بقلم أنطوانيت بطرس
ترجمة ألين كنعان إيليا
نحن نعلم جيدًا أنّ الأزمات تشكّل جزءًا من حياة كلّ واحد منا بشكل عام، ومن حياة الزوجين بشكل خاص، غير أنّها قد تختبر قوّة العلاقة الزوجية. سواء كانت أزمة اقتصادية، أو مشكلة صحية، أو محنة عائلية، فإنّ هذه اللحظات الصعبة قد تولّد توتّرات، وسوء فهم، وقبل كلّ شيء عزلة عاطفية.
ومع ذلك، نعلم أيضًا أنّ هذه التجارب يمكن أن تتحوّل إلى فرصة للنموّ وتعزيز الرابط العاطفي، إذا ما تم التعامل معها بانتباه وانفتاح.
يشجّعنا البابا فرنسيس على عدم الخوف من الأزمات، وعلى الحفاظ على الرجاء داخل الأزواج، باعتباره مصدرًا للقوّة والمقاومة في وجه الصعوبات. يدلّ الرجاء على الحضور الإلهي في الزواج. إنه عطيّة ثمينة، وعلامة على الحب والثقة التي تتيح للأزواج عبور المحن بهدوء وتفاؤل. الرجاء، بحسب البابا، لا يخيّب، لأنه مبنيّ على اليقين بأن لا شيء ولا أحد يمكنه أن يفصل الأزواج عن محبة الله.
إليكم بعض الاستراتيجيات العملية التي تساعدنا على تخطّي الأزمات معًا.
- التعرّف على علامات التوتّر النفسي
نتعلّم معًا كيف نحدّد العلامات التي تشير إلى معاناة أو انزعاج داخلي، كالتوتر المتكرّر، أو الانعزال أو البرودة العاطفيّة، أو فقدان الرغبة في الحوار والتواصل… من المهمّ جدًا أن نتنبّه إلى هذه التغيّرات السلوكيّة.
“بدأنا نتشاجر أكثر فأكثر، كان زوجي ينعزل، وأما أنا فكنتُ أشعر بأنني وحيدة. فهِمنا أننا بحاجة إلى التصرّف قبل أن ينكسر الرابط بيننا”. تؤكد الدكتورة جونسون، اختصاصيّة في علم النفس العياديّ: “عندما لا نعترف بعلامات المعاناة داخل العلاقة الزوجية، فسرعان ما تنتهي بصراعات متكرّرة أو صمت ثقيل”.
نصيحة عملية:
كونوا متنبّهين ومتيقّظين أمام هذه العلامات المقلقة. تحدثوا عنها في وقت مبكر، بلطف، ومن دون لوم.
- فنّ التواصل
يُعدّ التواصل أمرًا أساسيًا. نتعلّمه معًا من خلال الممارسة، ويتحسّن مع مرور الوقت. لا نخَفن من ارتكاب الأخطاء، فهذا أمر طبيعيّ. لا يهدف التواصل إلى الانفتاح على الآخر فحسب والتعبير عما يضايق القلب، بل أيضًا إلى خلق فسحة للتفاهم والتواصل العاطفي.
“كلانا كنا منغلقين في أجوائنا المألوفة، لم نعد نجرؤ على الحديث عن مشاعرنا خوفًا من تصعيد التوتر. حاولنا تنظيم وقتٍ يومي لنتحدّث عند المساء. وسرعان ما استعدنا شكلًا من أشكال الحميميّة”.
يشير الدكتور روزنبرغ، عالم النفس ومؤسس مفهوم “التواصل اللاعنفي” (CNV) ، إلى أنّ الإصغاء إلى الشريك من دون محاولة التصحيح أو الحكم على مشاعره هو فعل حضور، وبالتالي فعل محبة”.
من جهته، يعتبر البابا فرنسيس أنّ الرجاء هو نداء إلى التواصل بين الأزواج، داعيًا إيّاهم إلى دعم بعضهم البعض في أوقات الشدة.
نصيحة عملية:
خصّصوا 10 دقائق يوميًا للحديث من دون تلهي. مارسوا الإصغاء الفعّال من خلال الانتباه إلى العبارات المستخدَمة، وحاولوا إعادة صياغة ما سمعتموه لتُظهِروا للشريك أنكم فهمتم موقفه.
إنها ممارسة يومية تهيّئنا لنعيش لحظة أقوى في “واجب المجالسة معًا.” أَوَ ليس هذا كنزًا ثمينًا دعانا الأب كافاريل إلى العمل على تطويره؟
- الحفاظ على الرابط العاطفيّ
قد يكون روتين الحياة اليومية مليئًا بالتوتر، وقد تصبح المسؤوليّات عبئًا ثقيلاً، وغالبًا ما تستنزف هموم الحياة كلّ طاقتكما. لكن احذرا، لا ينبغي أن تنطفئ روح الوفاق. فهي قوة تحميكما من التباعد العاطفي.
