دير مار سركيس وباخوس الأثري على التخوم التي بين عكار العتيقة والقبيات (لبنان)

المسيحيون في الشرق: أمنٌ أو أمان؟

أين استقامتك أيها المسيحي؟

Share this Entry
في كل تغيير يطرأ على الوضع في الشرق الأوسط (منطقة لم تنعم أبدًا بالراحة الطويلة أقلّه منذ بداية التاريخ المُوَثّق) يُطرَح موضوع ما يُسَمّى بالأقَليّات وكيف سيعيشون في الوضع المُستَجَدّ وكيف ستتم حمايتهم… لمحاولة طرح هذه المسألة بشكل صحيح لنميّز بين كلمتَين: «أمن» و«أمان». فما الفرق بينهما؟
– الأمن: هو أن يكون الشخص خائف على نفسه في مكان لا يشبهه أو لا ينتمي إليه، فيخاف المحيطين به ويستعين بجهة او جهاز أو أشخاص أو مؤسسة قوية لتحميه. فبدل أن يخاف الشخص من محيطه، يخاف المحيط منه بسبب الجهة الأمنية التي تحميه.
– الأمان: هو الشعور بأن الشخص ينتمي إلى المكان الذي يشبهه بالرغم من اختلافه عن غيره. هذا الشعور بالإنتماء يخلق بينه وبين المحيط روابط محبة وأخوة وحياة مشتركة تقودها مصالح مشتركة تأتي بالفائدة على الجميع.
من هنا نستنتج أن:
– عدم الشعور بالأمان هو الأمن الذي يبني الخوف والعداوة، ويستجلب الإنتقام والحقد،
– في حين أن الشعور بالأمان هو الحياة المشتركة على أساس المحبة والتعاون والصداقة.
من المؤسف أنّنا نرى في شرقنا الكثير من الذين يعملون على حماية أنفسهم بالأمن وليس ببناء أنفسهم ومستقبلهم بالأمان. وفي مرّات عديدة يخاف فيها المسيحيون على أنفسهم بسبب عدم بناء أمانهم، وهم سكان هذه المنطقة منذ آلاف السنين ويُشكّلون بحضورهم التاريخي جزءًا أساسيًّا من النسيج الإجتماعي والثقافي والفكري واللغوي. والمسيحيون يبرَعون ويُبدِعون في كثير من المجالات، خصوصًا الإستشفاء والتعليم والإقتصاد والسياحة والفنون وغيرها، وهم أصيلون في الشرق، وليسوا بحاجة لشهادة أحد أو موافقة أية جهة أو رِضَى أي طرف ليعيشوا بسلام! إنهم أقلّية عددية فقط كما كانوا دائمًا… فما الذي ينقصهم ليتخلّوا عن الأمن وهم يملكون كل المقوّمات اللازمة لبناء الأمان؟
في رتبة القداس الماروني القديمة وفي أغلب الإحتفالات في الطقوس الشرقيّة نصلي هذه الطّلبة: «من أجل أمان وسلام العالم كله»… يبدو أنّنا -في الدرجة الأولى- نسينا بأنّ الأمان هو طلبة نرفعها إلى الله وجهد نقوم به تجاه ذواتنا ومحيطنا!
يقول بولس الرسول: «أَمِينٌ هُوَ ٱلرَّبُّ ٱلَّذِي سَيُثَبِّتُكُمْ وَيَحْفَظُكُمْ مِنَ ٱلشِّرِّيرِ» (٢تس٣: ٣)، ويقول صاحب المزامير: «اَلرَّبُّ نُورِي وَخَلَاصِي، مِمَّنْ أَخَافُ؟ ٱلرَّبُّ حِصْنُ حَيَاتِي، مِمَّنْ أَرْتَعِبُ؟» (مز٢٧: ١) فالرب الحاضر في حياة المسيحي هو يجعله ثابتًا آمنًا، وهو الذي يجعله منفتحًا على الآخَر بالمحبة، دون الذوبان في الآخَر والدخول في متاهاته. «بِسَلَامَةٍ أَضْطَجِعُ بَلْ أَيْضًا أَنَامُ، لِأَنَّكَ أَنْتَ يَا رَبُّ مُنْفَرِدًا فِي طُمَأْنِينَةٍ تُسَكِّنُنِي» (مز٤: ٨)، وبذلك نفهم بأنّ «ذُو ٱلرَّأْيِ ٱلْمُمَكَّنِ تَحْفَظُهُ سَالِمًا سَالِمًا، لِأَنَّهُ عَلَيْكَ مُتَوَكِّلٌ» (أش٢٦: ٨) فأين رأيُكَ المُمَكَّن الذي فيه تبني أمانك أيّها المسيحي؟ «مَنْ يَسْلُكُ بِٱلِٱسْتِقَامَةِ يَسْلُكُ بِٱلْأَمَانِ، وَمَنْ يُعَوِّجُ طُرُقَهُ يُعَرَّفُ» (أم١٠: ٩) فأين استقامتُكَ أيّها المسيحي؟ تذكّر ماذا طلب يسوع من أبيه السماوي: «لَسْتُ أَسْأَلُ أَنْ تَأْخُذَهُمْ مِنَ ٱلْعَالَمِ بَلْ أَنْ تَحْفَظَهُمْ مِنَ ٱلشِّرِّيرِ» (يو١٧: ١٥) لذلك تمسّك بالوصية التي كتبها بولس الرسول إلى أهل أفسس: «مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ ٱحْمِلُوا سِلَاحَ ٱللهِ ٱلْكَامِلَ لِكَيْ تَقْدِرُوا أَنْ تُقَاوِمُوا فِي ٱلْيَوْمِ ٱلشِّرِّيرِ، وَبَعْدَ أَنْ تُتَمِّمُوا كُلَّ شَيْءٍ أَنْ تَثْبُتُوا» (أف٦: ١٣).
نحن المسيحيين ليس علينا أن نتوسّل أحدًا ليحمينا! وعشنا في هذا الشرق قرون طويلة دون دولة تحمي حقوق الإنسان، ودون قوانين منصفة وعادلة… وبالرغم من ذلك صمدنا لأننا كنّا ننعم بالأمان! فإن حملنا كلمة الله، وعرفنا قيمتنا كمسيحيين، وفهمنا فَرادَتَنا وَتَمَيُّزنا، نكون قد حملنا سلاح الله الكامل لتكون مقاومتنا محبة، وعملنا كامل بالمحبة، وثباتنا أمانٌ (وليس أمن!) مبنيّ على شهادة المحبة في أرضنا.
Share this Entry

الخوري يوحنا فؤاد فهد

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير