أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء،
أنا سعيد بملاقاتكم، المسؤولين الدوليين عن حركة فرق السيدة. أشكركم على المجيء والأهمّ من كلّ ذلك، أشكر التزامكم بالعائلات.
أنتم حركة كبيرة، فآلاف الفرق التي تنتمي إلى حركتكم هي منتشرة في العالم والعديد من العائلات تبحث عن عيش الزواج المسيحي باعتباره عطية.
تخوض العائلة المسيحية “عاصفة ثقافية” في هذا العصر المتغيّر، وهي مهدّدة ومجرَّبة على جبهات متعدّدة. من هنا، فإنّ عملكم هو بالغ الأهميّة للكنيسة. أنتم ترافقون الأزواج عن كثب حتى لا يشعروا بأنهم وحدهم في مصاعب الحياة وفي علاقتهم الزوجية. بهذه الطريقة، أنتم تعبّرون عن الكنيسة “في خروج” التي تكون قريبة من ظروف الناس ومشاكلهم وملتزمة من دون أيّ تحفّظ بعائلات اليوم والغد.
إنّها فعلاً لَرسالة حقيقية مرافقة المتزوّجين اليوم! في الواقع، إنّ حماية الزواج يعني حماية العائلة برمّتها، وهذا يشمل إنقاذ كلّ العلاقات التي تنشأ من الزواج: الحبّ بين الزوجين، بين الأهل والأولاد، الأجداد والأحفاد؛ أي الشهادة لحبّ ممكن ودائم، وهذه فكرة يصعب على شباب اليوم تصديقها. في الحقيقة، يحتاج الأولاد إلى أن يتلقّوا من أهلهم هذا الإيمان بأنّ الله خلقهم بدافع المحبّة، وأنهم يومًا ما سيحبّون ويتلقّون الحبّ تمامًا مثلما فعل آباؤهم وأمّهاتهم. كونوا أكيدين أنّ بذرة الحبّ المزروعة في قلوبهم من خلال أهلهم ستنمو عاجلاً أم آجلاً.
أجد أنه من الملحّ جدًا اليوم مساعدة الشبيبة على اكتشاف الزواج المسيحي كدعوة، نداء خاص يوجّهه الله إلى رجل وامرأة حتى يحقّقا نفسهما بالكامل ويشاركاه الخلق فيصبحا أبًا وأمًا حاملين نعمة سرّهما إلى العالم. وهذه النعمة هي محبّة المسيح المتّحدة بحبّ الزوجين، حضوره بينهما، وأمانة الله لحبّهما: إنه هو من يمدّهما بالقوّة حتى ينموا معًا كلّ يوم ويبقيهما متّحدين.
يعتقد البعض اليوم أنّ نجاح الزواج يعتمد على قوّة إرادة الناس فحسب وهذا ليس صحيحًا فلو كان الأمر كذلك لكان حملاً، نيرًا على كتفي مخلوقين مسكينين. بَيد أنّ الزواج هو “مؤلَّف من ثلاث خطوات” حيث حضور المسيح بين العروس والعريس يجعل المسيرة ممكنة، ويتحوّل النير إلى لعبة من النظرات الخاطفة: نظرة خاطفة بين العريس والعروس، نظرة خاطفة بين العريس والعروس والمسيح. إنها لعبة تدوم إلى منتهى الحياة، ويمكن أن يربحاها معًا إن اهتم الواحد بعلاقة الآخر، إن عاملاها ككنز ثمين، معاونين بعضهما بعضًا في الحياة اليومية، وحتى في الحياة الزوجية، عبر الباب الذي هو المسيح، إذ قال: “أنا هو الباب، إن دخل بي أحد فيخلص، ويدخل ويخرج ويجد مرعى” (يو 10: 9). وبالحديث عن النظرات الخاطفة، ذات مرّة، كان يوجد ثنائي في مقابلة عامة، متزوّج من ستين سنة؛ كانت تبلغ 18 عامًا حين تزوّجته وهو 21 عامًا. وبالتالي، هي 78 وهو 81 عامًا. وسألتهما: “والآن، هل تحبّان بعضكما بعضًا؟” وما لبث أن نظرا إلى بعضهما واقتربا مني وعيناهما دامعتان: “نحن لا نزال نحبّ بعضنا البعض!” كم هذا جميل!
