كثرت في الآونة الأخيرة التحليلات والتساؤلات والمخاوف حول واقع ومستقبل العرب المسيحيين-أو مسيحيي الشرق الأوسط-الذين لهم في هذه المنطقة تاريخ وحضور وتعاون وحوار وتأصل في الحضارة. الا أن التناقص العددي قد أفرز خوفاً ظاهراً على المستقبل، فكيف ننظر إلى الأمور ؟
بدون شك انّ مسيحيي هذه المنطقة هم سكان ومواطنون أصلاء، وما كانوا أبداً ضيوفاً طارئين على هذه الجغرافية، وتشهد على ذلك مآثرهم وتراثهم الأدبي والثقافي والعلمي المتميّز. ولما كانوا مواطنين بهذه التاريخية والتأصل فهم كذلك اليوم مواطنون يعانون من ذات الآلام والمصاعب التي تجتاح منطقتهم العربية، التائقة الى بناء مجتمعات حديثة تكون ديمقراطية في واقعها كما في خطابات حكامها. وتعتبر هذه الفترة مخاضاً عسيراً فيه من الآلام والأوجاع والدماء الكثير الكثير، وما آلام مسيحيّي الشرق إلا لكونهم مواطنين في منطقة تغلي وفي بلدان غاب فيها الأمن، واذا غاب هذا، أصبح المجتمع بأطيافه كافة مهدّداً.
الا انّ لهذه الآلام المشتركة مع باقي المواطنين شقّا ونوعا آخرين: انّها آلام الاختلاف الديني الذي أمسى في بعض البلدان مغلفاً بنموّ الحركات التطرفية والإلغائية وأحادية التفكير الذي قاد الى التكفير والى النظر الى الآخر شيطاناً رجيماً. من هنا كان استهداف العديد من الكنائس وقتل العديد من رجال الدين وآخرهم الكاهن السوري فرانسوا مراد، وخطف العديد من كبار رؤساء الكنائس وما زال مصيرهم مجهولاً منذ أكثر من ثلاثة أشهر. وهنا نستطيع القول بأنّ نموّ التعصّب وتوجهات الالغاء هي أكبر تحدٍ يواجه العرب المسيحيين، كما يواجه غيرهم من مكوّنات المجتمع التائقة الى العدالة والسلام والتحديث.
في العقد الماضي، أثرت الاحداث العراقية تأثيراً واضحاً على أعداد المسيحيين في العراق. وقد هاجر العديد منهم عبر الاردن الذي امضوا فيه بضع سنوات من الانتظار. وكان بقاؤهم في الأردن، على الأقل، بقاء لهم في منطقتهم العربية وفي الشرق الأوسط. وكم كنت أتألم عند خروج عائلات عراقية من الأردن، ومغادرتها الى بلدان العالم البعيدة بحثاً عن أمن وأمان. أساسا، كان مؤلماً خروجهم من بلدهم الأصلي العراق، إلا انّ الألم الأكبر كان خروجهم من الأردن لأنّه يمثل خروجاً من شرق أوسط عاش على الدوام ألفة ومحبة وتلاحماً وحواراً.
وما ضاعف الامور تعقيدا هو الحالة السورية التي جعلت ملايين البشر يخرجون قسرياً من بلدهم الأصلي، وقد أبدى الأردن كعادته حضناً دافئاً وذراعين مفتوحتين لاستقبال الشقيق المتألم، وتشير الاحصائيات شبه الدقيقة ( لأنّ الدقة التامة ستتوضّح عندما تهدأ الأمور ) بأنّ من بين أفواج اللاجئين هنالك على وجه التقريب مليون مسيحي سوري قد خرجوا من بلدهم سوريا التي كانت من أكثر الدول احتراماً للعيش المشترك وحريّة العبادة.
ليس من السهل فصل العرب المسيحيين عن غيرهم من المواطنين، الا انّ تناقصهم المتزايد سيجعل الشرق كئيباً قاتماً. فقضيّة أمانهم لا تخصّهم لوحدهم، كما انّ قضيّة استمراريّتهم لا تعتمد عليهم وحدهم.
Abouna.org@gmail.com