Daily meditation on the Gospel

Pixabay CC0

هل نمارس التأمّل كي نحصل على السلام ونصغي لجسدِنا؟

إنّ مصارعتنا ليست مع دمٍ ولحم… بل مع أجناد الشرّ الروحية في السماويات

Share this Entry

تسلّل العصر الجديد في الكنيسة (68)

رأي كاثوليكي في تأمّل الوعي الكامل Mindfulness(14)

فإنّ مصارعتنا ليست مع دمٍ ولحم… بل مع أجناد الشرّ الروحية في السماويات” (أف6/ 12)

هل نمارس التأمّل كي نحصل على السلام ونصغي لجسدِنا؟

يطرح الأخ “باتيست للصعود” من كرمل بوردو، في محاضرةٍ له بعنوان: “هل تأمّل الوعي الكامل والتأمّل المسيحي يتوافقان؟[1]، 10 أسئلة يحاول من خلالها تبيان أوجه التناقض الجوهري بين تأمّل الوعي الكامل والتأمّل المسيحي، بالرغم من التشابه الظاهري بينهما. وجواباً علىالسؤال الأوّل: هل نحن نمارس التأمّل كي نهتمّ بأرواحنا؟ يؤكّد أنّنا في التأمّل المسيحي على عكس تأمّل الوعي الكامل، ننكر ذواتنا ونهتمّ بالرب وبخلاص النفوس في تأمّل يملؤه حضور الله ويقظة النفس.

يطرح الأخ باتيست سؤالاً ثانيًا: هل نمارس التأمّل كي نحصل على السلام؟ ويجيب أنّ “تأمّل الوعي الكامل” يهدف إلى نوعٍ من السلام الداخلي وإلى تحرّرٍ من طغيان الرغبات التي تشتّت النفس وتعذّبها. هذا الإحساس بالسلام يكون بتجنّب الأحاسيس والأفكار التي تأخذ مداها وتستعبدنا أيّ أن نبقى على مسافةٍ منها. بالفعل يبدو على المدى القصير وسطحيًا، أنّ لهذه التقنية فاعلية ما، لكن هل هو سلام حقيقي؟ ويُضيف أنّ للقديسة تريزا رأيًا مختلفًا فهي تتكلّم بوضوح في كتبها مثل “السيرة”، “المنازل”، “طريق الكمال”، أنّ البدء بالتأمّل يعني الدخول في حربٍ روحية ضدّ الأرواح الشريرة، ضدّ الجسد وضدّ العالم!

طريق الكمال:إحملْ صليبَك واتبعني.

تنصح القديسة تريزا مثلاً في كتاب “السيرة” بسلوك طريق الكمال قائلةً: “ثمّة وسيلةٍ فعّالة للتحرّر من خدع الشيطان ومن المسرّات التي يُغرينا بها وهي، أن نشرع بعزمٍ على نهج طريق الصليب منذ البدء، وأن لا نتمنّى تلك المسرّات. فالربّ نفسه دلّ على طريق الكمال هذا بقوله: “إحمل صليبك واتبعني“(مت16/ 24) (السيرة، ف15) وتنصح أخواتها الراهبات قائلةً: “عانقْنَ الصليب الذي حمله عروسُكنّ على منكبيْه واعرفْن أنّ هذه هي مهمّتكنّ”(المنازل الثانية)

“حين تشرح قلبي”(مز119/ 32)

إنّ التقدّم في الحياة الروحية، بحسب القديسة تريزا، يتطلّب منّا أن نزداد حبًّا ورغبةً في إرضاء الله والطاعة لوصاياه وليس المزيد من المعرفة والتفكير وتذوٌقٍ أكبر للذّة. تقول: “إنّ التقدّم الحثيث في هذا الطريق، والصعود إلى المنازل التي نتمنّى، لا يقومان على أن نُكثر التفكير ، بل على أن نحبّ كثيرًا … قد لا نعرف ما هو أن نحبّ … فليس الحبّ في تذوّق أكبر لذّةٍ، بل في أوطد تصميمٍ على أن نرغب في إرضاء الله، وأن نعمل قدر طاقتنا، على اجتناب إهانته، والتضرّع إليه كي يرتفع دائمًا مجدُ ابنه وكرامته، وشأن الكنيسة الكاثوليكية. هذه هي علامات الحبّ” (المنازل الرابعة، ف1)

إذًا من يوّد البدء بالتأمّل المسيحي عليه الإصرار والثبات في حمل الصليب محبةً بالمسيح. وتؤكّد أنّ البدايات هي الأصعب وتقلق من أجل هؤلاء الذين يجدون أنفسهم بسهولة في حالةٍ من السلام.

