Pixabay CC0 creative commons

إعرفْ ذاتك، أنكَ كونٌ صغير في إحتكاك ٍ مع الكون الكبير

الحلقة السابعة

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

رأينا في الحلقة السابقة من أنّ الإنسانَ لا يمكنه أن يطرحَ سؤال مصيره وحياته ولا أن تكونَ له نظرة إيجابيّة عن حياته وكيانه وحريّته وقيمته وكرامته، إلاّ من خلال ما سمّيناه ” الوجود المفتوح ” على الآخر! وهذا الآخر الشموليّ هو : الله-  أو الآخر. وتطرّقنا لفقرات كثيرة حول الإنسان وعلاقته بالآخر وبذاته وبالخليقة، وبأنّه كائنٌ مشاركٌ وذو علاقة خاصّة. أي، لقد تطرّقنا إلى الإنثروبولوجيّا، بشكل ٍ مبسّط! وسنحاولُ هنا، في هذه الحلقة، أن نتطرّق للموضوع، الذي هو عن الحريّة، إلى الإنثروبولوجيّا الفلسفيّة، وسنتكلّم أيضا عن فقرات مهمّة ومشوّقة، تدعو للتبصّر والتحليل والتأمّل.

الإنسان، هو ذلك الكائن الحيّ الوحيد الذي لديه وعيٌ بالألم والرغبة والإرادة. وهو الوحيد الذي يعتـــــقدُ أنّ كلّ ما يعرفــــــــــه لا شيء أمامَ ما لا يعرفه، وأنّ ما هو جوهريّ يفــــــــــلتْ منه. لكن، ما هو هذا الجوهريّ؟ ما الجوهر؟ لعلّ الجوهرَ هو في معنى الحياة فقط!

– إن كانَ الإنسان يحــــــيا، كباقي الكائنات الحيــــــــّة، إلاّ أنه لا يعرف ما هي الحياة! وإن كانَ يفكـــــــــّر، إلا أنه لا يعرف ما هو الفكرُ! وإن كان موجــــــــودًا في هذا العالم، إلا أنه لا يعرف بداية الوجود ولا نهايته، ولا يعرفُ الأًصل ولا الغاية، الإنــــــسانُ يولد ويموت من دون أن يكونَ له اختيار أو قرار في ذلك.

لن يبقى إذن، لدى الإنسان سوى شيئين: الآن، وهنا، أي/ الحضور في هذا المكـــــان في هذا هذه اللحظة فقط!. للوهلة الآولى، يبدو واضحًا ما يخصّ شأن ” المكان الحاضر والزمان الحاضر“، أي ( الآن وهنا)، ولكن، هل هذا واضحٌ بحقّ؟

هذا مقطع صغير من قصيدة الشاعر إيليّا أبو ماضي، شاعر المهجر ( 1889 – 1957) التي تسمّى ” الطلاسم”يقولُ فيها:

أنا لا أذكرُ شيئــــــــــًا عن من حياتي الماضية

أنا لا أعرفُ شيئــــــًا من حياتي ا لآتية

لي ذاتٌ غيرَ أني لستُ أدري ماهيه

فمتى تعرفُ ذاتي كُنــــه ذاتي؟ لستُ أدري!

هوّذا الإنسان إذن، قطعة صغيرة في كلّ كبير هائل، يُجرجِرُ عطشـــــــه وجوعــــه، لا فقط إلى الطعام الأرضيّ، لكنه يرى نفسه وحيدًا في وسط متعدّد الأشياء، والإنسان هو المُشاهِد الوحيد في هذا المسرح. كما يتصــــــاعدُ من أعماقه صراخ وإنفعال، وهذان هما بمستوى تساؤلاته، لعلّها الرغبةُ في المعرفة، وهي تتكرّر دائمًا، مع كل جيل وتزدادُ إيلامًا في أوقات الصعوبات،هذا إلى جانب وقوف الإنسان أمام إستحــــــالة إكتشاف أجوبة ً على تساؤلاته.

كما ذكرنا أعلاه، أودّ التذكيرَ دائمًا، كي لا يصاب القارئ بالتبعثر أو التشتّت، بأننا سنتطرّق لفقرات ٍ  مهمّة حول الإنثروبولوجيا الفلسفيّة،  رغم أنّ موضوعنا هو عن : الحريّة، سوف لن نحرف بوصلتنا عن هذا الطريق، لكننا سنحاول المسيرَ في ذات الطريق، حتى وإن خرجنا عن فكرة الحريّة، لكن، ومن خلال كلامنا عن فقرات أخرى، هي في ذاتها ستكونُ طريقا لمعرفتنا ما هيّة الحريّة! سنتطرّق لمواضيع: الخبرة، الوعي، الحقيقة، الوجود، الإنسان …. الحريّة. كل الطرق هذه ستؤدّي بنا إلى تكوين فكرة عن الحريّة وعظمتها وعظمة الإنسان الذي أعطاه الله الحريّة هبة ً .

قال الفيلسوف باسكال: ” الإنسانُ هو ذلك البحّار “، يركبُ  منذ ولادته مغامـــــــرة في بحر ٍ متلاطم، والخطر عليه أن يتيه. لكن هل يمكن أن يتيه في ما هو لا متناهي؟ أليسَ اللامتناهي هو الذي يحملنا ويحملُ إلينــــــا كلّ ما في الأشياء؟

صحيحٌ قولُ الشاعر إذن إيليّا أبو ماضي : ” أنا لا أعلمُ شيئا عن حياتي الماضية، لكنني أعلمُ أني هنا الآن. كما ” لا أعلمُ شيئا عن حياتي الآتية، ولكنني أسعى نحوها حتمًا”. سنفهمُ هكذا إذا ما تأمّلنا أيضا أبعاد الدعوة المسجّلة على رِتـــــــاج معـــبد دِلفت اليونانـــــية : ” أعرف ذاتك”، فحينئذ ستعرف الكائنات والآلهة، ستعرفُ الكون”. قرأ سقراط هذه العبارة فقرّر أن يركّز فكره عليها فقال : ” إعرفْ ذاتك، أي إنّك كونٌ صغير وأنت في إحتكاك ٍ مع هذا الكون الكبير، وفي جسدك وقلبك وروحك يستيقظُ كلّ شيء ويتغذّى، فيتقوّى عندكَ أملٌ في إمكانـــــيّة إعطاء معنى لوجودك، واكتشافُ حضور ما آخر بالقربِ منك!.

يتبع

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

عدي توما

1

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير