ونحن على ابواب عيد ميلاد الرب يسوع ، ملك السلام ، إله المحبة ، ومعلم المغفرة والمصالحة ، علينا أن نتحلى بهذه الصفات لنستطيع أن نعيش حياة جديدة تملأ قلوبنا فرحاً وقداسة
” المغفرة فضيلة “
” إذا خطِئَ إليكَ أخوكَ فوَبِّخْهُ ، وإن تاب فاغفِرْ لَهُ . وإذا خَطِئَ إليكَ سبعَ مَرّاتٍ في اليوم ، ورجعَ إليكَ سبعَ مرَّاتٍ فقال : أنا تأئِب ، فاغفرْ لَهُ ” ( لوقا ١٧ : ٣ – ٤ ) .
” سُبُلُ الرَّبِّ جَميعُها رَحمَةٌ وحَقٌّ لِمَن يَحفَظونَ عَهدَه ووَصاياه ” ( مزمور ٢٥[ ٢٤ ] : ١٠ ) . ما ذكره المزمور عن الرحمة والحقّ هما في غاية الأهمية في المغفرة والمسامحة … لقد تكلّم عن الرحمة، والرحمّة محبّة ، و”المحبّة تصبِر … ولا تفرح بالظُّلْم ، بل تفرح بِالْحَقِّ … وتتحمَّلَ كُلَّ شيء ” ( قورنتس الأولى ١٣ : ٤ – ٧ ) .
الله لا ينظر إلى استحقاقاتنا، بل إلى طيبة نياتنا وحُسن أخلاقنا وتصرفاتنا، لكي يغفر لنا خطايانا ويعدنا بالسعادة في الحياة الأبديّة .
تكلّم هذا المزمور أيضًا عن الحقّ ، لأنّ الله يفي دائمًا بوعوده الصادقة . فلنعترف إذًا بالله ولنأخذهُ مثالاً إلهيًّا متشبيهين به وبأعمالهِ ، هو الذي أظهر لنا رحمته وحقّه . لننجز مثله ، في هذا العالم ، أعمال مفعمة بالرحمة والحقّ والصفح والمغفرة … لنكن مخلصين وطيّبين تجاه الخطأة والمرضى والضعفاء والفقراء وحتّى تجاه أعدائنا ، ” فإنِّي ما جِئتُ لأَدْعُوَ الأبرار بل الخاطِئين ” ( متى ٨ : ١٣) .
فلنَعشْ بالحقّ محاولين تفادي أعمال الشر قدر المُستطاع . دعونا لا نُضاعف أخطاءنا ومن ثُمَّ نطلب المغفرة من الله ، لأنّ من يستغلّ طيبة الله ورحمتُهُ ، يُدخل فيه إرادة جعل الله غير عادل . فهو يظنّ أنّه حتّى لو استمرّ في خطاياه ورفض أن يتوب ، فإن الله سيعطيه مع ذلك مكانة بين خدّامه المؤمنين . ولكن هل سيكون من العدل أن يضعك الله في المكانة ذاتها مع الذين تابوا عن خطاياهم ، في حين أنك تثابر في ارتكاب الخطايا ؟ لماذا تريد جرّ الله إلى الانصياع لإرادتك ؟ عليك بالحري أن تنصاع أنت لإرادته .
كتبَ مؤلّف المزامير في هذا الخصوص : ” لِيَجلِسْ على العَرشِ أَمامَ اللهِ لِلأبد ولْيَحْفَظْه الحقُّ والرَّحمَة ” ( مزمو ٦١ [٦٠]: ٨ ) . لماذا قال ” أمام الله ” ؟ يحاول الكثيرون أن يتعلّموا رحمة الربّ وحقيقته من خلال قراءة الكتاب المقدّس . وحين يتوصّلون إلى ذلك ، يعيشون من أجل أنفسهم ، وليس من أجلِ كلام الله وتعاليمهِ . يبحثون عن مصالحهم الخاصّة ، لا عمّا يريده الرّب يسوع المسيح . يبشّرون بالرحمة والحقّ ، ولا يمارسونهما . أمّا ذاك الذي يحبّ الله والمسيح ، حين يبشرّ بالرحمة والحقّ الإلهيَين ، فهو يبحث عنهما من أجل الله ، لا من أجل مصلحته الخاصّة . هو لا يبشّر من أجل أيّة غاية ماديّة ، بل من أجل خير أعضاء جسد الرّب يسوع المسيح أي المؤمنين . هو يوزّع عليهم ما تعلّمه بروح الحقّ ، ” كَيلا يَحْيا الأَحياءُ مِن بَعدُ لأَنْفُسِهِم ، بل لِلَّذي ماتَ وقامَ مِن أَجْلِهِم ” (قورنتس الثانية ٥ ١٥ ) .
فمَن سيبحث عن رحمة الله وحقّه؟
ذاك الذي يطلب المغفرة لنفسه ويسامح الآخرين ، مقتدياً بتعاليم الرب يسوع : ” فإن تَغفِروا للنّاس زلّٓاتِهِم يَغْفِرْ لكُم أبوكُمُ السَّماويّ ، وإن لَم تَغفِروا للنَّاسِ لا يَغْفِرْ لكُم أَبُوكُم زلَّاتِكُم ” ( متى ٦ : ١٤ – ١٥ ) .
المطران كريكور اوغسطينوس كوسا+
اسقف الاسكندرية للأرمن الكاثوليك