تحتفل الكنيسة الجامعة في السابع من شهر اكتوبر / تشرين الأول من كل عام بعيد العذراء سيدة الوردية،
وقد استحدث هذا العيد البابا بيوس الخامس عام ١٥٧٣، تخليداً لانتصار المسيحيين في معركة ليبانتو باليونان بمساعدة من العذراء الذين استنجدوها بتلاوة الوردية،
وكان ذلك عام ١٥٧١ . ومن شأن هذا العيد، أن يذكِّر المؤمنين بضرورة التأمل في أسرار المسيح بهدى من السيدة العذراء، التي شاركت ابنها في تجسده وآلامه وقيامته
وعليه نرى أن المسبحة الوردية هي في حقيقتها صلاة إنجيلية تدور حول حياة وتعاليم السيد المسيح.
إن وردية العذراء مريم التي انتشرت تدريجياً خلال الألف الثاني بإلهام من الروح القدس، هي صلاة أحبها العديد من القديسين، وشجعتها الكنيسة،
أنها ليست تسبيحاً للعذراء بل تسبيحاً لله مع مريم العذراء التي قالت: “تعظم نفسي الرب”، والتكرار فيها إعلان متجدد يعبر عن حب المؤمنين لوالدتهم الروحية،
إنها ببساطتها وعمقها مستمرة بقوة حتى اليوم، لأنها صلاة ذات معنى كبير، معدة لتحمل ثمار القداسة، ولتسير في نهج المسيحية الروحي، دون أن تفقد شيئاً من نضارة جذورها،
ونستطيع أن نقول أن الروح القدس يدفعها كي تتقدم إلى الإمام للتعرف على السيد المسيح واختبار عمق حبه،
ولتعلن للعالم أن المسيح هو الرب والمخلص وأنه الطريق والحق والحياة، وأنه محور التاريخ والحضارة والسلام،
وانه بالوردية يغرف المؤمن وافر النعم، وكأنه ينالها من يدي أم الفادي.
نعم، من خلال العذراء سيدة الوردية نستطيع أن نتأمل معها وجه ابنها يسوع كونها أمه وعاشت معه طوال حياته، وان هذا التأمل سيقودنا حتما إلى معرفة الإنجيل، والدخول إلى قلب الحياة المسيحية،
ويذكرنا بكل مراحل حياة يسوع منذ ولادته وحتى صلبه وموته وقيامته، كما نستطيع أن نتعرف على الإنجيل وننشر البشرى السارة في كل مكان،
كما نستطيع أن نطلب شفاعتها من ابنها يسوع ليمنحنا النعمة واليقين والثبات،
كما شفعت في عرس قانا الجليل،
فهي بحق أم مسيحنا ومخلصنا وأمنا حيث أوصاها ابنها بنا في الصليب،
وأعطانا إياها من خلال شخص يوحنا الحبيب
من خلال سيدة الوردية نعرف كيف نصلي ولمن نصلي ولماذا نصلي،
نعرف كيف نركز صلاتنا على حياة يسوع الناصري وموته وقيامته من خلال إسرار الفرح والنور والحزن والمجد،
ونستطيع بالتالي أن نفهم من هو يسوع حلمنا،
وكيف نسكب له الطيب، وكيف يطيب إليه السجود، وكيف نرتبط به في علاقة حميمة ودائمة.
وإذا صلينا الوردية بطريقة تأملية نستطيع أن نسير مع سيدة الوردية، نحو المسيح ابنها الذي حملته لنا،
فهي البلسم والراحة ومنهل الرجاء والأمل الوضاء وهي المرشدة والحنونة والشفيعة.
إن عيد سيدة الوردية هو دعوة لنا جميعاً لان نحب أم نورنا المسيح وأمنا مريم البتول، ونكرمها ونسلم عليها ونطوبها مدى الأجيال وان نتخذ من سيرتها قدوة لنا ومثالاً يحتذى به،
وان نستذكر من خلال ورديتها أسرار الحياة الإنجيلية المباركة،
كما انه مناسبة سانحة لنصلي من اجل رهبنة الوردية المقدسة التي انطلقت بالكنيسة بامرها لتستمر برسالتها السامية بزهد وعفة وقوة وشموخ ورجاء واستقامة على درب المسيح.
عيد سيدة الوردية هو نداء إلى الفتيات للإقبال على الحياة الرهبانية للعمل من اجل المسيح
كما انه دعوة للمؤمنين للتضحية من اجل المسيح والثبات بمحبته
كما انه نداء إلى أمنا النقية العذراء لتؤتينا الحصانة والسلامة والنجاة ولتعلمنا الخدمة والطاعة والتواصل مع الله خاصة في هذه الظروف الصعبة من حياتنا.
وأخيراً نهنئك يا سيدة الوردية وملكة العفة والزهد بعيدك المبارك وورديتك المقدسة، ونهديك أزهار الربيع كلها هدية لناظريك، نهنئك أيتها المباركة في النساء،
يا نجمة الصبح والمساء،
يا وردة جورية السمات،
يا من حققت حلم البشر برؤية الرب من خلال طاعتك وصمتك العذب،
كما نهنئ راهبات الوردية وجميع المؤمنين بهذه المناسبة العزيزة،
فعليك السلام يا مريم يا أم نور الحق وأمنا بلا ملل،
ولك التهنئة على مر الأجيال وعليك التحية والتطويب يا والدة يسوع الحبيب.
آمين.
+المطران كريكور اوغسطينوس كوسا
اسقف الاسكندرية للأرمن الكاثوليك