” هُوَذا مَلِكُكَ يُكَلِّم الأُمَم بالسّلام ” (زكريّا ٩ : ٩ – ١٠)
اليوم، تحتفل الكنيسة الجامعة بعيد يسوع الملك، ملك الملوك والعظماء، و ملك الكون.
يختصر هذا العيد سر يسوع : ” بكر الأموات، وسيد كل أقوياء الأرض ” ويوسع نظرتنا نحو ملء ملكوت الله، عندما يصبح الله الكل في الكل ” ومتى أُخضِعَ لَهُ كُلُّ شيء، فحينَئذٍ يَخضَعُ الابن نَفْسُه لِذاكَ الذي أَخضَعَ لَه كُلَّ شَيْء ، ليكونَ الله كُلَّ شَيْءٍ في كُلِّ شَيْء “( قورنتس الأولى ١٥ : ٢٨ )
يؤكد هذا الكلام القديس كيرلس الأورشليمي قائلاً: ” نحن لا نعلن المجيء الأول للمسيح فحسب ، بل نعلن مجيئاً ثانياً، أجمل بكثير من الأول.
كان المجيء الأول تجسيداً للمعاناة ، وأما الثاني فسيحمل تاج الملوكية الإلهية.
في المجيء الأول ساقوه إلى الصليب بإهانة ، وأما في الثاني ، فسيأتي وهو محاط بصفوف قوات ملائكيّة تسبحه وتمجّده “.
عن هذا الملك ، كلَّمَنا النبي إرميا بهذه العبارات : ” لا نظيرَ لكَ يا ربّ ، عظيمٌ أنتَ وعظيمٌ إسمكَ في الجبَروت ، مَن لا يخشاكَ يا ملك الأمم ؟ ” (إرميا ١٠ : ٦-٧) . هذا الملك ، كما ذكر سفر الرؤيا، “على ردائه وعلى فخذِه اسمٌ مكتوب : مَلِكُ المُلوكِ وربُّ الأرباب” ( رؤيا يوحنا ١٩ : ١٦ ) . رداؤه من الأقمطة ، وفخذُه هو جسده . في الناصرة اتّخذ جسداً ، قد تُوِّج بإكليل ، في بيت لحم لُفَّ بالأقمطة كبرفيرٍ ملكي . تلك كانت أولى علامات ملوكيّته . وهذه العلامات هي التي جعلَتْ أعداءَه يجهدون لتحقيق إرادتهم بانتزاع ملوكيّته .
خلال الآمه، عرّوه من ثيابِه ، وثقبَت المسامير جسده ، فأُعطيت له تمام وكمال علامات الملوكيّة : فكانَ له الإكليل والأرجوان والصولجان ، ولذلِكَ قال بيلاطس لليهود : ” ها هوذا مَلِكُكم ” عندئذٍ ” خرجَ يسوع حاملاً صليبَه إلى المكان الذي يُقال له مكان الجمجمة ” (يوحنا ١٩ : ١٤-١٧) ، وتمّت نبؤة النبي أشعيا : ” فصارَتِ الرئاسةُ على كَتفِهِ ” (أشعيا ٩ : ٥) ، وأوضحتها الرسالة إلى العبرانيّين : ” نشاهِدُه مُكلَّلاً بالمجد والكرامة لأنّه عانى الموت ” (عبرانيين ٢ : ٩).
هوذا إذاً مَِلكُنا، الذي يأتي إلينا ، لأجل سلامنا وسعادتِنا . يأتي في العذوبة ، كي يكونَ محبوباً ، وليس بالقوّة ، كي يكونَ مرهوباً ومكروهاً . يأتي متواضِعاً جالساً على آتان ،لإنّ الفضائل الخاصّة بالملوك هي العدالة والطيبة والبساطة . هكذا فإنّ ملكنا العادل ” سيأتي في مجدِ أبيهِ ومعه ملائكته ، فيُجازي يومئذٍ كلّ امرئٍ على قدرِ أعمالِهِ ” (متى ١٦ : ٢٧) . وعذبٌ هو ولطيف ، هو ” فاديك رَبٌّ القوات ، وهو قُدُّس يدعى إِلَهَ الأَرْضِ كُلِّها ” (أشعيا ٥٤ : ٥). هو فقيرٌ أيضاً ، كما قالَ القديس بولس الرسول : “بل تجرّدَ من ذاتِهِ مُتَّخِذاً صورةَ العبد ” (فيلبي ٢ : ٧).
