حاضرة الفاتيكان، الثلاثاء، 28 نوفمبر 2006 – ننشر القسم الأول من المقدمة لكتاب القداس الذي سيتبعه البابا بندكتس السادس عشر خلال زيارته الرسولية الى تركيا. قدمها منظم الاحتفالات البابوي اليتورجية، رئيس الاساقفة بييرو ماريني.
اختار الأب الأقدس، بندكتس السادس عشر، على خطى أسلافه بولس السادس ويوحنا بولس الثاني، أن يكرم، بإحدى أولى رحلاته الراعوية، أرض تركيا التي تتضمن رقعة واسعة، عرفت بحق بـ”أرض الكنيسة المقدسة”. في هذه الأرض، اكتشفت الجماعة المسيحية – وخاصة تلك التابعة لمراكز كبيرة كأنطاكية وأفسس – هويتها ورسختها. هنا انفتحت الكنيسة على العالم القديم في عملية انثقاف وتكييف جعلها “كاثوليكية” بالفعل، أي منفتحة على مختلف التعابير الثقافية. كما وانطلقت من هذه الأرض أولى الإرساليات التبشيرية نحو الشرق الأقصى والشعوب السلافية.
لا عجب أن معظم كتابات العهد الجديد أبصرت النور في هذه الأرض ووجهت إلى الشعوب التي تقطنها. فبولس الطرسوسي ولوقا الأنطاكي، إثنان من مؤلفي هذه الكتابات، هما من بواكير شهود كنيسة ازدانت عبر التاريخ بشخصيات طبعت المسيحية بأسرها. يعود بنا الفكر إلى الآباء الكبادوكيين، والأنطاكيين والسريان، وطغمة الشهداء والزهاد الذين ما برحت الليتورجية تقدمهم كمثال للحياة المسيحية.
تصادف زيارة أسقف روما إلى تركيا تاريخين مهمين يذكراننا بشاهدين بارزين للإيمان: المئوية السابعة عشرة لميلاد افرام السرياني (306) والمئوية الثامنة عشرة لوفاة يوحنا فم الذهب (407).
كلاهما إشعاع متألق ينساب من “النور الآتي من الشرق”، وقد حرص البابا يوحنا بولس الثاني في الرسالة الرسولية “نور الشرق” (1994) على التذكير بأن على الكنيسة الجامعة ألا تتغاضى عن غنى الشهادة، الفكر والروحانية التي يدخرها الشرق المسيحي خلال الألفية المسيحية الأولى حين كانت الكنيسة تعيش بالوحدة.
في عصر التعددية الحالي، يشكل تنوع التقاليد الدينية الغني، الذي نشأ في أرض تركيا ويستمر فيها حتى الآن، شهادة على أن تعدد أشكال التعبير الليتورجي والروحي يندمج بالكامل مع وحدة الإيمان بيسوع المسيح. من هنا حديث الأب الأقدس عن الحوار كـ”جوقة ثقافات متعددة الأصوات”.
ينطبق هذا المبدأ على سائر الطوائف المسيحية، ولكنه يمتد أيضًا إلى الحوار بين المسيحيين والمؤمنين المسلمين. لا يمكن أن تلقي ظلال الأمس بعبئها على النور الذي يشع من “حوار الحياة” اليومي، من “حوار المحبة”، وأيضًا من “حوار الخبرات الدينية” التي طالما ميزت العلاقات المسيحية-الاسلامية هنا.
تدخل زيارة الأب الأقدس بندكتس السادس عشر إلى تركيا في هذا الإطار، وفيه ينبغي تأويلها. نحن بصدد زيارة راعوية، زيارة مسكونية وزيارة يطبعها الحوار مع العالم الإسلامي.