“إذا أردنا أن ننجوَ من الغرقِ في الشّرور، علينا أن نرميَ كبرياءَنا بعيدًا، فتنتفي معها باقي الشّرور. هكذا يفعل البحّارة عند هبوبِ العاصفة، فيرمون في البحر الأمتعة الثّقيلة لكي ينجوا من الغرق.”
“أبونا يعقوب”
تلك هي النّعمة الّتي تزيّن النّفس…
التّواضع فرحٌ، يجعل النّفوس شفّافة، ونقيّة، ومتلألئة، فهو يُبعد الذّات عن ضباب يُعمي خلاصها… التّواضع يجعل الإنسان خفيفًا، لأنّه ألقى عن كاهله أحمال التّكبر، والأنانيّة…
أحنى أبونا يعقوب رأسه خادمًا لمشيئة الّله. مسيرته الحياتيّة كانت مثقلة بنعمٍ أهدته إيّاها العناية الإلهيّة، إلّا إنّه كان يُحاكي السّنابل المثقلة بالقمح انحناءً…فلطالما ردّد:” نرى في الحقول أنّ السّنابل الفارغة منتصبة، أمّا السّنابل الممتلئة ثمارًا، فهي منخفضة.”
كي يبلغ جمال القداسة، كان مقتنعًا أنّ كلّ ما في الإنسان آتٍ من اللّه.
اعتبر أنّ المتواضع يتعلّق بالسّماويّات، وينفر من المدائح، والمراتب… يعرف ذاته كما هو أمام الله…
ركّز في عظاته على جعل المؤمن يتّجه نحو ما يقوده إلى الفرحة الكبرى : ” لا تفتخر بما فيك، وتحتقر الآخرين. لا تفتخر بمالك ، ولا بجمالك، ولا تمدح ما يخصّك. الأرض الّتي تحتوي على المعادن الثّمينة، والأحجار الكريمة لا ترى الزّهور على سطحها. “
كان الكبّوشيّ على ثقةٍ كبرى، أنّ مثالَ التّواضع الأجمل هو يسوع المسيح، الّذي أخذ صورة الإنسان، عاش الذّل… ولد في مذودٍ… أمّه فقيرة… مربّيه نجّار… خاطب الخاطئين… غسل أقدام تلاميذه… كشاة سيق إلى الّذبح… التّواضع يؤدّي إلى كمالٍ فائق، إلى السّعادة الأبديّة… لأجل ذلك تخلّى أبونا يعقوب عن أفراح هذه الأرض ليحيا فرح السّماء… كان يعي، أنّه دون نعمة الله في ذاته، لأصبح أشرّ النّاس، وأحقرهم… هذه هي عظمة الإنسان المسيحيّ، الّذي يدرك أنّ حياته، وكيانه، ووجوده نعمة كبرى من نعم الرّبّ.
كلّنا نتمتّع بنعم سماويّة جمّة… يكفي أن نتّكل على الله…
علينا التّجرّد، والتّخلّي عن كلّ ما يبعدنا عنك يا ربّ… فالنّفس البسيطة هي النّفس الغنيّة حقًّا… وحدها بارعة في إظهار حبّك… وحدها تعي الإصغاء إلى كلمتك:” تعلّموا منّي أنّي وديع، ومتواضع القلب فتجدوا الرّاحةَ لنفوسكم.( متّى 11/ 29).