في ١٩ مارس / آذار من كل عام ، تحتفل الكنيسة بعيد القديس يوسف التقي البار ، كما يسميه متى الإنجيلي ( متى : ١٨ – ٢٣ ) .
من هو القديس يوسف البتول ؟
لا نعرف الكثير عن حياة القديس يوسف ، وليس هناك من وثائق تاريخيّة تخبرنا عن مكان وزمان ولادته أو موته . لكن ما نعرفه ، من خلال الكتاب المقدس والتقليد ، هو خطيب مريم منحدر من بيت داود الملك .
ولِِدَ القديس يوسف عام ٢٥ قبل الميلاد . و الشريعة اليهودية ، تقتضي على الشاب ، أن يتزوج في الثامنة عشرة أو التاسعة عشرة من عمره . وكان يوسف. يومذاك في الثامنة عشرة ، يوم تمّت خطبته مع مريم . وكان رجلاً باراً تقياً ، لذا اختاره الله الآب ، ليكون خطيباً لأم ابنه .
ولما راى يوسف العفيف الطاهر ، خطيبته مريم حاملاً من الروح القدس شكَّ في أمرها ، فلم يُرِدْ أن يشهّر أمرَها ، فعزم على تخليتها سرّاً . لكن ملاك الرب ، كشف له الحقيقة عندما تراءَى له في الحُلم وقال له : ” يا يوسف بن داود ، لا تخف أن تأتي بإمراتِك مريم ٱلى بيتك . إنَّ الذي كوِّن فيها هو من آلروح القدس ، وستلِدُ إبناً فسَمِّهِ يسوع . لأنه هو الذي يُخَلّص شعبه من خطاياهم ” .
ومنذ تلك اللحظة جعل يوسف خطيب مريم ، حياته وقفاً على خدمة أم الله وابنها .
منذ ميلاد يسوع ، كان يوسف ، يسهر على رعاية الطفل ، متمماً بذلك النبؤوات والشريعة : فما أن حان اليوم الثامن ، حتى أخذ يوسف ومريم الصبي ليختن . وسمّياه يسوع ، بحسب قول الملاك . ومن ثمَّ صعدا به إلى أورشليم ، ليقرّباه للرب ، كما تأمر الشريعة في سفر الأحبار .
وكذلك هرب يوسف ، بيسوع ومريم ، إلى مصر ، كما أمره ملاك الرب خوفاً من هيرودوس الذي كان يريد أن يقتل الطفل … فأقامَ هناك إلى أن تُوفيَّ هيرودُس ، ليتم ما قال الرب على لسان النبي : ” من مصر دعوتُ ٱبني ” .
وما إن توفيَّ هيرودوس ، حتى تراءى ملاكُ الرب في الحلم ليوسف في مصر وقال له : ” قُم فخُذ الطفل وأُمه ، واذهب إلى أرضِ ٱسرائيل ، فقد مات من كان يُريدُ إهلاك الطفل ” . فقام فأخذ الطفل وأُمَهُ، ودخل أرض ٱسرائيل .
وآخر حدث ، في حياة مار يوسف ، تذكره الأناجيل ، هو : لمّا بلغ يسوع اثنتي عشرة سنة ، صعدوا إلى اورشليم في عيد الفصح ، جرياً على العادة في العيد . فلما انقضت أيام العيد ورجعا . بقي الصبي يسوع في أورشليم ، من غير أن يعلم أبواه ، وكانا يظنان أنه في القافلة ، فسارا مسيرة يوم ، ثم أخذا يبحثان عنه عند الأقارب والمعارف . فلما لم يجدوه ، رجعا إلى اورشليم يبحثان عنه . فوجداه بعد ثلاثة أيام في الهيكل ، جالساً مع العلماء ، يستمع إليهم ويسألهم . وكان جميع سامعيه مُعجبين أشدّ الإعجاب بذكائه وجواباتهِ . فلما أبصراه دهِشا . فقالت له أُمََهُ : ” يا بُنيَّ ، لماذا صنعت بنا ذلكَ ؟ فأنا وأبوك نبحَثُ عنك مُتلهِّفين ” . فقال لهما : ” ولمَ بحثتما عنيّ ؟ ألم تعلما أنه يجب عليَّ أن أكون عند أبي ؟ ” فلم يفهما ما قال لهما . ثم نزل معهما ، وعادَ إلى الناصرة ، وكان طائعاً لهما ، وكانت أُمُّهُ تحفظ تلك الامور كُلَِها في قلبها .
بعد هذه الحادثة تتوقف الأناجيل عن ذكر أيّة حادثة عن القديس يوسف مع مريم ويسوع.
أمّا عن خبر موت مار يوسف فليس لدينا من إشارة إليه ، لا في الأناجيل الإزائية ، ولا في إنجيل القديس يوحنا . ومن المؤكد أن يوسف البار ، مربّي يسوع ، لم يكن على قيد الحياة في عرس قانا الجليل حيث كان يسوع ومريم والتلاميذ ، ولا في بدء بشارته .
والذي نستخلصه من تأملنا حول القديس يوسف ، هو : أن مار يوسف ، ثالث أفراد العائلة المقدسة ، قد مات بين يديّ يسوع ومريم ، وبموته أصبح شفيع الميتة الصالحة ، التي يرجوها كل مؤمن .
إنتشر إكرام القديس يوسف ، في جميع بلدان العالم ، شرقاً وغرباً . وشُيدّت على اسمه الكنائس ، وحمل اسمه الكثيرون ، وأخذوه شفيعاً لهم . وعلى إسمه وشفاعته تأسست الأخويات ، وأصبح شفيعاً للعمال، وللعائلات ، ومثالاً وقدوة لهم . وهو العامل الصامت، والمربّي الصالح، والشفيع الذي لا يردّ له طلب .
عُرف القديس يوسف أيضاً : بحارس الفادي ، و رجل الصمت ، وشفيع الكهنة البتوليين ، وخادم المسيح ، وخادم الخلاص ، وشفيع العائلات والآباء ، والمساعد في الشدائد ، وحامي المنفيين والحزانى والفقراء …
+ المطران كريكور اوغسطينوس كوسا
اسقف الإسكندرية للأرمن الكاثوليك