Le Pape François salue, place Saint-Pierre, 15 mai 2019 © Vatican Media

يسوع ينتظرنا، ويجعلنا نجده عندما نعتقد أنّ لم يَعُدْ لنا رجاء

قداسة البابا فرنسيس
دروس في التّعليم المسيحيّ
أُعِدَّت للمقابلة العامَّة في سنة اليوبيل يوم الأربعاء 26 آذار/مارس 2025

Share this Entry

يسوع المسيح رجاؤنا

القسم الثّاني: حياة يسوع. اللقاءات

2. المرأَةُ السَّامِريَّة

“إِسْقيني” (يوحنَّا 4، 7)

أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء،

بعد أن تأمّلنا في لقاء يسوع مع نيقوديمُس، الذي ذهب ليبحث عن يسوع، نتأمّل اليوم في تلك اللحظات التي يبدو أنّه كان ينتظرنا فيها، عند مفترق طرق حياتنا. إنّها لقاءات تفاجئنا، وربّما نشعر في البداية ببعض التّردّد، فنحاول أن نكون حكماء ونفهم ما الذي يحدث.

ربّما كانت هذه أيضًا خبرة المرأة السّامريّة، التي يتكلّم عليها الفصل الرّابع من إنجيل يوحنّا (راجع 4، 5-26). لم تكن تتوقّع أن تجد رجلًا عند البئر في منتصف النّهار، بل كانت تتأمّل ألّا تجد أحدًا على الإطلاق. في الواقع، ذهبت لتجلب الماء من البئر في وقت غير معتاد، عندما كان الجوّ حارًّا جدًّا. ربّما شعرت هذه المرأة بالخجل من حياتها، وربّما شعرت بأنّ النّاس أطلقوا عليها أحكامًا مُسبقة، وبأنّها مُدانة، ولا يفهمها الآخرون، ولهذا انعزلت، وقطعت علاقتها مع الجميع.

يسوع لكي يذهب من اليهوديّة إلى الجليل، كان بإمكانه أن يختار طريقًا آخر دون أن يمرّ في السّامرة. بل سيكون الطّريق الآخر أكثر أمانًا، نظرًا للعلاقات المتوتّرة بين اليهود والسّامريّين. لكنّه أراد أن يمرّ من هناك، وتوقّف عند ذلك البئر وفي تلك السّاعة! يسوع ينتظرنا، ويجعلنا نجده عندما نعتقد أنّ لم يَعُدْ لنا رجاء. البئر، في الشّرق الأوسط القديم، هو مكان لقاء، حيث يتمّ أحيانًا ترتيب زواجات، وهو مكان للخطوبة. أراد يسوع أن يساعد هذه المرأة لتفهم أين تبحث عن الجواب الحقيقيّ لرغبتها في أن تجد من يُحِبُّها.

الرّغبة هي موضوع أساسيّ لكي نفهم هذا اللقاء. عبَّر يسوع عن رغبته أوّلًا، قال: “إِسْقيني” (الآية 7). على الرّغم من أنّ يسوع بدأ الحوار، أظهر نفسه ضعيفًا، لكي يُريح الشّخص الآخر، ويجعله لا يشعر بالخوف. العطش أحيانًا في الكتاب المقدّس، هو صورة للرّغبة. لكن يسوع هنا كان عطشان أوّلًا لخلاص هذه المرأة. يقول القدّيس أغسطينس: “ذاك الذي طلب أن يشرب كان عطشانَ لإيمان هذه المرأة” [1].

إن كان نيقوديمُس قد جاء إلى يسوع ليلًا، فهنا قد التقى يسوع بالمرأة السّامريّة عند الظّهر، عندما يكون النّور في أشُدِّهِ. هو وقت النّور ووقت الوحي. عرَّف يسوعُ نفسَه أنّه المسيح المنتظر، وسلّط الضّوء أيضًا على حياتها. ساعدها لتقرأ من جديد قصتها بطريقة جديدة، وهي قصة معقّدة ومؤلمة: كان لها خمسة أزواج، وهي الآن مع رجل سادس ليس بزوجها. الرّقم ستة ليس صدفة، بل يشير عادة إلى عدم الكمال. ربما يكون إشارة إلى الزّوج السّابع، الذي سيكون أخيرًا قادرًا على إرواء رغبة هذه المرأة في أن تجد من يُحِبُّها حقًّا. وهذا ”العريس“ لا يمكن أن يكون إلّا يسوع.

عندما أدركت المرأة أنّ يسوع يعرف حياتها، حوّلت النّقاش إلى القضيّة الدّينيّة التي كانت تفرّق بين اليهود والسّامريين. وهذا يحدث أحيانًا معنا أيضًا عندما نصلِّي: عندما يمسّ الله حياتنا بمشاكلها، نضِيع أحيانًا في تأملات تعطينا وَهم صلاة مستجابة. في الواقع، نحن نرفع حواجز لحماية أنفسنا. لكن الرّبّ يسوع هو دائمًا أعظم، ولهذه المرأة السّامريّة، التي لم يكن ينبغي له حتّى أن يكلِّمها بحسب الأعراف الثّقافية، منحها الوحي الأكبر: كلَّمها على الآب، الذي يجب أن يُعبد بالرّوح والحقّ. وعندما اندهشت مرّة أخرى ولاحظت أنّه في هذه الأمور من الأفضل انتظار المسيح ليحسم هذه الأمور، قال لها يسوع: “أَنا هو، أَنا الَّذي يُكَلِّمُكِ” (الآية 26). إنّه مثل إعلان حبّ: الذي تنتظرينه هو أنا. وهو الذي يمكنه أخيرًا أن يجيب على رغبتك في أن تجدي الحبّ الحقيقي.

في هذه اللحظة، أسرعت المرأة إلى دعوة أهل القريّة، لأنّ الرّسالة تنشأ من خبرة الشّعور بأنّنا محبوبون. وما الرّسالة التي كان بإمكانها أن تنقلها إن لم تكن خبرتها في أنّ يسوع فهمها وقبلها وغفر لها؟ إنهّا صورة يجب أن تجعلنا نفكّر في بحثنا عن طرق جديدة للبشارة بالإنجيل.

ومثل المُحِبّ المشغوف بالآخر، نسيت السّامريّة جرّتها عند قدَمَي يسوع. كان ثقل تلك الجرّة على رأسها، كلّما عادت إلى بيتها، يذكّرها بحالتها، وبحياتها المتعبة. ولكن الآن، تركت جرّتها عند قدَمَي يسوع. الماضي لم يعد عبئًا. لقد تصالحت معه. وهذا هو الحال أيضًا بالنّسبة لنا: لكي نذهب ونعلن الإنجيل، نحتاج أوّلًا إلى أن نضع ثقل تاريخنا عند قدّمّي الرّبّ يسوع، ونسلِّم له عبء ماضينا. فقط الأشخاص المتصالحون مع ماضيهم يمكنهم أن يحملوا الإنجيل.

أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، لا تفقدوا الرّجاء! حتّى لو بدا لنا أنّ تاريخنا ثقيل، ومعقّد، وربما حتّى مدمّر، لا تزال لدينا الإمكانيّة أن نسلِّمه إلى الله فنبدأ من جديد مسيرتنا. الله هو الرّحمة، وهو ينتظرنا دائمًا!

*******

© جميع الحقوق محفوظة – حاضرة الفاتيكان 2025

__________________________

 

 

[1]   العظة 15، 11

 

 


Copyright © Dicastero per la Comunicazione – Libreria Editrice Vaticana

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير