الأربعاء 18 يوليو 2012 (ZENIT.org). – من الطبيعي أن نتساءل كل مرة نرى شخصًا يخبرنا شيئًا عما لم تره عين، لم تسمع به أذن ولم يخطر في قلب بشر: من أين له أن يعرف ما لا أعرفه؟ من يعتبر نفسه هذا الشخص ليعلمني شيئًا عن المطلق؟ بالواقع – كما يلاحظ اللاهوتي الألماني يورغن فيربيك – لا يحق لأحد بشكل مطلق أن ينصب نفسه معلمًا للآخرين بشأن الله. وهذا الأمر صحيح إلا في الحالة التي يريد الله أن يقول شيئًا عن نفسه من خلال شخص ما، وهو صحيح بشكل فائق في الحالة التي يقرر الله أن يخبرنا هو نفسه عن نفسه… هذه هي فرادة الوحي المسيحي: لا يتكلم الله عن ذاته من خلال الأنبياء أو الأبرار، بل هو عينه – الله الكلمة – يخبرنا عن الله ويكشف أسراره.
في هذا الجزء من مقالتنا سنتوقف على ما يقوله العهد الجديد بشأن هذه الجدة، جدة وحي الله-الكلمة. ففرادة ما يقوله المسيحيون بشأن الله تأتي من فرادة ما قاله يسوع عنه وما جسده يسوع من نواة الألوهة.
“ما من أحد يعرف الآب إلا الابن وذاك الذي يريد الابن أن يكشفه له” (مت 11، 27). “الله لم يره أحد قط: ابن الله الوحيد القائم في حضن الآب، هو الذي كشفه لنا” (يو 1، 18). “ما من أحد رأى الآب إلا ذاك الذي أتى من لدن الآب: هو رأى الآب. الحق الحق أقول لكم: أنا خبز الحياة” (يو 6، 46).
ما هذه الآيات إلا بعض من التعابير الواضحة التي تبين عن نظرة يسوع بشأن سر الآب المكنون في حميميته الخاصة والفريدة مع الابن، والتي لا يدركها أي إنسان ما لم يشأ الابن أن يكشفها له.
إن تاريخ البشرية حافل بمحاولات عديدة للكشف عن كيان الله وجوهره، ولطالما طبّع البشر آلهتهم بصورهم الانتروبومورفية، وذلك إن على صعيد الشكل، اللون والعرق، وإن على صعيد المشاعر التي تطبع الآلهة بأخلاق بني آدم. يسوع المسيح يأتي حاملاً صورة متجددة لله توصلنا إلى الاعتراف بكنه ألوهيته الأعمق الذي هو المحبة. “الله محبة. من أقام في المحبة أقام في الله وأقام الله فيه” (1 يو 4، 16).
هذا ولم يكتف يسوع بتعريفنا بأمور عن الله وخصائصه وصفاته الحسنة. بل قد طابق يسوع صفات الله بصفاته الخاصة. يتحدث يسوع عن وحدة كيان بينه وبين الآب: “أنا والآب واحد”. يطبق يسوع على نفسه خصائص اسم الله الأسمى، “أنا هو الذي هو” فيقول لليهود جاذبًا غيظهم: “قبل أن يكون إبراهيم، أنا هو” (يو 8، 58). وقد أدرك اليهود بالتحديد مقصد يسوع في كل مرة استخدم تعبير “أنا هو” ولذا يخبرنا إنجيل يوحنا أنهم أرادوا رجمه “لأنه قال أن الله أبوه مساويًا ذاته بالله” (يو 5، 18).
لم يكن موقف يسوع موقف الأنبياء الذين سبقوه والذين أتوا بعده: أي موقف تبشير بآخر وإشارة إلى آخر. يسوع تحدث عن ذاته وعلّم تلاميذه أن من يراه يرى الآب (راجع يو 14، 9). لم يدل فقط على الحقيقة، بل قال أنه هو الحق. لم يشر إلى سبيل للوصول إلى الحياة الأبدية وإلى معرفة الله بل قال: أنا الطريق، الحق والحياة. وعليه على السؤال الذي يطرحه عنوان هذا الجزء، جواب العهد الجديد واضح: نعم، في يسوع المسيح نستطيع أن نعرف من هو الله.
ما هذه الآيات التي استشهدنا بها إلا قلة من كثرة تعبّر عن كنه العهد الجديد الذي يتحدث عن ألوهية يسوع. والسؤال الذي يطرح نفسه من هذه النقطة: هل يمكننا أن نثق بشهادة العهد الجديد بشأن يسوع؟ هل كتابات الرسل هي موثوقة أم أنه تم تحويرها في ما بعد كما يزعم البعض؟ سنجيب على هذه الأسئلة بطريقة علمية ودقيقة، ولكن قبل ذلك، نود أن نطرح سؤالاً سنعالجه في الجزء التالي من المقالة: هل هناك شهادات حول وجود يسوع، شهادات غير كتابية تشبع عطش من يرغب أن يوطد إيمانه بأن يسوع كان رجلاً تاريخيًا؟
إلى المرة المقبلة بعون الرب
(يتبع)