“تعظم نفسي الرب وتبتهج روحي بالله مخلصي”
(لو١: ٤٦- ٤٧)
نريد أن نلتمّس في هذه الآية حقيقة الحس المرهف الداخلي التي تتميز به مريم، فنعمة الرب التي ملأت نفسها وروحها لا بل احشاءها، تضعنا امام حقيقة فهم معنى الابتهاج. لذلك سنتعلّم معا في هذه المقالة كيف نبتهج بالمولود الالهي! طارحين على انفسنا السبل المريمية التي تساعدنا ان نتفاعل بنعمة الابتهاج لكي تصير عدوى معدية ننقلها إلى الاخرين.
١- متطلبات الانتباه
بعدما بشرّ الملاك مريم، بالحبل الالهي وبحبل اليصابات، توجهت مريم مسرعة نحو جبل يهوذا، وهناك كان اللقاء بينها وبين نسيبتها، فأنشدت مريم نشيد التعظيم. لا شك أن الأحداث التي توالت كانت مسرعة ووقعها قوي على مريم. ولكن تعلمنا مريم، بإعمال نعمة الانتباه وتحثنا على تنميتها. ولماذا الانتباه؟ وهل الابتهاج يتطلب انتباها؟ ان ما جعل مريم تبتهج بالرب هي قدرة انتباهها على تدخل الله في حياتها وحياة نسيبتها اليصابات. قدرة الانتباه هي إعمال العقل مباشرة في الموضوع المثار، والتركيز على الحدث والتفاصيل ومن ثم أخذ العبر. الانتباه عملية دقيقة، تتطلب مهارة التركيز الذي هو عكس التشتت الذي يصرف النظر عن الاساس والجوهر. التركيز يتطلب نعمة التحرر من المظاهر الخادعة والكاذبة لكي يلج العقل إلى قلب الحدث الذي يجري على أرض الواقع وهناك يكتنز كنوز المعاني. فالله عندما يتدخل في التاريخ، يتدخل في واقع الإنسان وفي محدوديته وضعفه. ولكن طوبى لمن يتنبه إلى حضوره السري!
٢- عناصر الانتباه
الانتباه هو قبل كل شيء، فضيلة روحية جعلت مريم ان تكون بترابط مع ما يعنينها بالتحديد. لقد نظرت واصغت، ولمست، وشعرت، فتذوّقت في داخلها قوة الابتهاج، سواء ابتهاج اليصابات بسلام مريم أو بالكلمة الساكن في احشائها.
اذا، تعلّمنا مريم أن نأخذ من جديد زمام امور حياتنا، بان نلمس وننظر، ونشعر، ولاسيما ان نتحسس في داخلنا نعمة عمل الله الذي يعمل في تاريخنا الشخصي والعالم. بساطة الله تتطلب من الإنسان فكفكت عقده لا أكثر ولا أقل. فهل تؤمن ان الرب يعمل في ماضيك وحاضرك ومستقبلك؟ هل تعلم بأنه يريد أن تبتهج بالروح على غرار مريم وذلك؟ هل تدرك أن الابتهاج يمد قواك النفسية وروحك لا بل جسدك، بالشفاء والقوة والصحة الروحية والنفسية؟ لذا لا تقطع الارتباط مع ما يعمله الروح القدس في حياتك.
٣- انتباه وتحوّل
نتعلّم من مريم المنتبهة إلى عمل الله في تاريخ البشر، انه اذا اردنا ان نتبنى منطق الابتهاج، علينا أن نعمل النظر مليا في أعمال الله القديرة، محولين الأنظار عن انماط العنف والمرارة والقنوط، لنضعها في حضور الله السري في تاريخنا وتاريخ اخوتنا البشر. انّ ادارة الانتباه، هي معركة حياتنا بالتحديد. فبقدر ما تكون متنبّه بمحبة على حضور الآخر، بالقدر عينه انت تكون متنبها بمحبة على حضورك امام الآخر. وهذا ما نسميه بالعلاقة المنتبهة ذات المحبة- الجودة.
فعندما نتعلم كيف نتأمل بأعمال الله، عندها ندخل في حالة روحية جديدة، إنها حالة الشكر والابتهاج، وفيصبح الإصغاء سهلا وبسيطا وعميقا في آن معا. خلف كل حدث هناك يد الله.
فالنظر والاصغاء والانتباه عوامل روحية نفسيه، تسهم بشكل مباشر في التماس حضور الرب، نلتمسه ، يعني أن نمد ايدينا الى حضوره الخفي في اخوتنا البشر. وهذه اليد التي تقبل ان تلمس الجراح، ستدخلك بخفر الى عمق الآخر كما ان الآخر بدوره يدخل بخفر الى عمقك بسرور وابتهاج.
٤- اختبار الابتهاج
لم تلمس مريم فقط اليصابات بل ضمتها وحضتنها وقبّلتها وعناقتها، عوامل نفسية روحية اساسية في شخصية مريم يكشفهم لنا القديس لوقا. فيفضل هذا اللقاء اعطي الروح القدس، الى الجنين يوحنا كما اليصابات فعمّ الابتهاج أرجاء المنزل كله.
٥- عدوى الابتهاج
ان الشخص المبتهج بالرب ناقل لعدوى الابتهاج، حيثما يوجد يحل روح الابتهاج، على غرار مريم، هذه الأم المباركة التي بفضل شهادة حياتها نتعلم كيف نحضن ونضم وتلتقي ونمد يد الخدمة لكل آخر. مريم بيدها لمست ولادة يوحنا المعمدان، فكانت الزائرة- المتاملة بعمل الله والخادمة الأمنية بفضل خدمتها لمست تدبير الله المحبة في حياة عائلة زكريا الكاهن، ومن بعدما ستتامل بالكلمة مزيحة من على ذراعيها المباركتين.
أسئلة للتأمل:
١- هل استطعت يوما ان ترى الله في داخلك؟ تلمس حضوره ؟ هل ادركت كم من أحداث صعبة نجاك منها؟ هل شكرته عليها؟ هل عمله اشبع رغبتك في عيش الابتهاج؟
٢- ما هي العوامل التي تلهيك عن التبصر والتامل الإصغاء لعمل الله في حياتك وتمنعك من الابتهاج؟
٣- كيف تقاوم الحزن؟ هل العناصر التي ذكرت آنفًا مقنعة وقادرة ان تقيك من أمراض الحزن والكآبة؟
٣- هل تدرك أنّ الخدمة تجعلك في حالة ابتهاج او أنها تستطيع ان تمنحك قوة الخروج من قوقعتك على ذاتك نحو الانفتاح على الآخرين؟
أننا نسالك يا ام الله والانسانية، ونحن على مشارف عيد الميلاد المجيد، ان تمنحينا من لدن الله، نعمة التبصّر والانتباه والاصغاء إلى أعماله وأقواله هو الذي لا يزال يعمل دوما في حياة كل واحد منا. فيا ام الرجاء، كم نحن بحاجة في حياتنا وعائلاتنا الى تذوق عطية الابتهاج. فساعدينا ان نفرح القلوب بمد يد المساعدة لكل آخر ضعيف، لكي يكتمل فينا وفيهم الابتهاج مرددين معك مريم :” تعظم نفسي الرب وتبتهج روحي بالله مخلصي”.
(لو ١: ٤٦- ٤٧)
آمين