مقدمة :
- في الكنيسة تعلّمنا جيمعاً وتلقينا مباديء الإيمان المسيحي, حيث غَرَسَت بداخلنا كم يكون الله محب للإنسان, وكم يكون قريب منا خاصةً في وقت الضيق, فهو يصغي جيداً إلي مُتألمي القلوب والحزاني, و قِيل لنا أنه يَعلَم ما نحتاج لهُ قبل أن نسألهُ .
- ولكن في حقيقة الأمر كل هذا يتصادم ويتعارض لما نختبره في حياتنا العملية .
- لكل إنسان حياة فريدة بالتالي يعيش خبرة فريدة, من منطلق تلك الخبرة , في الغالب كثير منّا يعيش هذه الحالة : حالة التصادم بين ما تعلمناه في الكنيسة وما توارثناه من إيمان مع كل ما نختبرة في الحياة , إذ أن نختبر عكس ما تعلمناه في الكنيسة , أن الله بعيد جداً عن الإنسان , لا يصغي له ولا يُبالي بصراخه. !!
- فنسأل أنفُسنا أمام هذا التصادم ! لماذا لم يسمعني الله ؟ هل هو قريب ام بعيد ؟ هل هو بالأحري موجود ام غير موجود ؟ إذ كان موجود لماذا كل هذا الصمت العقيم ؟
- أجد أخيراً أنني أمام إختيارين ! عليّ أن أختار واحدة منهم ! إما أن أتنازل عن تعاليم الكنيسة أي إيماني المسيحي ! ولكن كيف أعيش بعد ! كيف أعيش بدون الله ؟. إما أن أتنازل عن خبرتي العملية أتنازل عمّا التمسته علي أرض الواقع ! ولكن هذا يجعل مني إنسان غبي إنسان بدون عقل ( عبيط ). إذاً ماذا افعل ؟
للإجابة علي هذا التصادم : من خلال قصة من الكتاب المقدس قصة ( أيوب ) الرجل الذي عاش ملء هذا الصدام. الرجل الشجاع الذي لا يخاف الله ولكن امام صمت الله ينقد ويصارع ولا يتنازل عن شيء , لأنه يعرف جيداً بأنه لم يخطأ في شئ . فلماذا يحدث هذا في حياته !!
اولاً : القصة
الجزء الأول ( حياة أيوب , التجارب التي يمر بها وفقدانه كل شئء , وسوسة زوجته وتشجيعه علي التمرد , عظمة أيوب وصبره .
- يبدأ سفر أيوب, بمقدمة قصيرة يُذكر فيها , وصف أيوب وكم كان إنسان عادل تقي يخاف الله, يقدم الذبائح ويقوم بأعمال البر, كل شئ علي حسب ما وُرد في شريعة موسي .
- فجأة بدون اي تحذير, الله يسمح للشيطان بتجربة أيوب, فيخسر كل شئ. يفقد كل ما كان يمتلك من غناء وثروة يفقد حتي بنيه وبناته , يصبح من أغني الرجال وأشهرهم إلي رجل فقير لا يمتلك شئ
- أيوب بكل صبر يتقبل تلك المأساه لم يخطأ ولم يقل في الله شيء:
فقامَ أَيُّوبُ وشَقَّ رِداءَه وحَلَقَ شَعرَ رَأسِه وٱرتَمى إِلى الأَرضِ وسَجَدَ، وقال: عُرْيانًا خَرَجتُ مِن جَوفِ أُمّي وعُرْيانًا أَعودُ إِلَيه. الرَّبُّ أَعْطى والرَّبُّ أَخَذَ. فلْيَكُنِ ٱسمُ الرَّبِّ مُبارَكًا». في هٰذا كُلِّه لم يَخطَأْ أَيُّوب ولم يَقُلْ في اللهِ غَباو ( ايو ١” ٢٠ – ٢٣).
- في المرة الأولي أيوب جُرِبَ في كل ما يمتلك فلم يقل شئ ولكنه سلّم أمره إلي الله, فيعود الله ويسمح لأيوب بأن يُجرّب في شئ آخر أكثر أهمية وأكثر صعوبة ,حيث يمرض بأمراض مؤلمة, يُصاب بقُرَح قوية جداً, لا أحد يطيق حتي أن يتحمل رائحتها أو رؤيتها. أيوب رغم كل هذا وما يعيشه من خبرة سلبية , لم يعترض ولكن بالأحرى يرد علي زوجته التي كانت تدفعه للتمرد علي الله, ” أَإِلي الآن متمسك :
- فَقَالَتْ لَهُ زَوْجَتُهُ: «أمَا زِلتَ مُتَمَسِّكًا بِاسْتِقَامَتِكَ؟ العَنِ اللهَ وَمُتْ!» فقال لَهَا أيُّوبُ: «تَتَكَلَّمِينَ كَالجَاهِلَاتِ! فَهَلْ نَقبَلُ الخَيْرَ مِنَ اللهَ وَلَا نَقبَلُ الشَّرَّ؟» فَفِي كُلِّ هَذَا لَمْ يَرْتَكِبْ أيُّوبُ إثمًا فِي مَا قَالَهُ (ايو ٢ : ٨ -١٢)
- في بداية الصراع أيوب , لم يتحدث ولكنه بالأحري يقف يتأمل في قصة حياته ويراجعها.
الجزء الثاني ( تمرد أيوب , زيارة اصدقاءه له , أيوب يطالب بقاضي يحاكم بينه وبين الله ).
أيوب عظمته لم تكن في تحمله للألم ولكن في ثقته بنفسه بأنه لم يخطأ بشئ وكل ما يمر به ليس بعدل, يدافع عن برائته, امام أصداقاءه الثلاثه الذين بطريقة مباشرة أو بطريقة غير مباشرة يُعيّنون أنفسهم محامي الله , فيتهمون أيوب بالخطأ منطلقين من مبدأ ( إذ كنت تعاني وتتألم هذا لأنك إرتكبت من الإثم) ” لكل عمل جزاءه:
علي أي حال , الجزء الثاني يُفتَتَح بتمرد أيوب حيث يفتح فاه ويَلعن يوم مولده : تكلم أيوب وقال : بَعْدَ هَذَا ابتَدَأ أيُّوبُ يَتَحَدَّثُ، فَلَعَنَ يَوْمَ مَولِدِهِ، وَقَالَ: لَيتَهُ مُحِيَ ذَلِكَ اليَوْمُ الَّذِي وُلِدتُ فِيهِ، وَتِلْكَ اللَّيلَةُ الَّتِي قَالُوا فِيهَا حَبَلَتِ امْرأةٌ بِوَلَدٍ. 4لَيْتَ ذَلِكَ اليَوْمَ ظَلَّ مُظلِمًا، وَلَيْتَ اللهَ فِي سَمَائِهِ لَمْ يَصْنَعْهُ. لَيْتَ النُّورَ لَمْ يُشرِقْ عَلَيْ ( ايو ٣ : ١ – ٢٦)
أيوب يريد أن يعرف لماذا يحدث هذا في حياته, وأين هو الله الذي كان يعتقد في حبه وسمع عنه أنه قريب منه؟ ولعدله ليس مثيل ؟ وما هو المبرر لكل هذا ؟
هنا يتدخل أصدقاءه الثلاثة يرغبون في الدفاع عن الله ,
- الصديق الأول أليفاز التيماني
- يتهم أيوب بأنه مذنب لأن لكل عمل جزءاه , فإذ يعاني فهذا هو جزاء لما فعله, لذا يؤكد إلي أيوب ان كل ما انت فيه الآن هو عقاب من عند الله بسبب ذنوبك, لأنه منطقياً لا يوجد عقاب بدون ذنب.
- فيأخذ ويقول::
أمَّا الآنَ فَيَحْدُثُ لَكَ سُوءٌ فَيُزعِجَكَ، َقْتَرِبُ مِنْكَ فَتَضْطَرِبَ. أمَا تَثِقُ بِتَقوَاكَ؟ أمَا أسَّسْتَ رَجَاءَكَ عَلَى اسْتِقَامَتِكَ؟ َذَكَّرْ هَلْ مِنْ بَرِيءٍ هلَكَ، وَهَلْ بَادَ المُسْتَقِيمُونَ يَومًا؟ فَمَا رَأيْتُهُ هُوَ أنَّ الَّذِينَ يَحْرُثُونَ الشَّرَّ وَيَزْرَعُونَ الشَّقَاءَ، هُمُ الَّذِينَ يَحْصُدُونَهُ. وَفخَةُ اللهِ تَقْتُلُهُمْ، وَغَضَبُهُ العَاصِفُ يَلْتَهِمُهُمْ. ( ايو ٤: ٥- ١٢)
اويضا :
أيُمكِنُ أنْ يَكُونَ الإنْسَانُ أكْثَرَ صَوَابًا مِنَ اللهِ، أمْ يُمْكِنُ لِلإنْسَانِ أنْ يَكُونَ أطهَرَ مِنْ صَانِعِهِ؟ 8فَاللهُ لَا يَثِقُ بِخُدَّامِهِ،وَيَرَى أخْطَاءً حَتَّى فِي مَلَائِكَتِهِ. فَكَيْفَ بِالنَّاسِ الَّذِينَ يَسْكُنُونَ بُيُوتًا مِنْ طِينٍ، أسَاسَاتُهَا فِي التُّرَابِ؟ ألَا يَسْحَقُهُمُ اللهُ كَحَشَرَةٍ؟ ـ (ايو ٤ ١٧ – ٢٠ )
+ أيوب :
أيوب يثق في براءته, ويثق في نفسه بأن لا ذنب عليه, لهذا بدون خوف يرفض هذا العقاب, وينقد حتي عدل الله. اذ كان حقا كل مافيه هو عقاب من الله علي شيء لم يفعله.
حيث يقول :
عَلِّمُونِي وَأنَا أصْمِتُ، وَأفهِمُونِي أيْنَ أخْطَأتُ. مَا أقوَى الكَلِمَاتُ الصَّائِبَةُ! لَكِنْ مَاذَا تُبَرهِنُ أقْوَالُكُمْ؟ أتَنْوُونَ انْتِقَادَ كَلَامِي، وَتَحْسِبُونَ كَلِمَاتِ اليَأْسِ الَّتِي أقُولُهَا مُجَرَّدَ رِيحٍ؟ حَتَّى إنَّكُمْ تُلقُونَ قُرعَةً عَلَى مَالِ اليَتِيمِ، وَتُسَاوِمُونَ عَلَى صَدِيقِكُمْ. وَالْآنَ تَمَعَّنُوا فِي وَجْهِي، فَإنِّي لَسْتُ أكذِبُ عَلَيْكُمْ. أعِيدُوا النَّظَرَ فِي مَا قُلْتُمْ وَكُفُّوا عَنْ ظُلْمِي. أعِيدُوا النَّظَرَ الآنَ لِأنَّنِي بَريءٌ. ( ايو ٦: ٢٤ – ٣٠)
أيضا يقول واثقا من براءته :
لِهَذَا لَنْ أسْكُتَ. وَسَأتَكَلَّمُ مِنْ عَذَابِ رُوحِي. سَأشكُو مِمَّا ذُقتُهُ مِنْ مَرَارَةٍ فِي نَفْسِي. هَلْ أنَا اليَمُّ أمِ التِّنِّينُ لِتَضَعَ عَلَيَّ حَارِسًا؟ إنْ قُلْتُ سَيُعطِينِي فِرَاشِي رَاحَةً، وَيَحْمِلُ السَّرِيرُ هَمِّي عِنْدَمَا أشكُو، فَإنَّكَ تُخِيفُنِي يَا اللهُ فِي أحْلَامِي، وَتُرعِبُنِي بِالرُّؤى. فَأخْتَارُ الخَنْقَ وَالمَوْتَ عَلَى هَذِهِ الحَيَاةِ. كَرِهْتُ الحَيَاةَ، وَلَا أُرِيدُ أنْ أعِيشَ إلَى الأبَدِ. اترُكْنِي، ( ايو ٧ : ١١- ١٦)
- الصديق الثاني بلدد الشوحي
- يشعر أن أيوب إنتصر علي صديقه أليفاز, ولم يرضي بما قاله أيوب, حيث يتهم الله بالظلم, فيبدأ هو أيضاً في الحديث مدافعاً عن الله مؤكد اولاً إلي أيوب : أن الله عادل ولايمكن أن يظلم أحد, فإذا أنت وصلت إلي هذه الدرجة تذّكر ما فعلته في حياتك من سوء, فهذا هو جزاء مرتكبي الشر هذا هو مصير الشرير, يدعو أيوب إلي التوبة , والخضوع لله وعدم التكبر امام الله العلي. فيقول :
- ” إلي متي أنـت تَنطِقُ بمثل هذا وأقوال فمك كريحٍ عاصفة ؟ ألعلّ الله يُحَرِّفُ القضاء أم القدير يُحِرِّفُ العدل ؟…… “فإن بَكَرتَ إلي الله والتمست رحمة القدير وكنت طاهراً مستقيماً, فإنه يسهرعليك ويُعيدُك إلي مَقَرِّ بِرِّكَ فالله لا يرذُلُ الكامل ولا يأخذ بأيدي المُجرِمين إلي أن يملأ فَمَكَ ضَحِكاً وشفتيك تَهَلُّلاً…..” أيوب (ايو ٨ : ١- ٢٢)
+ أيوب :
في حقيقة الأمر , أيوب من جانب يعلم جيداً أن أمام الله لا يوجد انسان بار كامل , في نفس الوقت هو متأكد وواثق أنه لم يرتكب خطأ وواثق من براءته, حيث لا ذنب عليه. يقول ::
- فَأجَابَ أيُّوبُ وَقَالَ: أعْلَمُ أنَّكَ عَلَى صَوَابٍ. فَكَيْفَ يَتَبَرَّرُ الإنْسَانُ أمَامَ اللهِ؟ إنْ أرَادَ اللهُ أنْ يَتَّهِمَهُ، فَلَنْ يَسْتَطِيعَ أنْ يُعطِيَهِ جَوَابًا شَافِيًا وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً مِنْ ألفٍ. فَاللهُ كَامِلُ الحِكْمَةِ وَالقُوَّةِ. مَنْ عَانَدَهُ وَسَلِمَ؟ هُوَ الَّذِي يُحَرِّكُ الجِبَالَ دُونَ أنْ تَعْلَمَ، وَيَقْلِبُهَا عِنْدَمَا يَغْضَبُ ( ايو ٩: ١- ٥)
أيضا يقول:
- وَأنْتَ تَعْلَمُ أنِّي لَمْ أقتَرِفْ ذَنبًا، وَلَا مَهرَبَ مِنْكَ. َدَاكَ اللَّتَانِ شَكَّلَتَانِي وَصَنَعَتَانِي، حَاصَرَتَانِي الآنَ وَدَمَّرَتَانِي. اذكُرْ أنَّكَ صَنَعْتَنِي طِينًا، فَهَلْ تُرْجِعُنِي ثَانِيَةً إلَى تُرَابٍ ( ايو ١٠ : ٧- ١٠)
- الصديق الثالث صوفر النعماني.
- أيضاً هو الآخر يشعر بان إصرار أيوب علي براءته , وبإجابته علي أصدقاءه السابق ذكرهم إنتصر عليهم, فأراد هو الآخر أن يُدافع عن الله, فيتّهم أيوب: حيث يؤكد له بطريقة غير مباشرة بأن لا يوجد إنسان كامل بار أمام عيني الله العلي مضيفاً إلي كلام أصدقاءه السابق ذكرهم بأن :الإنسان بطبيعته خُلِقَ ضعيف , ومن الضعف يسقط في الشرور حتي وإن يشعر بقوته وطهارته أمام الله . حيث يقول له :
- لَكِنْ لَيْتَ اللهَ يَتَكَلَّمُ، وَيَتَحَدَّثُ إلَيْكَ، وَيُعلِنُ أسرَارَ الحِكْمَةِ لَكَ، لِأنَّ لِكُلِّ حُجَّةٍ جَانِبَينِ. وَاعلَمْ بِأنَّ اللهَ يُعَاقِبُكَ بِأقَلَّ مِمَّا تَسْتَحِقُّ! أتَظُنُ أنَّكَ تَفْهَمُ أعْمَاقَ اللهِ، أوْ تَصِلُ إلَى المَعْرِفَةِ الكَامِلَةِ لِلقَدِيرِ؟ هِيَ أعْلَى مِنَ السَّمَاوَاتِ، فَمَاذَا عَسَاكَ تَفْعَلُ؟ وَأعمَقُ مِنَ الهَاوِيَةِ، فَمَاذَا تَدْرِي عَنْهَا؟ هِيَ أطوَلُ مِنَ الأرْضِ، وَأعرَضُ مِنَ البَحْرِ. إنْ مَرَّ وَأمسَكَ بِإنْسَانٍ وَقَادَهُ إلَى المَحْكَمَةِ، فَمَنْ يَسْتَطِيعُ أنْ يُقَاوِمَهُ؟ لِأنَّ اللهَ يَعْرِفُ أُولَئِكَ البَاطِلِينَ. حِينَ يَرَى الشَّرَّ، أفَلَا يَنْتَبِهُ؟ ( ايو ١١: ٥- ١٤).
- فأجاب أيوب وقال :
- إنكم في الحقيقة صوت الشعب وفي موتكم تموت الحكمة. غير أن لي عقلا كما لكم لا أقصر عنكم في شيء ومن الذي يفوته مثل هذه؟ . أصبحت أضحوكة لأصدقائي وأنا أدعو إلى الله فيستجيبني. إن البار الكامل لأضحوكة. العسر في رأي الميسورين إهانة فهي معدة لمن زلت قدمه. خيام اللصوص في سلام والطمأنينة لمسخطي الله لكل من يقبض على الله في يده . ولكن اسأل البهائم فتعلمك وطيور السماء فتخبرك. (ايو ١٢: ١- ٧)
- أيضا يقول : معبرا ان انه يريد إجابة فقط من الله:
- ذلك كله قد رأته عيني وسمعته أذني وفطنت له. وما تعلمون فإني أنا أيضا أعلمه لا أقصر عنكم في شيء. لكني إنما أخاطب القدير وأود أن أجادل الله. أما أنتم فإنما تطلون بالكذب وطبكم لا قيمة له. من لي بأن تسكتوا فيكون لكم في ذلك حكمة. إسمعوا حججي وأصغوا إلى دعاوى شفتي (ايو ١٣- ١- ٥) .
أيوب يرد علي أصدقاءه يوبخّهم يؤكد لهم أن كل ما تخبرون به هو علي دراية به و يعلمه جيداً, عظمة أيوب تظهر هنا, ثقته الدائمة بنفسه بأن لا ذنب عليه, لكل عمل سيء جزاءه هو لا يرفض ذلك المنطق , ولكن هو لم يرتكب أي شىء
يقول:
- ما الذي لي من الآثام والخطايا؟ أعلمني معصيتي وخطيئتي. لم تواري وجهك وتعدني عدوا لك؟ أتروغ ورقة منثورة وتطارد قشة يابسة؟ ( ايو ١٣: ٢٦) ) لهذا يريد أن يعرف لماذا لِما نزلت عليه كل هذه المصائب , يضرب ضرب الحائط بكلام أصدقاءه بل بالكعس يوبّخهم لأنهم من أصدقاء له أصبحوا متهميه ليدافعوا عن الله .
لذا أيوب لم يقتنع بكلام أصدقاءه , تظل ثقته بنفسه و بأنه بدون ذنب حيث يقول لهم جميعاً مؤكداً:
- حاشى لي أن أبرركم. إلى أن تفيض روحي لا أقلع عن كمالي. تمسكت ببري فلا أرخيه لأن ضميري لا يخجل على يوم من أيامي. ( ايو ٢٧ : ٥- ٧)
يريد فقط أن يعرف لماذا كل هذة المصائب تحل به, لماذا تلك الخبرة السيئة التي يمر بها,. لا ينصت بعد إلي أي إجابة من أصدقاءه حتي بعد أن تَدّخَل الصديق الرابع أليهو محاولاً أن يعطي رد, ولكن في حقيقة الأمر هو لم يضيف شيء جديد عما سبقوه. أيوب الآن يتجه إلي الله فقط منه يريد أن يعرف لماذا ما حدث له ؟ ما هو السبب ؟ ما معني كل هذا ؟ أين أنت ؟ لماذا تصمت . يقول أيوب:
- لبست البر فكان لباسي وكان حتى حلة وتاجا لي. كنت عينا للأعمى ورجلا للأعرج وكنت أبا للمساكين أستقصي قضية من لم أعرفه وأحطم أنياب الظالم وأنزع فريسته من بين أسنانه (ايو ٢٩ : ١٤- ١٥)
- والآن تنهال نفسي علي وأيام بؤس أخذتني. في الليل ينخر هذا عظامي من فوقي والذين يقرضونني لا ينامون. قبض الألم على لباسي بقوة وشدني كما يشدني قميصي. ألقاني في الوحل فأشبهت التراب والرماد. إليك أصرخ فما تجيبني وتوقفت فحدقت في.أصبحت لي عدوا قاسيا وبقوة يدك حملت علي. (ايو ٣٠: ١٦- ١٧)
+ أيوب إذاً يدخل في صراع كبير بين ما هو كان يعلمه و توارثة من إيمان ” الله هو الله عادل, يكافيء كل إنسان علي حسب أعماله, يصغي إلي صوت المتألمين, الله محب للإنسان ولا يتركه في الضيق…”
وبين ما يختبرة الآن ” يتألم و يعاني, بدون ذنب يري نفسه مدمر لا يمتلك شئ , يصرخ لله ولكن لا يسمعه ولم يكن قريب منه, الله يصمت صمت تام وكأنه غير موجود”
+ أيوب لم يتنازل عن إيمانه بالله رغم كل ما حدث ,رغم صمت الله التام الذي يدفع أيوب لإتهامه بالعدو. ولم يتنازل عن خبرته أو يصمت. أيوب يلح و يصر , لن يتنازل عن سماع الإجابة من الله لمعرفة سبب كل هذا ؟ أيوب في الإصحاحيين التاسع والعشرون والثلاثون يراجع قصة حياته , يتذكر الماضي وكل ما فعله, ليؤكد لنفسه بأن ما يحدث في المضارع بدون وجه حق. .
+ أخيراً الله العلي بعد صمت طويل: يجيب علي أيوب الإصحاح ( 38 -39- 40 ), يكشف عن نفسه وعن وجوده في المخلوقات, ويكشف له عن ذاته وكم يكون قريب من الإنسان , وأنه يعلم كل شئ. فمن أبدع الأذن لا يسمع ؟ وهل من شكّل العين لا يسمع ؟
أيوب في النهاية يرد ويقول كنت قد سمعت عنك سمع الأُذن , أمّا الآن فعيني قد رأتك (ايو ٤٢: ٢)
+ الخاتمة :
إن لم يختبر أيوب تلك الأحداث , لم يستطيع أن يتقابل مع الله ويؤمن به إيمان بطريقة عميقة. كل ما حدث له كان هو الطريقة التي إختارها الله وبمثابة المكان الذي حدده كي يتقابل معه , حيث تدفع أيوب إلي الخروج من الإيمان التقليدي.
+ نفس الوضع لنا جيمعاً كل أحداث حياتنا وكل خبرتنا التي نعتقد أنها في تصادم مع إيماننا هي دعوة من الله كي نتقابل معه, صمت الله في حياتنا هو الدافع الذي يجعلنا نصرخ صراخ حقيقي. الله لا يحب الإيمان السطحي ولكن يرغب في التقابل معنا, إذاً عندما تصطدم حياتنا العملية وخبرتنا مع إيماننا فنتوجه بعقولنا لنعرف ماذا يريد الله منّا ؟ الألم كان بالنسبة إلي أيوب بمثابة المكان الذي يتقابل فيه مع الله؟ وهكذا كل إنسان منّا من خلال ما يعيشه يتقابل مع الله بطريقة مختلفة . قد تكون قصة ألم أو فشل أو شيء آخر .
الأب د اغسطينوس منير