لذلك، أودّ أن أتشارك معكما بتأمّلين: الأوّل يتعلّق بالمتزوّجين الجدد. اهتمّوا بهم! من المهمّ جدًا أن يختبر المتزوّجان الجدد ميستاغوجيا الزواج فيساعدهم ذلك على عيش جمال سرّهم وروحانية الثنائي. في الأعوام الأولى من الزواج، يجب اكتشاف الإيمان في الثنائي فوق كلّ شيء، تذوّقه، والتلذّذ فيه من خلال تعلّم الصلاة معًا. يوجد الكثير من الناس ممّن يتزوّجون اليوم من دون أن يفهموا كيف أنّ الإيمان يدخل إلى حياتهم الزوّجية، ربّما لأنّه لم يشهد له أحد أمامهم. أنا أدعوكم إلى مساعدتهم من خلال القيام “بمسيرة موعوظية” – لنطلق عليها هذا الاسم – وهي إعادة اكتشاف الإيمان، أكان على صعيد فرديّ أو على صعيد الثنائي، حتى يتعلّما على الفور إفساح المجال ليسوع، ومعه، ينجحان بالاعتناء بزواجهما.
إنّ عملكم، بالقرب من الكهنة، في هذا الصدد، يحمل قيمة كبيرة؛ يمكنكم أن تنجحوا كثيرًا في الرعايا والجماعات بانفتاحكم على العائلات الشابة. علينا أن نبدأ من جديد مع الأجيال الجديدة لجعل الكنيسة مثمرة: لتوليد كنائس بيتية عديدة فتعيش أسلوب حياة مسيحي، حيث يشعر الإنسان بالألفة مع المسيح، ويتعلّم كيف يصغي إلى من هم قريبون منه، تمامًا مثلما يصغي المسيح إلينا. يمكنكم أن تكونوا اللّهب الذي يوقد شعلة إيمان الآخر، بالأخص بين الأزواج الأصغر سنًا: لا تدعوهم يراكمون الآلام والجروحات في بيوتهم قابعين وحدهم. ساعدوهم على اكتشاف أوكسجين الإيمان برفق، بصبر، ومن خلال الثقة بعمل الروح القدس.
أما التأمّل الثاني فهو حول أهمية المسؤولية المشترَكة بين الأزواج والكهنة داخل حركتكم. لقد فهمتم وعشتم بشكل ملموس تكامل الدعوتين: أنا أشجّعكم على أن تحملوا ذلك إلى الرعايا، حتى يكتشف العلمانيون والكهنة غناها وضرورتها. هذا يساعد على التغّلّب على الإكليروسيّة التي تمنع الكنيسة من أن تكون مثمرة – حذارِ الإكليروسية! وهذا سيساعد أيضًا المتزوّجين على الاكتشاف، أنه من خلال الزواج لديهم دعوة. بالفعل، هم أيضًا من خلال موهبتهم ومسؤوليتهم يبنون الجماعة الكنسية، جنبًا إلى جنب مع الخدّام المرسومين.
من دون الجماعات المسيحية، ستشعر العائلات بالوحدة، والعزلة تسبب ضررًا كبيرًا! من خلال موهبتكم، يمكنكم أن تصبحوا منقذين متيقّظين لمن هم بحاجة، لمن يشعرون بالوحدة، ويواجهون مشاكل عائلية ولا يعلمون كيف يتحدّثون عن ذلك لأنهم يشعرون بالخجل أو فقدوا الأمل. في أبرشياتكم، يمكنكم أن تدفعوا العائلات إلى فهم أهمية مساعدة بعضهم البعض وتشكيل شبكة؛ وبنيان جماعات حيث “يسكن” المسيح في بيوتهم وعلاقاتهم العائلية.
أيها الإخوة والأخوات، في شهر تموز ستجتمعون في تورينو للقائكم العالمي. ليكن ذلك مناسبة للإصغاء إلى الروح القدس ومشروع مثمر لملكوت الله في خضمّ المسيرة السينودسية التي نقوم بها.
أنا أوكل إلى مريم العذراء رسالتكم وكلّ عائلاتكم، حتى تحميكم وتبقيكم ثابتين في المسيح وتجعل منكم شهودًا لمحبّته على الدوام. في هذه السنة المخصصة للصلاة، عسى أن تكتشفوا وتعيدوا اكتشاف فرح الصلاة، الصلاة معًا في البيوت ببساطة وفي الحياة اليومية. هذه المرّة لن أقول شيئًا عن الحموات لأنه يوجد منهنّ هنا! أنا أبارككم من كلّ قلبي وأسألكم أن تصلّوا رجاءً من أجلي. شكرًا!