الصوم الكبير رحلة فردية وجماعية ، وهو عبور وتغيير داخليّ نحو الفصح ، نعيشه بالصوم والصلاة والصدقة .
وهي أركانٌ ثلاثة للحياة المسيحية مترابطة ومتكاملة ، دعا إليها الربّ يسوع، وحدّد شروطها بواحد : أن تكون فعل عبادة وحبّ لله ، والإهتمام بالقريب ، بعيداً عن نظر الناس والتظاهر ، كما قال لنا يسوع : ” إياكم أن تعملوا برّكم بمرأى من الناس لكي ينظروا إليكم ، فلا يكون لكم أجرٌُ عند أبيكم الذي في السموات … وأبوك الذي يرَى في الخفية يُجازيك ” ( متى ٦ : ١ – ١٨ ) .
الصلاة والصوم والصدقة :
يحترم السيد المسيح إرادة كل واحد منا . وعندما نقّرر أن نسلك طريق البرّ والصلاح لا بدّ من الالتزام بوعدنا وإتخاذ الوسائل التي توصلنا إلى اهدافنا .
حياة البرّ هي حياة القداسة والكمال التي ينتظرها منا يسوع . لذلك لا بدّ من تحويل قلوبنا نحوه ، للعمل بمشيئته بمحبة ابنائه .
أعمال البر و الكمال الموجودة في الديانات على اختلافها والتي تمهّد لعلاقاتنا مع مجتمعنا ومحيطنا هي :
الصدقة التي تنظّم علاقاتنا مع قريبنا ، والصلاة التي تسّهل علاقتنا مع الله ، والصوم الذي يجعلنا نسيطر على ميولنا المنحرفة وجسدنا لكي لا ننجرف بتيار شهواته .
الصدقة هي ما تصنعه ليسوع في إخوته الصغار ، ولا يصلح ايُّ عذر لحجب الصدقة عن معوز محتاج ، بل هو هروب من واجباتنا ومحبتنا المسيحية نحو الآخرين وخاصةً نحو المرضى والمحتاجين والبائسين .
وطلبنا الذي نرفعه إلى الآب السماوي اثناء الصلاة ، والذي لا يستجاب له في حينه ، لا يستطيع أن يكون سبباً لاتقطاع علاقتنا معه تعالى الذي يعمل دائماً لخلاصنا وخيرنا الأبدي .
والحجج التي تبعدنا عن الصيام ، ليست إلاّ خوفاً من خسارة راحتنا وانانيتنا .
والسعادة الحقيقية لها ثمنها . والصلاة هي ضرورية لها ، شرط أن تمارس بمفهومها الصحيح .
فالصلاة ليست بالكمية ” … لأن أباكم السماوي يعلم ما تحتاجون ٱليه قبل أن تسألوه ” ( ٦ : ٨ ) ، بل بنوعيتها .
والرب ليس بغريب عنا ، هو ابونا الذي بادر وأحبنا ، وغفر لنا خطايانا ، ويريد مساعدتنا لخيرنا الأرضي والروحي ، أي على الأرض وفي السماء حيث الحياة الابدية والنعيم السماوي .
والصلاة ليست انانية ، بل تتوجه للآب السماوي ببساطة الأطفال وبراءتهم ” إن لم ترجعوا فتصيروا مثل الأطفال ، لا تدخلوا ملكوت السموات ” ( متى ١٨ : ٣ ) ، وبثقة اننا سننال ما نبتغيه لخيرنا ولتمجيد وتسبيح ربنا .
يا رب ، بجاه الآمك المحيية ، إقبل صيامنا و صلواتنا واعمالنا ، اغفر خطايانا ، اشفي أمراضنا ، قدس حياتنا وأعطنا السلام وامنحنا ان نكون لك ابناء صالحين لنرث ملكوتك الذي أعدّدته لنا بقيامتك المجيدة .
+المطران كريكور اوغسطينوس كوسا
أسقف الإسكندرية للأرمن الكاثوليك