الطوباوي البطريرك اسطفان الدويهي، في كتابه “منارة الأقداس” يُجيب حرفيًّا من خلال ستة أسباب فيقول:
«ثُمَّ أنَّ شَفاعَة السِّيِّدَة وَاجِبَة لأسبابٍ شَتَّى:
أوّلاً: لأجلِ طَهارَتِهَا وَمَناقِبِ النِّعمَةِ وَالكَرَمِ وَالجُود التي حَظِيَت بِهَا مِن لَدُنِ الرَّب، كَقَول المَلاك: “السَّلامُ عَلَيْكِ يا ممتلئة نِعمَة”. وَالجُود يَقتَضي أن يفيض على الغَير وَيَجذُبهُم إلَيْه كَمَا جَذَبَنَا الرَّبُّ إلَيه.
ثانِيًا: لأنَّهَا أُمُّ الإله، فَإنَّهُ مِثلَمَا صارَ ابنُهَا وَسيطًا وَشَفيعًا لَنَا عِندَ الآب، لأجل الجَسَد الذي لَبِسَهُ مِنَّا وَعَاهَدَنَا أنَّ كُلَّ مَا نَطلُبُهُ مِنَ الآبِ بِاسْمِهِ نُعطَاه. هكَذا هِيَ الوَسيطَة بيننا وَيَبْنَ الكَلِمَة الأزَلِيَّة التي أخَذَ طَبيعَتَنَا مِنها. إذًا يَجِبُ أن تَكونَ لَنَا وَسيطَة وَشَفيعَة قُدَّامَهُ حَتَّى نَنَال كُلّ مَا نَسألهُ باسْمِهَا.
ثالِثًا: لأنَّ الله جَعَلَنا بَنيها كَمَا قالَ لِيوحَنَّا “هذه أمّك”. وَكَما أنَّ الأمّ الحَنونَة تَعدِل بَينَ أولادِهَا بالسَّواء، كذلِكَ هِيَ تَعدِل بَينَنَا وَبَينَ ابْنِهَا البِكر.
رابِعًا: لأجلِ شَرَفِهَا! لأنَّ اللهَ شَرَّفَهَا وَاختَارَهَا لِتُعطِيَ ابْنَهُ جَسَدًا. وَعَلَيهِ، إذا كَانَت بِسَببِ ذلِكَ الجَسَد صارَت مَلِكَة على مَا في السَّماواتِ وَما على الأرض، فَكَيفَ لا تَتَوَسَّلُ لأَجلِنَا لَيلا وَنَهارًا لِتُكافينَا عِوَضَ النِّعمَة التي حَظِيَت بِهَا بِسَبَبِنَا.
خامِسًا: لأجلِ رَأفَتِهَا وَمَحَبَّتِهَا فَإذا كَانَ الله رَحِمَنَا وَأعطَانا ابْنَهُ حينَ كُنَّا أعداءَهُ، وَمَعَهُ وَهَبَنَا كُلّ شَيء، وَأوصَى بِحِراسَتِنَا المَلائِكَة الذينَ يَفرَحونَ بِتَوبَةِ الخاطِئِ فَرَحًا عَظيمًا، وَأمَرَنَا أن نُحِبّ أبناء جِنسِنَا مِثلَ أنفُسِنَا، فَكَم بالحَرِيّ تَلتَزِمُ بِنَا إذ هِيَ مِن جِنسِنَا، وَسُلطَانَة المَلائِكَة، وَأُمَّ الله.
سادِسًا: حَتَّى تَجبُرَ كَسرَ حَوَّاء، لأنَّ تِلكَ نسلها الباري من آدَم الأوَّل لِتَكونَ لَهُ مُعينَة وَمُعتَصِمَة مَعَهُ بالمَحَبَّةِ وَتَربِيَة الأولاد. وَسُمِّيَت “حَوَّا” مِنَ “الحَيَاة”. وَهذه مِنها أخَذَ الرَّبُّ جَسَدَهُ لِكَي تَكون أُمًّا وَشَريكَة في تَجديد الخَليقَة، لأنَّهُ حَيثُ دَخَلَ المَوت، تَفاضَلَت النِّعمَة والحَيَاة. وَلِذلِكَ أقامَهَا اللهُ شَفيعَةً لِجِنسِ البَشَر وَلَم تَزَل مُتَوَسِّلَة لأجلِ خَلاصِهِم.«