“أشعر وكأنّ كلّ واحد منا يعيش حياة منفصلة، كلٌّ من جهته يفعل ما عليه: أنا أتابع دروس الأولاد، وهو كثيرًا ما يساعدني في المنزل… لكن كأنّ كلًّا منا يسير في طريق بعيد عن الآخر”.
يشير الدكتور غوتّمان، اختصاصي في علم النفس والعلاقات المديدة، إلى أنّ: “اللفتات العاطفيّة الصغيرة هي أشبه بودائع عاطفية نضعها في “الحساب المصرفيّ” لمشاعر الزوجين”.
نصيحة عملية:
خطّطا لقضاء لحظة نوعية واحدة مرّة على الأقلّ كلّ أسبوع. شاركا في أنشطة بسيطة: الطهي معًا، نزهة قصيرة أو السير معًا، تناول الطعام معًا، مشاهدة فيلم معًا… هذه الأنشطة الصغيرة كفيلة بإحياء الرابط بينكما ومنح علاقتكما نفسًا جديدًا.
- دعم الشريك من دون أن ننسى ذواتنا
محبّة الشريك لا تعني إلغاء الذات أو التخلي عنها. من الضروري الحفاظ على طاقتنا الخاصة والتعبير عن هويّتنا الشخصية. فبعض الأزواج يحرصون على القيام بكلّ شيء معًا، حتى أنّ فكرة أو حاجة تخصيص فسحة شخصية تُولّد شعورًا بالذنب.
يذكّرنا شاعرنا وكاتبنا الحبيب جبران خليل جبران، بعباراته الدقيقة والجميلة: “فليكن بين وجودكم معاً فسحات تفصلكم عن بعض، حتى ترقص أرياح السماوات بينكم. أحبوا بعضكم بعضاً، ولكن لا تقيّدوا المحبة بالقيود، بل لتكن المحبة بحراً متموجاً بين شواطئ نفوسكم”.
وتقدّم الدكتورة بيريل، المعالجة النفسية، صورة معبّرة فتقول: “لا يمكن سكب الماء من كوب فارغ. العناية بالنفس تعني أيضًا عناية بالعلاقة الزوجية”.
نصيحة عملية:
لا تترددوا في اكتشاف نشاط فردي يغذّيكم من الداخل: قراءة كتاب، ممارسة رياضة معيّنة، القيام نزهة بين الحين والآخر، ممارسة هواية تحبّونها… ستعودون منها بطاقة جديدة وامتنان متجدد لوجود شريك حياتكم إلى جانبكم.
- طلب الدعم الخارجيّ عند الحاجة
طلب المساعدة ليس فشلًا، بل علامة نضج. لا يعني طلب الاستشارة أنّ علاقتكما الزوجية هي فاشلة، بل أنكما مستعدان للاستثمار فيها لكي تسير بشكل أفضل. يشير البابا فرنسيس إلى أنّ الأزواج يمكنهم أن يدعموا بعضهم البعض، فهم بمثابة” منارات للمستقبل”، من خلال مشاركة شهادتهم عن الرجاء وتشجيع الآخرين على الإيمان بقوّة المحبة.
عبور المحن معًا، والنمو معًا
كان جان فانييه، مؤسس جماعة “L’Arche” يقول: “لا تكمن قوّة العلاقة في غياب الصراعات، بل في قدرة الزوجين على مواجهتها معًا، بروح من العطف”. لا توجد علاقة محصّنة ضدّ الشدائد، لكن كلّ الأزواج يملكون القدرة على الخروج منها أقوى. فالأزمات، مهما كانت قاسية، تكشف عن طاقات خفيّة، وعمق الرابط، وجمال محبّة قادرة على الصمود في وجه العواصف.
المغفرة، داعم المحبة
في رسالة موجّهة إلى الأزواج، يذكّر البابا فرنسيس بأنّ المغفرة المتبادَلَة هي أمر أساسي لشفاء الجراح والمضيّ قدمًا معًا. ويشدّد على أنّ المغفرة تنبع من قرار داخلي، تدعمه الصلاة والعلاقة الحميمة مع الله. المغفرة تعني أيضًا الاعتراف بأني لست كاملًا. إنها علامة ملموسة تدلّ على الرجاء، وبأننا لسنا محكومين بنقائصنا، بل محبوبون بسخاء بالرغم من جراحنا.
الروح القدس، دعمنا
يشدّد البابا فرنسيس أيضًا على أنّ الزواج يحتاج إلى دعم الروح القدس. ويشجّعنا كأزواج على أن نُصلّي معًا. أَوَ ليس هذا الإرث الذي تركه لنا الأب كافاريل، مؤسّس فرق السيدة؟
أنطوانيت بطرس
اختصاصيّة في علم النفس العياديّ ومعالجة نفسية
