اللسان عضو صغير جداً في جسم الإنسان، ولكن ما أضخم خطاياه التي لا تتناسب مطلقاً مع حجمه! ولذلك قال أحد القدّيسين: “كثيراً ما تكلّمت فندمت. وأمّا عن سكوتي فما ندمت قط”.
فما هي خطايا اللسان إذاً؟ وما مدى خطورتها حتى يندم الإنسان عليها؟
أول خطورة للّسان هي أنّ خطاياه نابعة من القلب. فالقلب الطاهر لا ينطق سوى ألفاظاً طاهرة. أمّا ما في القلب من خطايا، فهذه يكشفها اللسان. إذاً مقياس الانسان هو ما يكشفه لسانه عن خبايا قلبه: الألفاظ القاسية تدلّ على قلب قاس. والألفاظ المتكبّرة تدلّ على قلب متكبّر. والألفاظ المستهترة تدلّ على قلب مستهتر. والألفاظ الحاقدة تدلّ على قلب حاقد وهكذا…. والألفاظ البذيئة تدلّ على الداخل الحقيقي للإنسان.
الثرثرة تلوّث سمعة الآخر
أمّا خطورة اللسان الثانية فهي الثرثرة!
إنّ حسد الشيطان هو ما يُدخل الخطيئة إلى العالم. وحتّى الجماعات المسيحية تشعر بالأنانية والغيرة، وتنقسم على بعضها البعض، ممّا يدعو إلى الثرثرة فيما بين أعضائها.
تبدأ الانقسامات من اللسان، أو من “زارعي الزؤان” الذين يزرعون الانقسام والخلافات: يمكن للّسان أن يدمّر عائلة، أو جماعة أو شخصاً ما. إنّه قاتل وسمّه قد يميت. لذا، فلننتبه كي لا نقتل بلساننا!
إنّ أرقى أنواع الأناقة والتهذيب والأخلاق، هو الانسان الذي يبتعد عن “القيل والقال”، لأنّه يكون صاحب أخلاق راقية وتربية بيتية ومسيحية، لا تسمح له إلّا بإظهار التهذيب والرصانة والنضج المطلوب.
أمّا الإنسان الروحي فهو الذي لا يتكلم بكلّ ما يأتي على فكره من كلام وأفكار، بل يزن كلّ كلمة قبل أن ينطق بها، وميزانه يسأل عن الكلمة: هل هي في حدّ ذاتها خطأ أم صواباً؟ كما ويهمّه أيضاً تأثير الكلمة على الآخرين، بالإضافة إلى وردود فعلها، ونتائجها.
فالذي يعرف نتائج خطايا اللسان، وأيّ نار يحرق، وكيف يدنّس الجسم كلّه، يحترس جداً قبل أن يتكلّم، ويقول: “ضع يا رب حافظاً لفمي، وباباً حصيناً لشفتيّ”. وذلك لأنّه يعرف أنّ الكلمة التي تخرج من فمه، لا يمكن أن ترجع مرّة أخرى، إذ قد وصلت إلى آذان السامعين وحُسِبت عليه، مهما حاول أن يسحبها أو يعتذر عنها أو يحاول إصلاح نتائجها..! بل أصبحت تلك الكلمة سبباً للدينونة، حسب قول الرب: “بكلامك تتبرّر، وبكلامك تُدان”.
المقصد
لا تدع أبداً اليوم لسانك يسبق تفكيرك، فالكلمةُ الجارحة والهدّامة لا تُستَردّ، والكلمةُ المتسرّعة توقعُ في المشاكل. إنتبه وفكّر في كلّ كلمة تقولها.
إذا كنّا أنقياء من الداخل وبحالة البرارة، لا يمكننا أن ننظر إلى الآخر إلّا بهذه الحالة… لأنّ داخلنا يفيض على لساننا وأفكارنا وأقوالنا هذه البرارة تجاه الآخر، والعكس صحيح. إنّ الألفاظ الخاطئة تدلّ على وجود نفس الأخطاء داخل القلب.
لذلك دعوة للجميع: إتّقوا الله …ولا تسمحوا بالأحاديث الهدّامة لصيت الناس. إقطَعوا الحديث من أوّله، وتكلّموا بما يفيد ويبني ويُفرّح. فكلّ كلام هدّام لصيت إنسان سيرتدّ يوماً ما أضعافاً على من شوّه صورة أخيه. أوَما تعلمون أنّ السيّد المسيح مات لأجل هذا الشخص؟ وبكلّ برودة أعصاب نحن نشوّهه؟
لذلك إنها لخطيئة عظمى جداً أمام الله لأنّها تشوّه صورته…
تعلّموا الصمت مثل مار شربل الذي عاش الإنجيل بأمانة تامة. وتذكّروا كلام يسوع فهو للعيش، لا للإدانة: “لا تدينوا لئلّا تُدانوا…”
ولنحذر جيّداً: إذا لم ننتبه للساننا من التشاجر، والتذمّر، والتهامس سرّاً، والثرثرة والتجريح، فإنّ لدينا مشكلة خطيرة في قلبنا! يعني أنّ قلبنا غير مستقيم أمام الله، لأنّ ذلك يجري في أعماقنا. فاللسان يشخّص ويبيّن ما يوجد في قلبنا من رواسب مخفيّة. والسبب، لأنه يكشف ويظهر للعيان في أرواحنا الخفيّة نسبة النقاء والصفاء والحبّ بحيث يظهر في الكلام والمواقف…