تُعيّد الكنيسة الكاثوليكية في ١١ تشرين الأول والكنيسة الأرتوذكسية في ١٢ تشرين الأول عيد الشهداء الثلاثة: طراخوس (Tarachus-إدنا) وبرُوبوس (Probus) وأندرونيكوس (Andronicus).
لقد درجت العادة في الكنيسة السريانية ذكر الشهيد طراخوس أولا وقد سمّته “إدنُا”، أي الأُذُن… ذلك بأن طراخوس كان الأكبر سنًّا بين الشهداء الثلاثة، وهو الوحيد الذي كان مواطنًا رومانيًّا… ويوجد على اسمه في قرية بيت داود (حدود بزبينا) في عكار كنيسة تعود للقرن الخامس…
كان الشهداء الثلاثة جنودًا في الجيش الروماني. وعندما شنّ الإمبراطور ديوقلتيانوس إضطهادًا عنيفًا بحق المسيحيين (القرن الثالث)، ما يُعرَف بالإضطهاد الثاني الكبير، رأى الشباب الثلاثة الجنود ثبات المسيحيين بإيمانهم، ونبذهم لعبادة الأصنام، فكان ذلك خير مُشجّع على قبول الإيمان ومواجهة الموت في سبيل هذا الإيمان بكل شجاعة… لقد سمع مار إدنا أنين الشهداء، خاصّة صراخ أخَوَيه برُوبوس (Probus) وأندرونيكوس (Andronicus)، وعلم بأن هذا الصّراخ هو الصوت الصارخ إلى الله الآب الذي “لم يُشفق على ابنِهِ بل أسلَمَهُ إلى الموت عن جميعنا” (روما٨: ٣٢)، وعَلِمَ أن يسوع المسيح-الشهيد الأول- بذل نفسه في سبيله وسبيل جميع البشر، فكان قبوله للشهادة استمرارًا لعمل الحب الذي تَجَلّى بأبهَى صورة على الصليب. لذلك، فالأنين الذي سمعه، وصليل السيوف وصراخ الوحوش الضارية لم يكن مصدر خوف، بل علامة تُخبر جميع الناس عن عظمة الحب عندما يظهر في بذل الذات في سبيل البشرية، وفي سبيل الكنيسة. هذا الصوت المُخيف الذي سمعه كان الدّافع ليقبل الشهادة، إذ فرض الإمبراطور الروماني على جميع الجنود في الجيش أن يسجدوا للأصنام… فكان طراخوس (إدنا) أمام خيارَين:
– إمّا أن يستمع إلى صوت السلاح والوحوش التي تقتل المؤمنين الذين رفضوا ترك إيمانهم بالله،
– أو الإستماع إلى صوت الباطل الذي يقول: سِر في المُسايرة، بخّر للأصنام لكي تنقذ نفسك…
طبعا، سمع طراخوس الصوت الأول، وصار صوت صراخه علامة جديدة أمام الكنيسة، على أن الذي يقبل المسيح في قلبه مُخَلّصًا وفاديًا، لا يُمكن إلا أن يُجسّد الحب على مثال معلمه يسوع: يموت في سبيل أحبائه…
فعندما وُضِعَ طراخوس أمام ترك المسيح أو الموت، اختار الموت بالجسد ليحيا مع المسيح حياةً أبدية، وترك حياة الجسد التي تؤول إلى الموت…
لذلك كان اسمه في التقليد السرياني: “إدنا”… إسمه دعوة لكل مسيحي ليسمع صوت الحق دون خوف، وليعمل الحق لو مهما كلف الأمر… مار إدنا، اشتهر بشفاعته لدى الرب لشفاء مشاكل الأذن، فهل يُمكن أن يكون إسمه اليوناني طراخوس- Tarachus هو مصدر الكلمة العربية “طَرَش”؟ عسى أن يشفع مار إدنا لله ليشفي طرشنا عن سماع كلمة الحق…