إفرحوا في الرب دائما ، أكرر القول : افرحوا . ليُعرف حلمكم عند جميع الناس . إنّ الرب قريب . لا تكونوا في همِ من كل شيء كان ، بل في كل شيء لتُرفع طلباتكم إلى الله بالصلاة والدعاء مع الشكر، فإن سلام الله الذي يفوق كل إدراك يحفظ قلوبكم وأذهانكم في المسيح يسوع . ( فيليبي ٤ : ٤ – ٨ )
في هذه الأيام ، تتجه أنظارنا نحو عيد الميلاد ، لذلك تدعونا الكنيسة لنشهد بأن يسوع ليس مجرّد شخصيّة من الماضي ، وإنما هو كلمة الله التي تستمرّ اليوم أيضاً بإنارة مسيرتنا ومسيرة كل الإنسان ، لتعبّر عن حنان الله الآب ، وعن عزائه ومحبته تجاه كل كائن بشريّ .
في هذه الأيام ، تدعونا الكنيسة للسهر الروحي كي نُعدّ الطريق للرب الآتي . وتحثنا للتحلي بموقف داخلي جديد كي نعيش انتظار الرب يسوع بفرح .
إن قلب الإنسان يرغب بالفرح . ونحن جميعنا نتوق للفرح ، وكلّ عائلة وكل شعب يتوق إلى السعادة .
لكن ما هو الفرح الذي دُعي المسيحي ليعيشه وللشهادة له ؟
إنه الفرح الذي يأتي من قرب الرب ومن حضوره في حياتنا. لإنه منذ أن دخل يسوع المتجسّد في التاريخ ، بولادته في بيت لحم ، نالت البشريّة بذار ملكوت الله ، كما تنال التربة ، الأرض الطيّبة ، البذرة ، كوعد بالمحصول القادم . نحن ايضاً ينبغي علينا أن نبحث بعد الآن فقط عن يسوع ونستعد لإستقباله .
فقد تجسد وجاء ليحمل الفرح للجميع وعلى الدوام . إن الأمر لا يتعلق بفرح مرجو فقط أو مؤجل لنعيشه في الملكوت : أي أننا على الأرض حزانى ولكننا في الملكوت سنفرح وسنكون سعداء .
الفرح الحقيقي :
لا، فالأمر ليس هكذا . إن هذا الفرح هو فرح حقيقيّ ، فرح إلاهي ، ويمكننا أن ننعيشه و نختبره منذ الآن ، لأن يسوع نفسه هو فرحنا ومع يسوع الفرح هو نصيبنا .
هل هناك فرح بدون يسوع ؟
لا ، فيسوع هو الحيّ ، والقائم من الموت وهو يعمل فينا وبيننا ، لا سيما بواسطة كلمته ووصاياه والأسرار المقدسة .
نحن المعمدون جَميعنا ، أبناء الكنيسة الواحدة ، مدعوون لقبول حضور الله مجدّداً وعلى الدوام بيننا ولمساعدة الآخرين على إكتشافه أو إعادة إكتشافه إذا كان البعض قد تناساه . إنها رسالة جميلة، تشبه رسالة يوحنا المعمدان : أن نوجّه الناس نحو المسيح ، لأنه هو الهدف الذي يتوق إليه قلب الإنسان عندما يبحث عن الفرح وعن السعادة الحقيقية .
يُعلّمنا القديس بولس رسول الأمم في رسالته الاولى إلى أهل تسالونيقي كيف نكون بالفعل ” رسل حقيقيين للمسيح ” علينا أن نواظب باستمرار على الصلاة ، وأن نرفع الشكر لله على الدوام ، وألا نطفئ روحه القدوسه فينا ، وأن نبحث عن الخير ونتجنّب كل ّ شرّ ( تسالونيقي الاولى ٥ : ١٥ – ٢٢ ). فإذا أصبح هذا أسلوب حياتنا ، فستتمكن عندها البشرى السارة من الدخول إلى منازل عديدة ومساعدة الأشخاص والعائلات ليكتشفوا مجدّداً أن الخلاص هو في المسيح يسوع ، وفيه يمكننا أن نجد السلام الداخلي والقوة لمواجهة مختلف ظروف الحياة يومياً حتى تلك الصعبة والمستعصية .
فما من أحد قد سمع أبداً بقديس حزين أو بقديسة مكتئبة ، فهذا أمر مستحيل ، لأن المسيحي هو شخص يمتلئ قلبه بالسلام ، ولأنه يعرف كيف يضع فرحه في الرب حتى في الأوقات الصعبة والحرجة .
إن الإيمان لا يعني غياب الصعوبات وإنما يعني أن يكون لدينا القوة لمواجهتها واثقين باننا لسنا وحدنا ، بل الله معنا . وهذا هو السلام الذي يعطيه الله لأبنائه.
ليعطينا السلام إله السلام يسوع المسيح المتجسد من أجل خلاصنا ، وليقدسنا تقديساً ويحفظنا سالمين روحاً وجسداً ، ويثبتنا ويحفظنا من الشرير .
نطلب من العذراء مريم ، ” سلطانة السلام ” و ” سبب سرورنا “، أن تجعلنا فرحين على الدوام في الرب ، الذي يأتي ليحررنا من العديد من العبوديات الداخلية والخارجية ، ويملأ قلوبنا والعالم سلاماً .
+المطران كريكور اوغسطينوس كوسا
اسقف الاسكندرية للأرمن الكاثوليك