رأينا بعض الملامح لشخصية ارميا، وإمام هذا الواقع، الغير جذاب، الرب لا يوبخه بل يشجعه ويؤكد له:” قبل أن أصورك في البطن عرفتك.. قبل أن تخرج من الرحم قدستك وجعلتك نبيا للأمم”.
عميق اثر هذه الكلمات على ارميا النبي، على شخص يعرف من أين يأتي، من عناتوت وتاريخها السيئ، من عائلة كهنوتية تحتاج إلى تطهر وتوبة. عميق اثر هذه الكلمات على هذا الولد، هذا الصغير بين الجميع وبين المواقف، عديم الثقة بذاته، دون ارض صلبة، تزعزعه تهديدات الآخرين وغضبهم، او على الأقل رفضهم له. عظيم اثر هذه الكلمات على الصبي الذي يبحث عن هوية وكيان. عظيم الأثر لأنه يمنحه هذا الكيان.
نعم يا ارميا! كيانك هو انك معروف من الرب، انك كنت دائما وقبل ان تكون، ملحوظ لديه، مختار منه، مرغوب فيك، ومحبوب لديه. هذا كيانك يا عزيزي، هذه صخرتك التي يمكنك البناء عليها. أتفهم هذا؟ كيانك مرتبط باختيار الرب لك.
ويبسط الرب يده ويلمس فم ارميا. تظهر هذه الكلمة مع نوح عندما بسط يديه كي يستقبل تلك الحمامة التي لم تجد لها مقر على الأرض بسبب الطوفان، فاستقبلها وادخلها إلى الفلك. (تك 8/9) نعم نوح يبسط يديه كي يحملها من الموت الخارجي للحياة الداخلية، من الطوفان الخارجي للدفء والاستقرار بداخل الفلك. وهنا الرب يبسط يديه ويحمل ارميا من عالم إلى العالم، ليحمل فمه ويطهره من كلمة البشر إلى الكلمة ..
وأيضا موسى يبسط يديه ليشق البحر (خر 14/21) ويفتح بين أعماق الموت طريق للحياة، يمر منه ويمرر شعبه. وهاهنا الرب يبسط يديه ويفتح طريق في هذا الفم كي بواسطته يحي الكثيرين. يلمس فمه كي يجعل منه منبر لكلمته. نعم الرب يبسط يديه على ارميا وعلينا كي يخرج لنا من واقعنا، كما هو، حياة جديدة، كلمة جديدة، أمل ورجاء ….ولكن ماذا سيقول له الرب؟
هذا ما سنراه في المقالات القادمة – أيام مباركة