آدم ، في الفردوس الأرضي، رفض أن يخدم الربّ ، عندها أخذ الربّ صورة العبد ، جعل من نفسه خادم العبد ، حتّى لا يخجل العبد أبداً من خدمة الربّ . جعل من نفسه مثال البشر ” وظهر في هيئة إنسان ” (فيلبي ٢ : ٧) . فقير هو الذي ” ليس له ما يضع عليه رأسه “(متى ٨ : ٢٠) إلى حين “حنى رأسه” على الصليب ، ” وأسلم الروح “(يوحنا ١٩ : ٣٠ ).
صلاة :
أيها الرب يسوع ملكنا السماويّ ، اجعلنا لك ، وأملك على قلوبِنا وأفكارنا ، إحيا فينا، إجمع البشرية المشتتة والتي تعاني من الحروب والإضطهادات والصعوبات والمشاكل الإقتصادية والإجتماعية والسياسية والعائلية ، لكي بك ومعك يخضع كل شيء للآب برحمة ومحبة .
يا إلهنا العَظيم، إله المحبة والسلام ، يا مَن خَلَقتَ هذا الكَون البَديع بِكَلِمَة قُدرَتِك، أنتَ الذي أسَّستَ الأرضَ بِالحِكمة والسَّماوات بِالفِطنة، نَحنُ نَعلَم أنَّكَ على كُلِّ شَيءٍ قَدير، وأنَّ لَكَ سُلطان على كُل ما يَحدُث في هذا العالَم، ونَعلَم أيضاً أنَّ لَكَ مَقاصِد من كُل ما يَحصُل وأوَّلُها تَوبَة النَّاس وخَلاصِهِم بِرُجوعِهِم إلَيكَ أنتَ الإله الحَقيقي وَحدَك وابنَكَ يَسوع المَسيح الذي أرسَلتَهُ وقُوَّة رُوحِكَ القُدُّوس.
يا إله الرحمة ، نطلب منك أن تبعد عنا الأشرار والاعداء المنظورين وغير المنظورين ، و تَرفَع الحُروب والدَّمار عن جَميع الشعوب و البُلدان وخاصة بلاد الشرق ، بلادنا التي عشت على أراضيها وباركتها ، وكُلُّنا ثِقة بِرَحمَتِكَ الغزيرة ، ومَحَبَّتِك اللامتناهية، وسَنُرفع صلواتنا إليك دائِماً وبِكُل إلحاح وثقة لِكَي يَنتَشِر سَلامَك ويَسود العالَم، لأن لا سَلام إلَّا بِمَعرِفَتِكَ أنتَ يا إلهَ وملك السَّلام. أنتَ الذي قُلت: ” طُوبَى لِلساعين إلى السَّلاَمِ، فَإِنَّهُمْ أَبْنَاءَ اللهِ يدعون “( متَّى ٥ : ٩ ).
يا رب ، اِرحَم الأبرِياء الذين سقطوا ضحية العنف ، واستَخدِم هذهِ الحُروب لِخَلاص نُفوس كَثيرين، لِكَي يَلتَجِئوا إلَيك ويَتَّكِلوا عَلَيك وحدك ويَعلنوك رَبّاً ومُخَلِّصاً وَحيداً على حَياتِهِم.
قُد الحُكَّام والمُلوك والامراء والرُّؤساء لِما فيهِ خَير البِلاد والعِباد، واهدِِ كُل مَن هُم في مَنصِب سياسي، لِكَي يَسعوا لنشر المَحَبَّة والسَّلام والوئام بين الشعوب ، وازرَع رَحمَتكَ في قُلوبِهِم لِيَصيروا رُحَماء، فأنتَ الحاكِم الأعلى والقادِر على تَغيير قُلوبِهِم كَما هو مَكتوب: ” قَلْبُ الْمَلِكِ فِي يَدِ الرَّبِّ سواقي مِاءٍ فحَيْثُمَا شاءَ يُميله. ( سِفر الأمثال ٢١ : ١ ).
كُل هذا نطلبه منك يا رب المراحم وواهب العطايا الصالحة، لَيسَ لأنَّنا نَستَحِقّ، ولا لِأَجل أيّ عَمَل صالِح عَمِلناه أو سنعمله ، بَل بِحَسَب رَحمَتِكَ الفقيرة و رأفتك الكَثيرة ، وبِشَفاعَة ابنِكَ يَسوع المَسيح ملك السلام ، وموطد السلام لَهُ كُل المَجد. آمين.
+المطران كريكور اوغسطينوس كوسا
اسقف الاسكندرية للأرمن الكاثوليك