“الرّهبان، والقدّيسون مارسوا التّجرّد عن الأشياء الزّمنيّة، وعاشوا كالمسافر الّذي ينزلُ في فندق، في غرفةٍ مليئة بالأمتعة، ولكنّه يعرف أنّ هذه الأمتعة ليست له، وبعد انقضاء مدّة سفره، يخرج منها، ويترك ما فيها لمسافرٍ آخر يحلّ محلّه…”
“أبونا يعقوب الكبّوشيّ“
نمضي العمر نجمع أمتعة…
نحمل حقائب كثيرة… نظنّ أنّها ستبقى بين أيدينا دومًا… إنّها مقتنياتٌ زمنيّة، يحدُّها وقتٌ معيّن، ومحدودٌ برقمٍ معيّن…
نسعى إلى جهاد “الاقتناء”، نحوّله إلى فلسفةِ حاضرٍ ذاهبٍ نحو الزّوال…
نحوّله إلى شغلٍ يوميّ، وحوارِ لقاء، ونبضٍ حياتيّ، وكأنّه أوكسيجين حياتِنا…
ولكن…
ننسى أنّنا على الأرض لفترةٍ زمنيّة… سنغادر… سننطلق نحو الحياة الأسمى، لذلك علينا التّزّود بحقيبةٍ من نوعٍ آخر…
إنّها حقيبةُ الحبّ…
حقيبة لا تُثقلها المادّة، ولا التّعلّق بما هو فانٍ…
وهذا ما يدعو إليه أبونا يعقوب… بالنّسبة إليه، جميعنا نحاكي المسافرين… نحيا في فندق، في مكانٍ تحدّه آنيةُ الحياة الأرضيّة، لننطلقَ بعدها نحوَ أبديّة الحياة السّماويّة…
والانطلاق بحاجة إلى استعدادنا… إلى قرارنا بالتّحلّي بذاك الفرح الكامل بعيش التّخلّي، والابتعاد عن تزويد ذاتنا بالأنانيّة، والاقتراب من قريب بحاجة إلى محبّتنا، وسندنا، ورعايتنا…
إلى عيش وصيّة الخلاص : “اترك كلّ شيء، واتبعني…”
إلى الاغتناء فقط بالرّبّ… يجب أن نسعى إلى أن نربحَ يسوع المسيح…
” بل أحسبُ كلَّ شيء خسارة من أجل الرّبح الأعظم، وهو معرفة المسيح يسوع ربّي. من أجله خسرتُ كلّ شيء، وحسبتُ كلّ شيء نفاية لأربحَ المسيح.” (رسالة فيليبّي 3/8)
عاش أبونا يعقوب وصيّة القديس بولس في رسالته الأولى إلى تلميذه تيموتاوس(6/7):” ما جئنا العالم، ومعنا شيء، ولا نقدر أن نخرج منه، ومعنا شيْء.”
نعم ، إنّها الرّوحانيّة الكبّوشيّة…
عاش أبونا يعقوب ثورة الحبّ، الّتي تجلّت في التّخلّّي، وفرح الخدمة… حقّق ما يريد لأنّه حقّقَ ما يريده الرّبّ، وما يحتاج إليه القريب…
دعا إلى الأخوّة الحقّة، والرّحمة العمليّة الفاعلة الّتي تبني مجتمع السّلام المسيحيّ…
ساعدنا يا ربّ، كي نتحرّر من كلّ تمسّك دُنيويّ، ساعدنا كي نكونَ شُهودًا حقيقيّين نحيا المسيحيّة ثروةَ تجرّدٍ ، وكنزَ تواضعٍ، وخدمة، ومحبّة…
فيكتوريا كيروز عطيّه
