Le Card. Bergoglio Prête Serment Au Moment D'entrer En Conclave, Capture @ Vatican Media

وهج أيار المريمي يوجّه أنظار الكنيسة نحو انتخاب الحبر الأعظم الجديد

بعد عبور البابا فرنسيس إلى بيت الآب

Share this Entry

في روما – صباح الاثنين 21 نيسان 2025، أغمض البابا فرنسيس عينيه بهدوء للمرة الأخيرة في دار القديسة مارتا، تاركًا خلفه صوتًا لا يُنسى في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية والعالم، عن عمر بلغ الثامنة والثمانين، وفي زمنٍ تحتفل فيه الكنيسة بيوبيل الرجاء، انطفأ النور الجسدي لحبرٍ عظيم، لتشتعل شموع التأمل والصلاة في نفوس الملايين من الكاثوليك، شاكرة الرب على نعمة حباها الله إياها، ألا وهي حبريّة البابا فرنسيس، بابا الفقراء.

فرغم وهنه الجسدي، خرج البابا الراحل عشية وفاته ليبارك العالم بعيد الفصح وفق ما يُعرف البركة الرسوليّة  “Urbi et Orbi”، وكأنه كان يسلّم الشعلة لمن سيحملها بعده. ومع إعلان مرحلة “الكرسي الرسولي الشاغر”، تتجه قلوب المؤمنين وأنظارهم، نحو توقعات المرحلة المقبلة، حيث لا تُقاس القيادة بالسلطة، بل بخدمة المحبة المُضحيّة (راجع، يو13: 14- 15).

وبين أروقة الفاتيكان ومقاعد المصلّين، تبرز إشارات روحية خمس، ليس كصدفة زمنية فيها، بل كعلامات إلهية تُنير أفق الكنيسة وأبنائها:

  • الإشارة الأولى ظهورات العذراء في بلدة فاطيما – 13 أيار 1917: ظهور مريم العذراء لثلاثة أطفال في بلدة برتغالية فقيرة، حاملًة معها رسالة توبة وسلام. لقد أذهلت العالم بأسرارها الثلاثة، فأوصت بالصلاة وممارسة التقشفات والتضحيات من أجل البابا والكنيسة. اليوم، بعد أكثر من قرن، تبقى ظهورات فاطيما شاهدةً أن العذراء، لن تترك أبناءها في العاصفة وحدهم، بل هي تسير معهم، وقد عبّر البابا الراحل عن هذه الحقيقة قائلاً: “نحن نكرّم العذراء مريم، التي جاءت من السماء لتذكّرنا بأهمية الصلاة، التوبة، والمغفرة، ولتَوقِظ فينا الرجاء. فهي لا تتركنا وحدنا أبدًا: إن قلبها الطاهر هو ملجأ لنا وطريق يقودنا إلى الله” (عظة خلال القداس في مزار فاطيما، 13 أيار 2017).
  • الإشارة الثانية يوبيل الرجاء – 2025: إن آخر مبادرة أطلقها البابا فرنسيس، أرادها احتفالًا يوبيليًا بالثقة في رحمة الله، في رجاءٍ لا يُخيّب. وكأنّه كان يرى ببصيرته النبوية أن الرجاء سيكون رسالة البابا الجديد: لا اجتيازٌ سطحيّ للألم، ولا تنحٍّ عن تحمّل ضيقاته، بل عبور فصحيّ حقيقيّ، فيه طمأنينة الرجاء (راجع روم 5: 3–4؛ 2 قور 4: 8–10) وقد عبّر الحبر الراحل عن جوهر هذا الرجاء قائلًا:”في عالم يُخيم عليه الخوف، ويطغى فيه الضجيج، نحن بحاجة إلى الرجاء. إن اليوبيل هو زمنٌ لنتنفس فيه رجاء الله، لا رجاء زائف، بل ذاك القائم على محبته التي لا تخذلنا أبدًا”(البابا فرنسيس، رسالة إعلان يوبيل سنة 2025). إنه رجاء يُنبت من رحم الألم، ويكبر في ظلّ الرحمة، ليُصبح لغة الكنيسة في زمن الضيق، وصرختها الصامتة في وجه المصاعب: لا تخف، الرب قريب.
  • الإشارة الثالثة القديسة ريتا – 22 أيار: إنها شفيعة المستحيلات، المرأة التي رافقت الألم بصبر، وحوّلت الجراح إلى صلوات. حضورها الرمزي في شهر أيار يعيد التذكير بأن الصلاة قد تُغيّر مجرى التاريخ والموازين.
  • الإشارة الرابعة خميس الصعود: إنه يوم فيه صعد المسيح الأرض بإنسانيته وألوهته، ليهب الكنيسة الروح. إنه عيد الانتقال من رؤية العيون إلى ثقة القلب. أي حبر أعظم يأتي، لا بد أن يُحمل بالصلاة، إنها خبرة علّية العنصرة.
  • الإشارة الخامسة يوحنا بولس الثاني – 13 أيار 1981: إنّه تذكار الرصاصة التي كادت تخترق رأس الكنيسة، فإذا بها تزرع تاجًا شخص العذراء مريم في مزار فاطيما. بعد أن نجا البابا يوحنا بولس الثاني القديس، لتبقى نجاته أيقونة لصمود الكنيسة في وجه العنف والأحقاد، وحماية العذراء لها. وقد عبّر القديس البابا نفسه عن هذه الخبرة العميقة بقوله: ” لقد وجّهت يد أم هي مسار تلك الرصاصة، مما مكّن البابا المحتضر من التوقّف عند عتبة الموت.”(القديس يوحنا بولس الثاني، أثناء زيارته لمزار فاطيما، 13 أيار 1982). من فاطيما إلى روما، ومن الجرح إلى الرسالة، حمل البابا في جسده سمات المسيح (راجع، غل 6: 17)، لكنه جعل من نجاته إعلانًا لرجاء الكنيسة، كما أكدته العذراء للأطفال الثلاثة، قائلة لهم :” في النهاية، سينتصر قلبي الطاهر” (العذراء مريم، فاطيما، 1917).  هذا الوعد يُعبّر عن رجاء الكنيسة في انتصار المحبة الإلهية والرحمة على القسوة واللامبالاة، ويُشكّل دعوةً للمؤمنين للثقة بحماية العذراء مريم والتزامهم بالصلاة والتوبة من أجل خلاص النفوس.​

إنها ليست محطّات في التقويم، بل نداءات من الروح  القدس. فانتخاب بابا جديد ليس فعلاً إدارياً، بل صلاة تُرفع، وعطية تُوهب. وإن كان التاريخ يكتب بالأحداث، فالرب يخطّ المسارات بإلهامات الروح القدس.

فمن أيّ باب سيدخل الحبر الجديد؟ من باب فاطيما حيث التوبةُ والتأكيدُ على دور السلام العالمي والإلتزام به والعمل على ترسيخه، خاصة في الدول التي تشهد حروبًا ونزاعات؟ أم من بوابة الرجاء التي فتحها سلفه؟ هل سيستعير من ريتا صمتها المصلّي مركزًّا على أهمية دور رسالة المرأة التشفعي والروحيّ في الكنيسة؟ أو من خميس الصعود مُستلهمًا أفقه الإرساليّ؟ أم من صمود يوحنا بولس الثاني، ثباته في وجه خطر الإيديولوجيات؟

في النهاية، البابوية  ليست فقط مسألة انتخاب ، بل كيف ستُقاد السفينة. ومع أيار… لا شيء يبقى صدفة.

الخوري د. جان بول الخوري

الولايات المتحدة الأمريكية

Share this Entry

الخوري جان بول الخوري

1

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير