يجب أن نكون بالقرب من هؤلاء الناس، لو كان يسوع مكاننا لقام بالأمر نفسه”. كانت لهجة الكاردينال كونراد كرايفسكي هادئة وهو يشرح لأخبار الفاتيكان الآثار المترتبة على مهمته الجديدة في أوكرانيا، والتي تقضي بتسليم شاحنة نقل طبية (مستشفى متنقل صغير) إلى لفيف وستة أجهزة الموجات فوق الصوتية المخصصة للمستشفيات التي تعرضت للقصف، وهي هدايا من الأب الأقدس. ويعرف الكاردينال البولندي، الذي زار البلاد الممزقّة من الحرب عشرات المرّات، خطورة هذه المبادرة. ويقول: “في ذلك المساء، عندما عدت إلى كييف، اتصل بي الأب الأقدس، وأراد أن يعرف كيف تسير هذه المهمة، والتي، كما نعلم، خطيرة بعض الشيء”. وقد وصل الكاردينال كرايفسكي والسفير البابوي إلى أوكرانيا، المونسنيور فيسفالداس كولبوكاس، يوم الثلاثاء 24 كانون الأول إلى منطقة حرب “يعاني فيها الناس كثيرًا”. وهناك، وسط هذا القطيع الصغير الذي بقي، سيحتفلون بقداس عيد الميلاد.
كسر الخبز معًا
التقى الأطفال في فاستيف، وهي بلدة يبلغ عدد سكانها 60 ألف نسمة وتقع على بعد 80 كيلومتراً جنوب غرب كييف، وأبدعوا وهم يرتدون الملابس التقليدية مسرحية عيد الميلاد “المقدَّمَة من القلب”. وقال الكاردينال كونراد كرايفسكي إنّ من بينهم يوجد العديد من الأطفال من مدرسة الموسيقى الذين تيتموا بسبب الحرب. وكان قد ذهب الأسقف كرايفسكي قبل فترة وجيزة، إلى مؤسسة تسمى “البيت الاجتماعي”، حيث يعيش العديد من كبار السن، والتقى بالمرضى أثناء كسر الخبز الأبيض، “وهي عادة لتقديم أمنيات عيد الميلاد”. إنّ مركز سانت مارتن دي بوريس، الذي يديره الآباء الدومينيكان، نشط للغاية في فاستيف. “هنا وجد العديد من اللاجئين مأوى، وهنا يصل العديد من المتطوعين لإحضار الطعام، ويغادرون من تشيرسون إلى مدن أخرى. ويعتني رجال الدين بالسكان المتبقين في هذه المناطق”. ويعمل المركز منذ 19 عاماً، ويجد فيه الأطفال المرضى من الأسر المشتتة وكبار السن والأمهات العازبات والمشردين مأوى.
“عسى أن يكون الميلاد الأخير في الحرب”
في نهاية اليوم، أُعيد إحياء عادة “الحساء الشعبي بعد أن توقّفت منذ العام 2009 حين افتتح الدومينيكان مطبخًا اجتماعيًا. “إنه مكان مهم بشكل خاص للفقراء واللاجئين. وأوضح الكاردينال أنّ الكلفة تبلغ حوالي مائة دولار، وهؤلاء الأشخاص لا يستطيعون تحمل أي شيء، ولهذا السبب سمح الدومينيكان، بمساعدة المتطوعين، ومعظمهم من بولندا، بإنشاء مطبخ الحساء هذا.
ثم أضاف الكاردينال: “لقد أرسلني البابا لأسافر مسافة 3000 كيلومتر لأشارككم فرحة ميلاد الرب، على أمل أن يكون هذا آخر عيد ميلاد تعيشونه في ظل الحرب. الإيمان والصلاة يمكن أن يحركا الجبال. لذلك، إذا توكّلنا على الله، ستنتهي هذه الحرب العبثية”.
معجزات اليوم
أردف الكاردينال: “في هذه اللحظات، أتذكر دائمًا الإنجيل (متى 14، 13-21)، عندما ذهب التلاميذ خائفين إلى يسوع وأخبروه أنه يوجد خمسة آلاف جائع ليس لديهم ما يأكلونه”. وهم ليس معهم سوى أرغفة قليلة من الخبز وسمكتين. فقال لهم يسوع: «أعطوهم أنتم ليأكلوا». هذه “أنت” تعني “نحن”. نحن، ككنيسة، كمؤمنين، كحاملين للإنجيل. وهذا ما يحدث في فاستيف.” شهد الكاردينال على السخاء الكبير في العمل في فاستيف، حيث يقوم شخص ما كل يوم بإحضار الخبز والأرز والمعكرونة واللحوم، وحيث “حتى الآن لم ينقص أي شيء”. وختم قائلا: “هذه هي معجزات اليوم”.