ترجمة ندى بطرس
عندما أعلنت أبرشيّة سيدني عن العنوان الذي اختاره البابا لاون الرّابع عشر للمؤتمر الإفخارستي الدولي لعام 2028، لم يأتِ بشعارات مُعقّدة أو حملات تسويقيّة، بل بشكل جملة بسيطة – جملة تردّد صداها عبر عشرين قرناً من الإيمان: “هذا هو جسدي الذي يُبذَل عنكم”. بهذه الكلمات، حوّل يسوع وجبة طعام إلى سرّ، ووجدت المسيحيّة جوهرها. والآن، ستُشكّل هذا الجملة نفسها الأساس الروحي واللاهوتي لأحد أهمّ التجمّعات العالميّة للحياة الكاثوليكيّة – أوّل مؤتمر إفخارستي دولي ينعقد في أستراليا.
في تفاصيل أخرى أوردها القسم الإنكليزي من زينيت، وصف رئيس أساقفة سيدني أنطوني فيشر العنوان بأنّه “عبارة تُلخّص التاريخ المسيحيّ بأكمله، موضحاً أنّه لا يتحدّث فقط عن آلام المسيح وموته وقيامته، بل أيضاً عن الدّعوة إلى تقليد نمط الحبّ نفسه – الحبّ الذي يبذل نفسه. وبالنسبة إليه أيضاً، إنّ صدى العنوان يتجاوز القدّاس. فهو يحمل دلالات رعويّة واجتماعيّة، ويتحدّى الكنيسة ليعود القربان الأقدس قوّة للتجديد في جميع أبعاد الحياة. “إنّ غنى العنوان سيوفّر فرصاً لا تُعدّ للتعليم المسيحي، بالإضافة إلى التزام متجدّد بالدعوات الكهنوتيّة والدينيّة، وقدسيّة الزواج، وخدمة الفقراء والمحتاجين طوعاً”.
مِن ناحيته، أكّد الأب كورادو ماجيوني، رئيس اللجنة الحبريّة للمؤتمرات الإفخارستيّة الدوليّة، اختيار البابا لهذا العنوان خلال زيارته الأخيرة لأستراليا، قائلاً إنّ الجملة اختيرت بدقّة لتسليط الضوء على “تضحية المسيح الحقيقيّة والملموسة – تضحية بدافع الحب وحده. هذه الفكرة ليست لاهوتاً مجرّداً بل هي قلب المسيحيّة النابض. إنّ التضحية بدافع الحب هي جوهر الإيمان المسيحي. وعبارة “هذا هو جسدي، يُبذل عنكم” تُوضح أنّنا لا نستطيع أن نتناول جسده ونبقى على حالنا”.
أمّا ريتشارد أمبرز، الأسقف المساعد في سيدني ورئيس اللجنة المنظِّمة المحلّية، فقد أعرب عن نفس القناعة بعبارات أبسط: “إنّ القربان الأقدس ليس ما نفعله من أجل الله؛ بل ما يفعله المسيح من أجلنا. ولذلك، يُلامس هذا الموضوع جوهر الإيمان الكاثوليكي”.
بدأت الاستعدادات لمؤتمر 2028 بالفعل، حيث يمتدّ التّخطيط اللوجستي والرعويّ عبر أبرشيّات أستراليا. وسيتضمّن هذا الحدث، الذي سيجذب آلاف الحجّاج من جميع أنحاء العالم، أسبوعاً من الليتورجيا والتعليم الدينيّ والاحتفالات الثقافيّة والشهادة العامة التي تتمحور حول سرّ القربان المقدّس. لكنّ المنظّمين يُصرّون على أنّ هذا ليس مجرّد مهرجان دينيّ كبير. فبِحسب بنيامين غاليا، مدير عمليّات المؤتمر، فإنّ هذا التجمّع “سيكون فرصة لتجديد الكنيسة في أستراليا وترك إرث من الوحدة والكرم والشهادة”.
إنّ المؤتمر الإفخارستي الذي سينعقد في سيدني عام 2028 في عالم يسوده التشرذم والقلق والتوق إلى المعنى، ينسجم عنوانه المختار مع هذا السياق مباشرةً. فهو يُذكِّر المؤمنين بأنّ المحبة، في أسمى صورها، ليست عاطفة، بل استسلام. وفي النهاية، الرسالة بسيطة: “هذا هو جسدي المُقدَّم من أجلكم”. بهذه الكلمات القليلة، يُصبح سرّ محبّة الله مقياساً لمعنى أن تكون إنساناً، والأفق الذي يجب أن يتّجه إليه المؤتمر الإفخارستي القادم، وربما الكنيسة نفسها.
