ترجمة ندى بطرس
عندما سيدخل البابا لاون الرّابع عشر إلى قلب بازيليك القدّيس بطرس في 29 حزيران، وهو عيد القدّيسَين بطرس وبولس، لن يحتفل بالقدّاس الإلهي فحسب، بل سيُعيد أيضاً إحياء لفتة لطالما ارتبطت بالسُلطة البابويّة المباشرة: وضع دروع التثبيت (الباليوم) شخصيّاً على رؤساء الأساقفة المطارنة الجدد.
في التفاصيل التي نشرها القسم الإنكليزي من موقع زينيت، يمثّل هذا القرار عودة إلى العادة التي وضعها جانباً البابا فرانسيس، إذ اختار بدلاً من ذلك إرسال دروع التثبيت إلى أبرشيّات رؤساء الأساقفة الأصليّة لمنحها من قبل السفراء البابويّين. أمّا الآن خلال حبريّة البابا الجديد، فيستعيد الطقس مكانه على المذبح الأساسي للفاتيكان.
بالنسبة إلى درع التثبيت، إنّه رباط من الصّوف الأبيض يتميّز بستة صلبان سوداء مُثبَّتة “بمسامير” حريريّة. وهو يرسم تاريخاً معقّداً من الرمزيّة والقانون والسُلطة الكنسيّة. يضعه رؤساء الأساقفة المطارنة خلال الاحتفالات الرسميّة، فيما يُعبّر عن قيادتهم الرعويّة داخل إقليمهم الكنسيّ وشراكتهم مع أسقف روما. يكون درع التثبيت ملفوفاً على الكتفين ليتدلّى من الأمام والخلف، وهو يشير إلى شخصيّة الراعي الصالح الذي يحمل الخروف الضال. لكنّ جذوره القانونيّة عميقة بنفس القدر. منذ القرن السادس على الأقلّ، كان درع التثبيت يرمز إلى الاعتراف البابوي. وبحلول العصور الوسطى، لم يتمكّن أيّ رئيس أساقفة من ممارسة مهامه بالكامل دون الحصول عليه.
في سياق متّصل، إنّ مصدر الصّوف الذي يُصنَع منه الدرع هو مِن الحملان المباركة كلّ عام في عيد القدّيسة أغنيس، التي تربط شهادتها ورمزيّتها للنقاء هذا الطقس الصغير بالصورة الأعمق لتضحية المسيح. كما ويربط نسيج الدّرع، علاوة على فعل التبريك والوضع، حامله بتقليد ورسالة: الرعاية بتواضع وقوّة.
باختياره فرض درع التثبيت بنفسه، لا يستأنف البابا لاون الرّابع عشر ممارسة فحسب، بل يُعيد ضبط توازن المركزيّة الليتورجيّة. إنّها خطوة تُعزّز وضوح دور البابا الرعويّ، ليس فقط كراعٍ عالميّ، بل أيضاً كمركزٍ لوحدة الأساقفة. ومع ذلك، لا يُعدّ هذا رفضاً لرؤية البابا فرنسيس. يُشير المراقبون إلى أنّ قرار لاون الرّابع عشر قد يعكس شكلاً دقيقاً من الاستمراريّة بدلاً من الانقطاع. فبينما شدّد فرنسيس على اللامركزيّة والكنيسة المحليّة، يبدو أنّ لاون الرّابع عشر يُشدّد على الشراكة من خلال حضوره الخاص. كما يتماشى هذا التحوّل مع أنماط أوسع في البابويّة الجديدة. فبينما كان لا يزال في بداية حبريّته، أبدى لاون الرّابع عشر اهتماماً بإحياء عناصر من المراسم البابويّة ذات صدى تاريخي وروحي. في هذه الحالة، يُمكن قراءة وضع دروع التثبيت على كتفَي كلّ رئيس أساقفة جديد على أنّه فعل أبويّ ورعويّ في الوقت عينه، إذ يربط هذه البادرة بجوهر الهويّة الأسقفيّة. هذا الطقس المُتجدّد الذي يُقام في ظلّ قبر بطرس وتحت قبّة مايكل أنجلو، له بُعد بصري لا لبس فيه. فبينما يركع رؤساء الأساقفة أمام البابا، تُقدّم الكنيسة لمحة نادرة عن الاستمراريّة الحيّة للخلافة البابويّة – الراسخة ليس فقط في العقيدة، بل في لفتات ملموسة من البركة والمسؤوليّة والشراكة.