لفتني في هذه الأيام كمية التعليقات الهائلة التي تهاجم فرنسا على خلفية «السخرية» من الرموز الدينية المسيحية في حفل افتتاح الألعاب الأولمبية… ونحن كمؤمنين، نعلن بشكل بديهي إستنكارنا، لا بل إدانتنا، ليصبح الموضوع مادة دسمة نَصُبّ فيها غضبنا على مواقع التواصل الإجتماعي. لا بأس في ذلك… الإستنكار والإحتجاج أمر طبيعي، ولكن:
– في مجتمعنا الشرقي رياءٌ كثير ولا أحد يجرؤ على الكلام…
– في مجتمعنا الشرقي يُهان الإنسان بكل أشكال الإهانة، فلا ضمانات ولا دولة ولا قانون…
– في مجتمعنا الشرقي خيانات وزنى وكل ما يمكن تخيله من مشاكل أخلاقية! ظاهرنا جميل نقي كالقبور المصقولة، وباطننا مملوء عظام أموات: نهبا وحسدًا ونجاسة (راجع متى٢٣: ٢٧)…
– في مجتمعنا نعاني من كل الأزمات الأخلاقية التي في أوروبا ولكن… في الخفاء! والأسوأ من ذلك: نعيش حالة إنكار وندّعي أننا أفضل…
– في الغرب «الخاطئ الكافر الزاني» ثاروا على كل حاكم ظالم وعلى كل ظلم وما زالوا يعملون على بناء أوطانهم، وفي شرقنا أوطاننا تُهدَم وَتُنهَب ويُكَرّم هادموها وناهبوها، تارة بإعطائهم المقاعد الأمامية (خاصة في دور العبادة!) وطورًا بتقليدهم الأوسمة والدكتوراه الفخرية…
– في شرقنا نجد أفخم دور للعبادة، نصلي فيها على جنازة من يموت بسبب أسوأ عناية طبية…
ما حصل في فرنسا خطأ يعكس انحطاطًا كبيرًا نشترك فيه، إمّا بانحطاطنا، إمّا بصمتنا عن الكثير من الشرور التي تجري حولنا… فلا بد من الإحتجاج على أنفسنا أولا! أن نغيّر ذواتنا، ونخرج من الإلحاد العَمَلي الذي نعيشه هو مدخل إلزامي للإحتجاج… فلا يمكن لشخص لا يعيش حياته المسيحية أن يتذكر مسيحيّته فقط عندما يريد الهجوم والإحتجاج!
لقد قال السعيد الذكر البابا بنديكتوس السادس عشر ذات مرّة ما معناه: أن الكنيسة ستكون صغيرة جدًّا، تمامًا كما كانت في بداياتها، وسيكون أبناء هذه الكنيسة الصغيرة شهداء وشهود على الإيمان، وهم الذين سيستمرّون في حَمل وَديعَة الإيمان… إنه كلام نَبَوِي يُذكّرنا بكلمة يسوع: «لاَ تَخَفْ، أَيُّهَا الْقَطِيعُ الصَّغِيرُ، لأَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ سُرَّ أَنْ يُعْطِيَكُمُ الْمَلَكُوتَ» (لوقا١٢: ٣٢).