The Cardinals Feel The Need To Be Supported By The Prayers Of All The Faithful - Photo: Desde La Fe

بوصلة الروح القدس في مجمع الكرادلة

أرقام تكشف تحول الثقل وتدعو لتجسيد عالمية الكنيسة

Share this Entry

مع اقتراب اللحظة المفصلية لاختيار خليفة لبطرس، تتجه أنظار العالم الكاثوليكي إلى الفاتيكان حيث يستعد 133 كاردينالاً ناخباً للدخول إلى المجمع المغلق. إن توزيع هذه الأصوات ليس مجرد إحصائية جغرافية، بل هو خريطة معقدة تعكس مسيرة الكنيسة الكاثوليكية في الألفية الثالثة وتحدياتها وآمالها، وتطرح تساؤلات عميقة حول موقع الثقل الحقيقي في قيادة السفينة البابوية. تحليل الأرقام يشي بتحولات هامة، تتجاوز الجغرافيا لتلامس قلب الرسالة الكنسية في عالم متعدد الأقطاب والحضارات.

لطالما شكلت أوروبا، موطن الفاتيكان ومهد الكثير من التقاليد الكنسية العريقة، مركز الثقل التقليدي. ومع وجود 53 كاردينالاً أوروبياً بين الناخبين، لا تزال هذه الكتلة تحتفظ بوضعها كأكبر مجموعة فردية، مشكلة ما يقارب 39.8% من إجمالي الأصوات، يمثل هؤلاء الكرادلة، بخبراتهم المتنوعة سواء في الكوريا الرومانية أو في أبرشيات ذات تاريخ عريق، جزءاً لا يتجزأ من عملية الاختيار. وزنهم ليس مجرد عدد، بل هو خلاصة قرون من الحكمة والخبرة اللاهوتية والرعوية التي شكلت فكر ورعوية الكنيسة. دعم هذه الكتلة يبقى ضرورياً لأي مرشح جاد، ولكن الأرقام الحالية تؤكد واقعاً جديداً: أوروبا لم تعد بمفردها قادرة على حسم الاختيار.

في المقابل، يتجلى الثقل المتزايد والتحول اللافت في “الكتلة الجماعية من خارج أوروبا”. فمع 80 كاردينالاً قادمين من الأمريكتين (37)، وآسيا (23)، وأفريقيا (18)، وأوقيانوسيا (4)، تمثل هذه المجموعات مجتمعة أغلبية واضحة تناهز 60.2% من أصوات المجمع، هذا التحول ليس مجرد تغيير في الأرقام، بل هو انعكاس حيوي لعالمية الكنيسة الحقيقية وامتدادها المتنامي في ما كان يسمى سابقاً “الأطراف”. أصوات هؤلاء الكرادلة تحمل معها أصداء كنائس محلية نابضة بالحياة، تواجه تحديات فريدة، وتختبر الإيمان في سياقات ثقافية واجتماعية مختلفة تماماً عن السياق الأوروبي التقليدي. قدرتهم الجماعية على التأثير في منع انتخاب مرشح لا يمثل تطلعاتهم، أو حتى الدفع بمرشح من بينهم، تؤكد أن صوت الكنيسة في الجنوب العالمي والشرق لم يعد هامشياً بل بات مركزياً في تشكيل مستقبلها.

ضمن هذه الكتلة العالمية، تبرز الأمريكيتان بـ 37 كاردينالاً كنقطة ثقل محورية بحد ذاتها. إن هذا العدد الكبير نسبياً (حوالي 27.8%) يجعل كتلة الأمريكيتين، بشقيها الشمالي واللاتيني وما تحمله من تنوع ثقافي ولغوي وتحديات رعوية مشتركة ومختلفة، قادرة على لعب دور صانع الملوك أو المرجح لأي كفة في المجمع. مرشح يحظى بتأييد قوي من الأمريكيتين يمتلك قاعدة دعم متينة يمكن البناء عليها.

ولا يكتمل المشهد الاستقصائي للثقل في المجمع دون النظر إلى الكتلة الهامة للكرادلة المنتمين إلى الرهبنات. فبوجود 33 كاردينالاً (حوالي 24.8%) يحملون على عاتقهم روحانيات وإرساليات رهبناتهم المتنوعة، يمثلون صوتاً قد لا يحده الانتماء القاري بقدر ما يحدده الالتزام بكاريزما معينة. هؤلاء الكرادلة، الذين غالباً ما يكونون في خطوط الخدمة الأمامية أو متخصصين في مجالات محددة كالتبشير أو التعليم أو العمل الاجتماعي، يمكن أن يدفعوا باتجاه أولويات ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمسحة المسيح للفقراء والمهمشين، أو التركيز على جوانب معينة من الحياة الروحية والكرازة. وزنهم يكمن في قدرتهم على توحيد أصواتهم خلف مرشح يجسد هذه الروحانيات والأولويات.

     في الختام، إن تحليل هذه الأرقام وتوزيع الكتل التصويتية في مجمع الكرادلة يكشف أن الثقل في انتخاب البابا الجديد لم يعد تمركزاً أحادياً في قارة واحدة، بل هو نتاج تفاعلات معقدة بين قوى ووجهات نظر متنوعة تمثل النسيج الغني للكنيسة الكاثوليكية حول العالم. الانتخاب لن يكون مجرد عملية حسابية للأصوات، بل هو مسار روحي عميق يسترشد بالصلاة والتدبير (التمييز الروحي)، حيث يسعى الكرادلة، بتوجيه من الروح القدس كما يؤمن الكاثوليك، لاختيار الراعي الذي يستطيع أن يقود الكنيسة الكاثوليكيّة المتعددة الوجوه في الحقبة القادمة، وأن يجسد عالميتها وتنوعها، وأن يكون صوتاً نبوياً ومحبة للمسيح للعالم بأسره. إن بناء التوافق والتحالفات لن يتم على أسس سياسية بحتة، بل على أساس البحث المشترك عن الخير الأعظم للكنيسة وكيفية إيصال رسالة الإنجيل بفعالية إلى كل جزء من جسد المسيح المنتشر في الأقطار الأربعة.

الخوري (د) جان بول الخوري

الولايات الأمريكية المتحدة

Share this Entry

الخوري جان بول الخوري

1

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير