الإنجيل الذي أصغينا إليه يُعلِن لنا تتمّة نبوءة تفيض بالرّوح القدس. والذي يتمّمها هو الذي جاء “بِقُوَّةِ الرُّوح” (لوقا 4، 14)، يسوع المخلِّص.
كلمة الله حيَّة: تسير معنا على مرّ العصور، وتعمل في التّاريخ بقدرة الرّوح القدس. في الواقع، الله أمين دائمًا لوعده الذي يحافظ عليه حبًّا بالإنسان. هذا ما قاله يسوع في مجمع النّاصرة: “اليَومَ تَمَّت هذه الآيَةُ بِمَسمَعٍ مِنكُم” (لوقا 4، 21).
أيّها الإخوة والأخوات، ما أجمل هذه الصّدفة! في أحد كلمة الله، وفي بداية اليوبيل أيضًا، تُقرَأُ علينا هذه الصّفحة من إنجيل لوقا، حيث يكشف يسوع عن نفسه أنّه المسيح ”الذي مسحه الرّوح بمسحته“ (راجع الآية 18) والمُرسل “ليُعلِنَ سَنَةَ رِضًا عِندَ الرَّبّ” (الآية 19)! يسوع هو الكلمة الحيّة، الذي فيه تتحقّق كلّ الكتب المقدّسة. ونحن، في ليتورجيّا اليوم المقدّسة، معاصرون له: نحن أيضًا ممتلئون بالدّهشة، ونفتح قلوبنا وعقولنا لنصغي إليه، لأنّه “هو الذي يتكلّم عندما تُقرأ الأسفار المقدّسة في الكنيسة” (المجمع الفاتيكاني الثّاني، دستور في الليتورجيا المقدّسة، المجمع المقدّس، 7). لقد قلت كلمة: الدّهشة. عندما نصغي إلى الإنجيل، كلام الله، ليس الأمر هو فقط أن نصغي إليه ونفهمه، كلا. كلام الله يجب أن يدخل إلى القلب، وأن يُحدث ما قلته: ”الدّهشة“. فكلام الله يدهشنا دائمًا، ويجدّدنا دائمًا.
وفي موقف الإيمان والفرح هذا، نحن مدعوُّون إلى أن نقبل النّبوءة القديمة كما لو أنّها خرجت من قلب المسيح، وأن نتوقّف عند الأعمال الخمسة التي تميِّز رسالة المسيح: وهي رسالة فريدة وشاملة. هي فريدة لأنّ المسيح وحده يستطيع أن يحقّقها، وشاملة لأنّه يريد أن يشمل بها الجميع.
أوّلًا، أُرسِل ”ليُبَشِّرَ الفُقَراء“ (راجع الآية 18). هذا هو ”الإنجيل“، البُشرى السّارّة التي يعلنها يسوع: ملكوت الله قريب! وعندما يملك الله، ينال الإنسان الخلاص. الرّبّ يسوع يأتي ليزور شعبه، ويهتمّ بالمتواضعين والبائسين. هذا الإنجيل هو كلمة شفقة، تدعونا إلى المحبّة، وإلى مغفرة ديون القريب، وإلى التزام اجتماعيّ سخيّ.
عمل المسيح الثّاني هو أن يُعلِن “للمأسورين تَخلِيَةَ سَبيلِهم” (الآية 18). أيّها الإخوة والأخوات، أيام الشّرّ معدودة، لأنّ المستقبل هو لله. بقوّة الرّوح، يسوع يفدينا من كلّ خطيئة، ويحرّر قلوبنا من كلّ قيود داخليّة، ويحمل إلى العالم مغفرة الآب. هذا الإنجيل هو كلمة رحمة، تدعونا إلى أن نصير شهودًا مندفعين للسّلام، والتّضامن، والمصالحة.
العمل الثّالث الذي يتمّم به يسوع النّبوءة هو “عَودَةُ البَصَرِ للعميان” (راجع الآية 18). المسيح يفتح عيون قلوبنا، التي يُعميها مرارًا إغراء السّلطة والمجد الباطل: أمراض النّفس التي تمنعنا من إدراك حضور الله، وتجعل الضّعفاء والمتألِّمين غير مرئيين. هذا الإنجيل هو كلمة نور، تدعونا إلى الحقيقة، والشّهادة للإيمان، والانسجام والصّدق في حياتنا.
العمل الرّابع هو أن “يُفرِج عنِ المَظلومين” (الآية 18). لا يُمكن لأيّة عبوديّة أن تصمد أمام عمل المسيح، الذي يجعلنا إخوة باسمه. سجون الاضطهاد والموت تُفتح بقوّة محبّة الله، لأنّ الإنجيل هو كلمة حريّة، تدعونا إلى توبة القلب، ونزاهة الفكر، والثّبات في المِحَن.
أخيرًا، العمل الخامس: يسوع مُرسل “لِيُعلِنَ سَنَةَ رِضًا عِندَ الرَّبّ” (الآية 19). إنّه وقت جديد لا يزيل الحياة، بل يجدّدها. إنّه يوبيل، مثل الذي بدأناه، نستعدّ فيه برجاء للقائنا النّهائيّ مع الفادي. فالإنجيل هو كلمة فرح، تدعونا إلى القبول، والوَحدة والشّركة، والسّير حجّاجًا نحو ملكوت الله.
بهذه الأعمال الخمسة، يُحقِّقُ يسوع نبوءة أشعيا. وبتحريرنا، يُعلِن لنا أنّ الله قريب من فقرنا، ويفدينا من الشّرّ، وينير عيوننا، ويكسر نير الاضطهاد، ويُدخلنا في فرح الوقت والتّاريخ الذي يكون فيه حاضرًا، ليسير معنا ويقودنا إلى الحياة الأبديّة. الخلاص الذي يُعطينا إيّاه لم يتحقّق بصورة كاملة بعد، ومع ذلك، فإنّ الحروب، والظّلم، والألم، والموت لن تكون لها الكلمة الأخيرة. الإنجيل هو كلمة حيَّة وأكيدة، ولا تُخّيِّب أبدًا.
أيّها الإخوة والأخوات، في الأحد المخصَّص لكلمة الله، لنشكر الله الآب لأنّه وجّه إلينا كلمته، الذي صار بشرًا لخلاص العالم. هذا هو الحدث الذي تتكلّم عليه كلّ الكتب المقدّسة، ومؤلّفوها الحقيقيّون هُم البشر والرّوح القدس (راجع المجمع الفاتيكانيّ الثّاني، دستور عقائديّ في الوحي الإلهيّ، كلمة الله، 11). كلّ الكتاب المقدّس يَذكُر المسيح وعمله، والرّوح القدس يجعله حاضرًا في حياتنا وفي التّاريخ. عندما نقرأ الكتب المقدّسة، وعندما نصلّي معها وندرسها، لا نطَّلع على معلومات عن الله فقط، بل نقبل الرّوح القدس الذي يذكّرنا بكلّ ما قاله يسوع وعمله (راجع يوحنّا 14، 26). وهكذا، ينتظر قلبنا المتَّقد بالإيمان، مجيء الله برجاء.
لِنُجِب بحماسة على بُشرى المسيح السَّارَّة! الرّبّ يسوع لم يكلّمنا على أنّنا مستمعون صامتون، بل نحن شهود، دعانا إلى أن ننشر بُشرى الإنجيل في كلّ زمان وكلّ مكان. اليوم، جاء إلى هنا من مُختلف أنحاء العالم أربعون أخًا وأُختًا لينالوا خِدمة القُرَّاء. شكرًا! لنشكرهم ولنصلِّ من أجلهم. لنلتزم كلّنا ولنحمل البُشرى السَّارَّة إلى الفقراء، ولنعلن الحرّيّة للأسرى والبَصَر للعُميان، ولنُحرِّر المظلومين، ولنُعلِن سَنَةَ رِضًا عند الرّبّ. إذّاك نغيِّر العالم بحسب إرادة الله، الذي خلقه وافتداه بمحبّة. شكرًا!
***********
© جميع الحقوق محفوظة – حاضرة الفاتيكان 2025
Copyright © Dicastero per la Comunicazione – Libreria Editrice Vaticana