا يطيقه المرائي . إنهم كآبائهم الذين استراحوا للأنبياء الكذبة في أيام إرميا، لأنهم نطقوا بالكلام الناعم ، قائلين : سلام سلام، ولم يكن سلام ، بل كلام فقط .               وعندما حذّرهم إرميا النبي طالباً التوبة، ألقوه في الجب ، ووضعوه في السجن، وكان موضع سخريتهم ومضايقاتهم . أمّا السيّد المسيح الذي يُقيم مملكة حقيقيّة أشبه بالفردوس الذي يغرس الآب أشجاره ، ويسقيه بدم المسيح المقدّس، ويرويه بينابيع الروح القدس، فلم يهتز بنُفور الفرّيسيّين من كلماته، فهو لا يهتمّ بعدد من يلتفون حوله بل نوعيتهم وصدقهم . يهتمّ بالدخول إلى الحق ، إلى العمق لا إلى المظاهر الخارجية .
من أجل غرس إنسان واحد حقيقي في الملكوت ، قدّم السيّد المسيح دمه الطاهر وحياته ثمناً من أجله ، لكنّه لا يطلب أشجاراً صناعية، بلا ثمر الروح ، لهذا قال: ” أتركوهم ” .  فعل ” ترك ” هنا لا يحمل رغبة السيّد المسيح في التخلِّي عنهم ، إنّما أراد حرمانهم من الجماهير التي بالغت في تقديم التكتيك والتحيات لهم ، ففقدوا تواضعهم ، وأصيبت قلوبهم بالعمى الروحي. إنهم في حاجة إلى الترك كي يختلوا بأنفسهم ، ويدركوا أنهم عميان، اختلسوا كراسي القيادة الروحيّة ، فقادوا العميان بقلبهم الأعمى ليسقط الكل في حفرة الجهل والظلمة.
دعا يسوع  تلاميذه للبشارة ، مقدّماً  لهم منهج العمل الروحي ، وموضّحاً لهم موضوع إرساليّتهم وحدودها ومنهجها ومصاعبها ومشاكلها ، تقدّم هو بنفسه “يُعلّم ويبشر ويشرح ” لكي يتقبّلوا روح البشارة لا من خلال الوصايا فحسب ، وإنما عملياً  خلال حياته وسلوكه وتبشيره . هذه هي القيادة الحيّة والصحيحة ، إنها ليست مجرّد توجيهات وتوصيات وكلام ، وإنّما دخول بالتلاميذ إلى التدرّب على الشهادة بممارسة العمل التبشيري ذاته، فيتذوّقه الشخص ويختبره عملياً من خلال الأعمال والتصرفات التي تُصنع بوداعة تأتي من الحكمة …. و داخلياً مملوء من رحمة وتعاليم السيد المسيح ليأتي بثمار صالحة ، لا مُحاباة فيها ولا رياء . لأن ثمرة البِرّ تُزرع في السلام للذين يعملون للسلام ( يعقوب ٣ :  ١٧ – ١٨ )
+ المطران كريكور اوغسطينوس كوسا
اسقف الاسكندرية للأرمن الكاثوليك
Share this Entry

المطران كريكور أغسطينوس كوسا

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير