الرُّوح والعروس. الرُّوح القدس يقود شعب الله إلى لقاء يسوع رجائنا
7. سار الرُّوحُ بيسوعَ إلى البرِّيَّة
الرّوحُ القدس هو حليفُنا في معركتنا ضدّ روح الشَّرّ
يتضمّن النّصّ التّالي أيضًا فقرات لم تُقرأ، والتي نقدّمها كما لو أنّها قُرِأت.
أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، صباح الخير!
بعد معموديّة يسوع في نهر الأردن، يقول إنجيل متّى: “سارَ الرُّوحُ بِه إِلى البَرِّيَّةِ لِيُجَرِّبَه إِبليس” (متّى 4، 1). لم تكن المبادرة من الشّيطان، بل من الله. عندما ذهب يسوع إلى البرِّيّة، كان يطيع إلهام الرّوح القدس، ولم يسقط في فخ العدو، لا! وبعدما اجتاز التّجربة، عاد إلى الجليل “بِقُوَّةِ الرُّوح” (لوقا 4، 14).
في البرِّيّة، تحرّر يسوع من الشّيطان، ثمّ أظهر قدرته على تحرير الآخرين من الشّيطان. هذا ما يبيِّنه الإنجيليّون بالعديد من قصص تحرير الممسوسين. قال يسوع لمعارضيه: “إِذا كُنتُ أَنا بِروحِ اللهِ أَطرُدُ الشَّياطين، فقد وافاكُم مَلكوتُ الله” (متّى 12، 28).
اليوم نشهد ظاهرة غريبة في ما يختصّ بالشّيطان. في بعض المستويات الثّقافية، يُعتقد ببساطة أنّه غير موجود. ويُعتبر رمزًا للاوعي الجماعيّ أو الاغتراب النفسي، باختصار يُعتبر رمزًا وصورة. “وأكبر حيلة للشّيطان هي إقناع النّاس بأنّه غير موجود”، كما كتب أحد الكتَّاب (شارل بودلير -Charles Baudelaire ). الشّيطان ماكر ذكيّ: يقنعنا بأنّه غير موجود وهكذا يسيطر على كلّ شيء. إنّه مخادع. ومع ذلك، فإنّ عالمنا التّكنولوجي والعلماني مليء بالسّحرة، والغيبيات، وباستحضار الأرواح، وبعِلم التنجيم، وبباعة الشّعوذة والحجابات، حتّى، للأسف، بالبدع التي تعبد الشّيطان حقًّا. عندما يُطرد الشّيطان من الباب، فكأنّه يعود ويدخل من النّافذة. وعندما يُطرَدُ من الإيمان، فإنّه يعود بالمعتقدات الخرافيّة. وإن كنت تؤمن بالخرافات، فأنت تتحاور بشكلٍ لا واعٍ مع الشّيطان. مع الشّيطان لا نتحاور.
أقوى دليل على وجود الشّيطان ليس في الخطأة أو الممسوسين، بل في القدّيسين! قد يقول قائلٌ: ”وكيف ذلك يا أبتِ؟“. نعم، هذا صحيح أنّ الشّيطان حاضر ويعمل بطرق متطرّفة و”لاإنسانيّة“ من الشّرّ والخبث التي نراها حولنا. ومع ذلك، بهذه الطّريقة، من المستحيل عمليًّا أن نصل إلى اليقين في الحالات الفرديّة، أنّه هو الذي يعمل فعلًا، لأنّه لا يمكننا أن نعرف بدقّة أين ينتهي عمله وأين يبدأ شرّنا نحن. لهذا، فإنّ الكنيسة فطنة ومتشدّدة في ممارسة صلاة التّقسيم على الأرواح الشّريرة، بخلاف ما يحدث، للأسف، في بعض الأفلام!
في حياة القدّيسين الشّيطان مضطّر لأن يأتي إلى العَلَن، ويقف ”في النّور“. جميع القدّيسين والمؤمنين الكبار، بشكل أو بآخر، يشهدون على جهادهم مع هذا الواقع الغامض، ولا يمكن بصدق أن نفترض أنّهم جميعًا كانوا واهمين أو ضحايا بسطاء للأحكام المسبقة التي في زمنهم.
يمكن أن نكسِب المعركة ضدّ روح الشّرّ، كما كسبها يسوع في البرِّيّة، وذلك بكلام الله. لاحظوا أنّ يسوع لم يحاور الشّيطان، وما حاوره أبدًا. فهو إمّا طرده أو أدانه، لكنّه لم يحاوره قط. وفي البرّيّة لم يُجب بكلامه، بل بكلام الله. أيّها الإخوة والأخوات، لا نتحاور أبدًا مع الشّيطان! وعندما يأتي إليك بالتّجارب: ”قد يكون هذا الأمر جميلًا، أو ذاك…“، توقّف! ارفع قلبك إلى الرّبّ الإله، وصلِّ إلى سيّدتنا مريم العذراء واطرده، كما علّمنا يسوع أن نطرده. ويقترح القدّيس بطرس وسيلة أخرى، لم يكن يسوع بحاجة إليها، لكن نحن بحاجة إليها، وهي السّهر: “كونوا قَنوعينَ ساهِرين. إِنَّ إِبليسَ خَصْمَكم كالأَسدِ الزَّائِرِ يَرودُ في طَلَبِ فَريسةٍ لَه” (1 بطرس 5، 8). والقدّيس بولس يقول لنا: “لا تَجعَلوا لإِبليسَ سَبيلًا” (أفسس 4، 27).
بعدما هزم المسيح على الصّليب وإلى الأبد سلطان “سَيِّدِ هذا العالَم” (يوحنّا 12، 31)، قال أحد آباء الكنيسة إنّ الشّيطان صار “مقيَّدًا، مثل كلب بسِلسلة. لا يمكنه أن يعضّ أحدًا إلَّا من يقترب منه متهوّرًا… يمكنّه أن ينبح، ويمكنه أن يغوي، ولكنّه لا يمكنه أن يعض إلَّا من يريد ذلك” [1]. إن كنت جاهلًا وذهبت إلى الشّيطان وقلت له: ”كيف حالك؟“، فهو سيدمّرك. لنبقِ الشّيطان بعيدًا عنّا! مع الشّيطان لا نتحاور. يجب أن نطرده. ونُبعده. وكلّنا لدينا خبرة في كيف يقترب الشّيطان منّا مع بعض تجاربه، عن الوصايا العشر. عندما نسمع كلامه عن الوصايا العشر، لنتوقّف، ولنبعده عنّا! فنحن لا نقترب من الكلب المقيَّد بسلسلة.
مثلًا، التّكنولوجيا الحديثة، بالإضافة إلى الموارد الإيجابيّة العديدة فيها والتي يجب أن نقدَّرها، تُقَدِّم أيضًا وسائل لا تُعد ولا تُحصى ”لتعطي فرصة للشّيطان“، فيسقط فيها الكثيرون. لنفكِّر في الإباحيّة على الإنترنت، وسوقها المزدهر، كلّنا نعلم ذلك. الشّيطان هو الذي يعمل هناك. هذه ظاهرة شائعة جدًّا، يجب على المسيحيّين أن يحذروا منها بشدّة وأن يرفضوها بقوّة. لأنّ كلّ هاتف محمول يمكنه أن يصل إلى هذه المواقع السّيّئة، وإلى لغة الشّيطان هذه: الإباحيّة على الإنترنت.
الوعي بعمل الشّيطان في التّاريخ يجب ألّا يُهبِط عزيمتنا. يجب أن تكون الفكرة الأخيرة فينا، حتّى في هذه الحالة، فكرة ثقة وأمان. فالمسيح هزم الشّيطان وأعطانا الرّوح القدس لننتصر مثله. فيمكن أن يتحوّل عمل العدو لصالحنا إن جعلناه، بمساعدة الله، يخدم لتطهيرنا. لذلك، لنطلب إلى الرّوح القدس، بكلمات نشيد ”هيَّا أروحَ الخالِق“ ولنقل: ابعد عنا العدو، وهَبنا السَّلامَ كما تَروم، نأمَن مضَرَّاتِ اللَّعين.
*******
مِن إنجيلِ ربِّنا يسوعَ المسيحِ للقِدِّيسِ لوقا (4، 1-2. 13-14)
ورَجَعَ يسوعُ مِنَ الأُردُنّ، وهو مُمتَلِئٌ مِنَ الرُّوحِ القُدُس، فكانَ يَقودُه الرُّوحُ في البرِّيَّةِ أَربَعينَ يومًا، وإِبليسُ يُجَرِّبُه. […] فلَمَّا أَنْهى إِبليسُ جمَيعَ مَا عِندَه مِن تَجرِبَة، اِنصَرَفَ عَنه إِلى أَن يَحينَ الوَقْت. وعادَ يسوعُ إِلى الجَليلِ بِقُوَّةِ الرُّوح.
كلامُ الرَّبّ
*******
Speaker:
تَكلَّمَ قَداسَةُ البابا اليَومَ علَى الرُّوحِ القُدُسِ الَّذي يقودُ شعبَ اللهِ إلى لقاءِ يسوعَ موضوعِ رجائِنا، وقال: سارَ الرُّوحُ بيسوعَ إِلى البَرِّيَّةِ لِيُجَرِّبَه إِبليس. وكان يسوعُ مطيعًا لإلهامِ الرُّوحِ القُدُس، ولم يَسقُطْ في فخِّ الشَّيطان، بل خَرَجَ مُنتَصِرًا على الشَّيطان، ثمّ أظهَرَ قُدرَتَه على تحريرِ الآخرينَ منه أيضًا. وأضافَ قداسَتُه: اليومَ نَشهَدُ ظاهِرَةً غريبةً في ما يَختَصُّ بالشَّيطان. إذ تَعتَقِدُ بعضُ المُستَوياتِ الثَّقافِيَّةِ أنَّ الشَّيطانَ غيرُ موجود، وأنَّه عِبارةٌ عَن رمزٍ وصورة، رغمَ انتشارِ البِدَعِ الَّتي تَعبُدُ الشَّيطان. إنَّ أقوَى دليلٍ على وجودِ الشَّيطانِ هم القِدِّيسون، لأنَّهم يَشهَدُون على جِهادِهم في مواجَهَتِهِ في حياتِهِم الرُّوحيَّة. يُمكِنُ أنْ نَكسِبَ المَعرَكَةَ ضِدَّ روحِ الشَّرّ، كما كَسَبَها يسوعُ في البَرِّيَّة، وذلك بِقُوَّةِ كلامِ الله، وبالسَّهَرِ والحَذَرِ مِن الوقوعِ في الشَّرّ. وأخيرًا، إنْ علِمنا أنَّ الشَّيطانَ موجودٌ وهو يَعمَل، هذا يَجِبُ ألَّا يُهبِطَ عزيمَتَنا. لأنَّ السَّيِّدَ المسيح قد هزَمَهُ وأعطانا روحَهُ القُدُّوس لكي نَتَغَلَّبَ عليه وعلى تجارِبِه، نحن أيضًا.
*******
Speaker:
أُحَيِّي المُؤمِنينَ النَّاطِقينَ باللغَةِ العربِيَّة. لِنُصَلِّ إلى الرُّوحِ القُدُس كلَّ يومٍ حتَّى يُبعِدَ عنَّا الخطيئة، ويَهَبنا السَّلامَ والطُّمأنينَةَ في حياتِنا. باركَكُم الرّبُّ جَميعًا وحَماكُم دائِمًا مِن كُلِّ شَرّ!
*******
جميع الحقوق محفوظة – حاضرة الفاتيكان 2024
[1] S. Cesario di Arles, Discorsi 121, 6: CC 103, p. 507.
Copyright © Dicastero per la Comunicazione – Libreria Editrice Vaticana