” ولَمَّا اعتَمَدَ الشَّعبُ كُلُّه واعتَمَدَ يَسوعُ أَيضاً . وكان يُصَلِّي ، إنفتحَتِ السماء ، ونزَلَ الرُّوحُ القُدُس عليه في صورةِ جِسْمٍ كأنَّهُ حَمَامَة ، وأتى صَوتٌ من السماءِ يقول : أنتَ ابنيَ الحبيب ، عنكَ رَضِيت ” ( لوقا ٣ : ٢١ – ٢٢ ) .
أتى الرب يسوع ليقبل العماد على يد يوحنا المعمدان . لقد وصل إلى نهر الاردن فقيراً ولا يملك شيئاً ، جاء عرياناً وبدون ثيابٍ ورفيقٍ او مرافق . أتى لابساً إنسانيتنا البشرية الضعيفة ، ومُخفِيًا عظمته الإلهية ليغلب مكر الثعبان . لم يأتي إلى يوحنا كسيّدٍ أرسل قبل مجيئه حرسه الشخصيّ ليمهدّوا طريقه . بل قدِم إليه كأيّ إنسانٍ عادي بسيط خاطئ ، وحنى رأسه بكُلِّ تواضع لينال العماد منه . وهذا الأخير الذي بهره هذا التواضع جعل يمانعه قائلاً : “أَنا أَحتاجُ إِلى الاِعتِمَادِ عن يَدِكَ ، أَوَ أَنتَ تَأتي إِليَّ ؟ ” ( متى ٣ : ١٤ ) .
كم من النِّعَم والخيرات كنا سنُبلى بها لو لم يقبل الربّ العماد عن يد يوحنا ؟
نعم ، قبل عماد يسوع كانت السماوات مقفلة ، ومسكننا في الأعالي بعيدًا عن متناولنا . لإننا بعد أن نزلنا إلى أدنى المستويات بسبب الخطيئة ، أصبح علينا صعباً ومن المستحيل أن نستعيد الفرح السماويّ. لكن الربّ يسوع ، ابن الله الوحيد المتجسّد ، الذي نال العماد ، ” جدّد إنساننا القديم ” ( رومة ٦ : ٦ ) ، وأعاد إليه صورته الحقيقية ، ومنحه صولجان التبنّي الإلهي ، فلوَقتِه ” انفتحت السَّمَواتُ” ، وتوافقت الحقائق المرئية مع غير المرئية ، وعمّ الفرح بين الطّغمات السماوية وشفيت الأمراض على الأرض ، وكل ما كان في العهد القديم محجوبًا أصبح معلومًا . فوجب علينا أن نفتح أمام الرّب يسوع المسيح ، أبواب قلوبِنا لننال الخلاص بسر تجسده وفدائه . فكما نَزَلَ الرُّوحُ القُدُسُ علَيه في صورةِ جِسْمٍ كَأَنَّهُ حَمامَة وانطلق صَوتُ الآب مِنَ السَّماءِ يقول : ” هذا هو ابنيَ الحبيبُ الذي عَنهُ رَضِيت ” ، فكان لا بدّ أن ” ترتَفِعَ المَداخِلُ الأَبدِيَّة “( مزمور ٢٤ (٢٣ ) : ٧ ) ، ليدخل ” ملك المجد ” ويسكن في قلوبِنا ويُجدّد حياتنا ويملأها قداسةً وفرحاً ( مزمور ٢٤ ( ٢٣ ) : ٧ ) .
تعالوا يا جميع الشعوب وقبائل الأمم إلى المعموديّة ، إلى حمّام الخلود .
تعالوا إنِّي أبشّركم بالحياة ، أنتم الذين ما زلتم في ظلمة الجهل .
تعالوا من العبودية إلى الحُريّة ، ومن الاستبداد إلى الملوكية ، ومن القابل للفساد إلى الذي لا يعرف الفساد وهو الحياة .
تعالوا لتغيّروا فيكم الحياة ، وتكون حياتكم أفضل .
تعالوا ، وانا أدلكم كيف تحققون ذلك .
بالميلاد الثاني ، بالماءِ والرُّوح القدس : ” الحقَّ الحقَّ أقولُ لك : ما من أحدٍ يُمكِنُهُ أن يَدخُلَ ملكوت الله ، إلاّ إذا ولِدَ من الماء والرُّوح . فمولود الجَسدِ يكونُ جسداً ، ومولود الرُّوح يكون روحاً ” ( يوحنا ٣ : ٤ – ٦ ) .
فهذه المياه التي تشارك الرُّوح القدّس تسقي الجنّة وتُفرّح الأرض ، وتُخصب العالم . وتولِّد الإنسان وتجعله يولد من جديد في المياه التي تعمّد بها الرّب يسوع المسيح والتي حلَّ عليها الرُّوح القدس . روح القداسة والمحبّة والسلام والحق .
أيها الروح القدس ، في يوم ظهور السيد المسيح واعتماده في نهر الاردن ، إخلق فينا روحاً جديدة وقلوباً جديدة تسير على طريق القداسة . إنزع منها وصمة الخطيئة واحرق كلّ شيء غير طاهر فيها. وإجعلنا مطابقين لصورة إبنك الإلهي ، لنصبح هياكل طاهرة صالحة لحلول مجده السماويّ .
يا روحاً إلهياً تنازل واسكن شخصياً في كلِّ واحدٍ منا لتقديسنا ، أشعل في قلوبِنا نار المحبّة ، واملأ بشعلتك نفوسنا . أطرد منها كل عاطفة مغايرة لإرادة الله، وادفعنا نحو قطف الثمار الرسولية . أعطنا نعمتك لنكون شعلة متّقدة بمحبّة طاهرة وأزليّة .
+المطران كريكور اوغسطينوس كوسا
اسقف الاسكندرية للأرمن الكاثوليك