في مدينة قيصرية، قطع يسوع لبطرس وعداً يعني الكنيسة برمّتها، يمكن أن نجد تفاصيله في إنجيل متى (16: 13 – 19). لفهم هذا النصّ، دعونا ننتقل إلى منطقة قيصرية فيليبس، ونطّلع على الشرح الذي وضعته إيمانويل باستوري عبر موقع www.via-egeria.com، كما نقله القسم الفرنسي من زينيت.
تبع التلاميذ يسوع على طول الطريق إلى شمال الجليل. إنّهم عمليّاً عند سفح جبل حرمون، الذي تغنّت المزامير بارتفاعه وجماله. ومن هنا ينبع نهر الأردن، حيث المياه صافية ومنشطة، على عكس نهر الأردن الذي كلّما انحدر نحو البحر الميت، تقلّصت مياهه وتكدّرت.
Vue depuis le mont Hermon © E. Pastore
وحتّى اليوم، حيث ينبثق، ترتفع المنحدرات الصخريّة العالية. ولا يزال بإمكاننا رؤية آثار لمعبد وثنيّ مخصّص لعبادة الإله بان.
ابتداء من القرن الثالث قبل الميلاد، كانت القرابين تُلقى في الكهف كتقدمة للإله بان، مع العِلم أنّه غالباً ما يُصوَّر على أنّه إله الرعب (وبالتالي “الذعر”)، وهو نصف رجل ونصف معزاة، فيما يعزف على الفلوت.
Le Dieu Pan – Musée du Louvre
هنا، في المكان الذي يُعبد فيه هذا الإله الزائف، اصطحب يسوع تلاميذه ليسألهم عن إيمانهم بالإله الحقيقي: “من أنا حسب أقوال الناس؟” فيُجيب التلاميذ، بصفتهم الناطقين باسمهم، أنّ البعض اعتبروه يوحنا المعمدان، فيما البعض الآخر اعتبروه إيليا أو إرميا. باختصار، إنّهم يعتبرونه نبيّاً. يوحنا المعمدان كان نبيّ معمودية الارتداد. وكان إيليا النبي المدافع عن ديانة التوحيد وأوّل نبيّ أقام ميتاً، فيما إرميا هو النبيّ الذي أعلن عن تحالف جديد. أمّا يسوع فيؤيّد ويحقّق كل هذه الشخصيات النبويّة في نفسه، ولا نفهم من هو إلّا في ضوء هؤلاء الأنبياء. مع ذلك، فهم بطرس، بوحي من الآب السماوي، كيف تميَّز يسوع عن الأنبياء القدماء: “أنت المسيح ابن الله الحي”. إنّه المسيح، أي أنه هو الذي يصل إلى استمرارية الأنبياء الذين سبق ذكرهم. وهو الذي أعلنت عنه جميع نصوص الكتاب المقدس. علاوة على ذلك، فهو، على النقيض من المكان الذي وجدوا فيه، ابن الله الحيّ. أمّا الإله بان فقد كان صنماً صنعته أيدي البشر. إنّ يسوع هو ابن الله الحي، وهو ليس خادماً أو عبداً أو صديقاً لله الحيّ، بل ابنه! وبهذا، يتميّز يسوع عن الأنبياء الآخرين.
Reconstitution du sanctuaire païen dédié au culte du dieu Pan © E. Pastore
بعد اعتراف بطرس بإيمانه، أعلن يسوع إيمانه، في بطرس بذاته، قائلاً: “أنت بطرس، وعلى هذه الصخرة سأبني كنيستي؛ وقوّة الموت/أو أبواب الجحيم (حسب الترجمة) لن تقوى عليها”. عند سفح هذه المنحدرات الهائلة، جعل يسوع من بطرس الحجر الذي ستستقرّ عليه الكنيسة. حتّى المناظر الطبيعية تتكلّم! قوى الموت التي كانت تُعبَد في هذا المكان ستُهزم ولن تبتلع أبداً الكنيسة الشابة الوليدة التي وضعها يسوع على كتفَي بطرس. وهذا وعد غريب، لأنه هشّ… فكيف يمكن لشخص بطرس أن يدعم بناء أكثر صلابة من الموت؟ في الواقع، بعد بضعة آيات فقط (راجع متى 16، 23)، سوف يوبّخ يسوع بطرس نفسه بقسوة على أفكاره التي لا تتوافق مع أفكار الله… ومع ذلك، فإنّ يسوع لا يخشى أن يختار إنسانيّتنا الضعيفة… فهو يختار ما هو ضعيف في العالم ليُربك ما هو قويّ… (را. 1 كو 1، 27).
Falaises où Jésus fait de Pierre la pierre sur laquelle reposera l’Eglise © E. Pastore
هذا هو سرّ الكنيسة الذي لا يزال قائماً حتى اليوم، بعد ألفي سنة من وعد يسوع.