في خطوة نادرة ومتواضعة، رفض أسقف بوكور في إندونيسيا، باسكاليس برونو سيوكور، شرف ترقيته إلى رتبة كاردينال، والتي كانت ستتمّ خلال الكونسيستوار القادم في 7 كانون الأوّل 2024، كما أورد الخبر القسم الإنكليزي من زينيت.
في التفاصيل، ينبع قرار الأسقف الفرنسيسكاني بالتخلي عن هذا الدّور المرموق من رغبته العميقة في الاستمرار في النمو في كهنوته ومواصلة خدمة الكنيسة وشعب الله. ونتيجة لذلك، تقلّص عدد الكرادلة الجدد الذين من المقرّر أن يتلقّوا قبّعاتهم الحمراء من البابا فرنسيس من 21 إلى 20.
في هذا السياق، أكّد مكتب دار الصحافة التابعة للفاتيكان، برئاسة ماتيو بروني، الخبر في بيان: “طلب صاحب السيادة باسكاليس برونو سيوكور، أسقف بوكور في إندونيسيا، من الأب الأقدس عدم ترقيته إلى رتبة كاردينال خلال الكونسيستوار القادم. وطلبه مدفوع برغبته في النمو بشكل أكبر في حياته الكهنوتية، وفي خدمته للكنيسة وشعب الله”.
أمّا هذا القرار فقد أثار الاهتمام والإعجاب في العالم الكاثوليكي، ليس فقط بسبب ندرته ولكن أيضاً لأنّه يعكس شعوراً عميقاً بالتّواضع والتّفاني في النموّ الروحي – وهي شهادة على القيم الفرنسيسكانية للأسقف سيوكور.
حياة الخدمة والقيادة
وُلد الأسقف سيوكور في 17 أيار 1962 في جزيرة فلوريس، وكانت رحلته داخل الكنيسة رحلة خدمة مخلصة. انضمّ إلى الرّهبنة الفرنسيسكانية للأصاغر، ولفظ نذره الرسمي في 22 كانون الثاني 1989، لتتلوه سيامته الكهنوتيّة في 2 شباط 1991. تميّز كهنوته المبكر بالخدمة في أدوار رعويّة مختلفة، بما في ذلك العمل الرعوي في المناطق النائية من بابوا في إندونيسيا. حملته مساعيه الأكاديمية إلى الجامعة الحبريّة الأنطونيّة في روما، حيث حصل على إجازة في الروحانية، ممّا أعدّه لأدوار قياديّة داخل الرهبنة الفرنسيسكانية.
عاد إلى إندونيسيا ليعمل كأستاذ مبتدىء وتولّى في النهاية مسؤوليّات كبيرة في الرّهبنة الفرنسيسكانيّة من عام 2001 إلى عام 2009. وقد أدّى التزامه بالرهبنة إلى انتخابه كمستشار عام لآسيا وأوقيانيا، وهو الدور الذي أعاده إلى روما قبل تعيينه أسقفاً لبوكور من قبل البابا فرنسيس في تشرين الثاني 2013.
قرار هادىء ومدروس
على الرغم من أنّ الكثيرين ينظرون إلى الكاردينالية على أنها ذروة دعوة الأسقف، فإنّ قرار سيوكور يعكس تفضيله لحياة من التأمّل الهادىء والنموّ الروحي على التكريمات الدنيويّة. ويبدو أنّ جذوره الفرنسيسكانية المشبّعة بالبساطة والتواضع والخدمة قد وجّهت هذا الاختيار. فبالنسبة إلى سيوكور، لعلّ الكاردينالية شرف، إلّا أنّها كانت ستحمل أيضاً ثقل الواجبات الإداريّة والاحتفاليّة الجديدة التي يمكن أن تُبعده عن مهمّته الرعويّة والأشخاص الذين يخدمهم. وقراره هو تذكير بنوع مختلف من القيادة: نوع يعطي الأولوية للتطوّر الروحي والتواضع على التقدير. بهذا، يُشير الأسقف سيوكور إلى أنّ دعوته تكمن في علاقة أعمق مع الله والمؤمنين، وفي عيش دعوته الفرنسيسكانيّة بطريقة تضع تركيزاً أقلّ على الألقاب، وتركيزاً أكبر على العمل الأساسي للكنيسة.
أمّا هذا القرار فيتماشى مع روح البابا فرنسيس نفسه، الذي أكّد باستمرار على التواضع والخدمة ورفض الإكليريكيّة طوال فترة حبريّته. فغالباً ما ذكّر الحبر الأعظم الكنيسة بالحاجة إلى رجال دين لا يبحثون عن التراتبيّة بل عن الخدمة، وهو ما يجسّده اختيار سيوكور. ومن خلال قبول طلب الأسقف، يدرك البابا فرنسيس الأهمية الروحية العميقة لهذا القرار مع الاستمرار في الدفاع عن قِيم البساطة والقُرب من الناس التي لطالما دافع عنها.
من المرجّح أن يتردّد صدى قرار الأسقف سيوكور برفض الكاردينالية لدى أولئك الذين لا يرون الكنيسة كمؤسّسة قوّة وهيبة بل كجماعة حيث يُدعى القادة الروحيّون، من أعلى المناصب إلى أبناء الرّعيّة المحليّين، للخدمة أوّلاً وقبل كلّ شيء. وفي حين قد يتفاجأ الكثيرون في الكنيسة بقرار الأسقف سيوكور، قد يظلّ مستقبله فيها مستقبلاً من الخدمة الهادئة والمؤثّرة. سواء من خلال قيادته في أبرشية بوكور أو مساهماته المستمرّة في الرهبانية الفرنسيسكانية، سيبقى سيوكور شخصيّة تتمتّع بالحكمة الروحيّة العميقة والالتزام.
وفيما تستعدّ الكنيسة لكونسيستوار كانون الأوّل بهدف تعيين 20 كاردينالاً جديداً، سيواصل الأسقف باسكاليس برونو سيوكور رحلته، ليس بقبّعة حمراء، ولكن بنفس التواضع والتفاني اللذين ميّزا حياته حتى الآن – وهي شهادة حقيقية فضّلت مسار الخدمة على الذّات.