السؤال الثالث الذي يطرحه الأخ باتيست هو: “هل نحن نتأمّل لنُصغي لجسدنا؟

تدعونا تقنية “تأمّل الوعي الكامل”Mindfulness أن نستقبل أحاسيسنا ومشاعرنا وأفكارنا من دون أن نُصدر أحكامًا فيها. هذه التقنية تفترض إصغاءً عميقًا للجسد بواسطة تقنيات التنفّس العميق وتركيز الفكر على اللحظة الحاضرة. بالمقابل، يبدو أنّ الصلاة المتجذّرة في الجسد أمرٌ شرعيّ ومقبول في التأمّل المسيحي. فالمسيحية هي ديانة التجسّد وجسدنا هو هيكلٌ للروح القدس ولا يحقّ لنا أن ننظر إليه نظرة دونية. إلاّ أنّ الجسد المجروح بالخطيئة، يمكن أن يكون مضلّلاً لنا كما تذّكرنا بذلك القديسة تريزا وبحسب القدّيس بولس وتقليد الكنيسة. التأمّل والتراخي لا يسيران معًا. تقول القديسة تريزا أنّه بقدر ما نعتني بجسدنا بقدر ما تزيد تطلّباته فهو يحبّ أن نعامله جيدًا. ويشيرُ هنا الأخ “باتيست” إلى تشابه هذه النظرة مع التقاليد الشرقية للهدوئية Hesychasm (والتقليد الصوفي في الشرق المسيحي عامةً) التي تركّز على التنفّس والتي تنحدر من الرأس إلى القلب بهدف جمع الذهن واستعادة وحدة الإنسان. فالصلاة بواسطة الجسد، تعني أن نقوم بإماتاتٍ لنذكّر جسدنا أنّه ليس هو من يتحكّم فينا، بل روح الله هو الذي يقودنا.

من ناحيةٍ أخرى، تتكلّم القدّيسة تريزا عن فائدة الإماتات وأثرها على النفس فتقول: “صارت نفسي، منذئذٍ، تتأثّر من أيّ إهانةٍ أغيظ بها الله مهما كانت صغيرة، بحيث إذا اقتنيتُ شيئًا زائدًا عن حاجتي ما كان يمكنني الإخلاء إلى الخلوة قبل أن أتخلّص منه.”(السيرة، ف24)

عبيدًا للحبّ !

وتدعونا القدّيسة إلى عدم الخوف على الصحّة والتسليم الكامل للربّ فتقول: “… يمكننا الإقتداء بالقدّيسين بالسعي إلى العزلة والصمت، وبممارسة فضائل أخرى كثيرة لا تقتل أجسادنا التاعسة هذه، التي ترغب برعاية كبرى لتضلّل النفس، والشيطان بدوره يساعد كثيرًا على تعطيل هذه الأجساد حين يلاحظ بعض الخوف. فهو لا يريد أكثر من ذلك ليُفهمنا أنّ كلّ شيء سيقتلنا أو سيسلبنا الصحّة. حتى إننا لو ذرفنا الدموع، أثار فينا الخوف من العمى.”

“وبما أنّ الله أرادني أن أفهم حيلة الشيطان هذه، فإذا مثّل لي إبليسُ فقدان الصحّة كنت أقول: “لا بأس أن أموت”، وإذا صوّر لي فقدان الراحة أقول: “لستُ بحاجة إلى الراحة، بل إلى الصليب”. وهكذا في سائر التجارب. لقد رأيتُ بوضوح في كثير من الأحوال، على كثرة أدوائي، أنّ هذه التخيّلات مبعثُها تجربةٌ شيطانية أو ضعفٌ لديّ، وأنّني حين أفتقد الترف ولين العيش، تكون صحتّي في أحسن حال”(السيرة، ف 13). كذلك كانت القديسة تريزا تنصح دائمًا بعدم الخوف و الإستسلام كلّيًا بين ذراعي الله.

  كما نلاحظ، هذا مسارٌ معاكس ل”تأمّل الوعي الكامل” الذي يسعى أولاً إلى الترف ولين العيش والحفاظ على الصحّة كأولوية. لذلك يشدّد الأخ باتيست على أهمية التسليم لله والحذر من أيّ وسيلة للتأمّل تهتمّ بإرضاء شهوات الجسد.

إنّ غاية التأمّل بحسب القدّيسة تيريزا، هو أن نجعل أنفسنا “عبيدًا للحبّ”. تقول “لأنّني لا أرى عزمنا على أن نتبع، عن طريق التأمّل، من أحبّنا هذا الحبّ العظيم إلاّ عبوديةً له، وهو شرفٌ سامٍ جدًا يغمرني سرورٌ غريب حين أفكّر فيه”. وتضيف: “لأنّ البلوغ إلى حبّ الله حبّا كاملاً يأتي بكلّ الخيرات!“(السيرة، ف11).

يتبع

المجد للمسيح!

[1] Fr Baptiste de l’Assomption du Carmel Du Broussey a Bordeaux O.C.D. https://www.youtube.com/watch?v=2HVEC1TkYE8&t=9s

Share this Entry

جيزل فرح طربيه

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير