“نقدّم إليك يا ربّ ذهب محبّتنا، وبخور صلاتنا، ومُرَّ توبتنا، كالمجوس الّذين قدّموا إليك ذهبًا، وبخورًا، ولبانًا…
نضع الذّهب عند قدميك. فقدماك يا يسوع المساكين…
ونرفع بخور صلاتنا لتمجيدك، وليس لطلب العلى والصّحّة والمال…
ونقدّم إليك المرّ، أمانتنا الحقيقيّة التي نصنعها بإرادتنا، والّتي تأتينا من الآخر، وهذه ثمينة. اقبلها جميعها منّا، لنمجّد اسمك، وليكن نور الإيمان منيرًا طريقنا، وهاديًا لنا في سبيل الخير والحقّ والحياة.”
أبونا يعقوب
هكذا كان أبونا يعقوب يصلّي، أمام مغارة الطّفل الإله…
هكذا كان يعيش الدّهشة والذّهول أمام تنازل ابن الله… فقصّة الخلاص بدأت مع الميلاد…
يقف الكبّوشيّ أمام المغارة وقفة خشوع، ويراقب طهر ذاك المكان وقدسيّته. يتأمّل، ويرى المسيح الّذي ولد صغيرًا ليجعلنا كبارًا. تواضعه على الأرض يفتح لنا باب السّماء.
وُلد في مذودٍ لكنّه أبقى أمّه بتولًا، وُلد في المغارة، والسّماء عظمته… رقد في مذودٍ، وجعل جنود السّماء تتقاطر لعبادته. رُبط بأقمطة، همّه الوحيد حرّيّتنا، وخلاصنا من ألم الخطيئة، ومن قيود الموت.
قصّة الخلاص بدأت في المغارة، عاش المسيح بشريّتنا. تجسّد، اتّحدت الطّبيعة الإلهيّة بالطّبيعة البشريّة، اتّحدَ اللّاهوت بالنّاسوت.
كلمة الله في المغارة ساكت، لا يتكلّم. سكت كي لا يُخيف الإنسان الخاطئ، ليسمح له بالاقتراب منه بكلّ ثقة، ليلتقي به، ويعيده إلى مكانه الصّحيح، إلى حضن الحبّ والرّحمة.
في مغارتك يا ربّ… اجتمع المتشرّد بالفقير وبالملك…
الرّبّ… طفل صغير في مذود، في مغارة فقيرة، ولكنّه فاجأ أورشليم كلّها.
وُلد في ظلام الليّل، وأنار سماء الشّرق.
ارتجف الطّفل الإله من البرد، ولكنّه جعل هيرودوس يرتجف من الخوف… خوف الطّمع والسّلطة…
ومن المغارة فاح عطر الفرح…
فرح الرّبّ وقال: “هذا هو ابني الحبيب.”
فرح الملاك وأعلن “السّلام على الأرض، والمجد بالعلى”.
فرحت مريم… وفرح يوسف.
فرح الإنسان البارّ لأنه سيُكافأ.
فرح الخاطئ لأنّه سيتنعّم بحلاوة الغفران.
فرح الثّور والحمار، فقد اقتربا من الرّبّ، ومن لهاثهما أشعراه بالدّفء.
فرحت الكنيسة… فرحت الشّموع المضاءة على المذابح، فرح البخور وملأ السّاحات صلاة، وقداسة.
فَرِحت بيوتنا.
فرحت قلوبنا المزيّنة بالنّور، وأصبحت كنجوم الميلاد، تنشر ضياء رجائها في الأماكن كلّها.
“زمن الميلاد هو زمن تحويل قوّة الخوف، إلى قوّة محبّة” (البابا فرنسيس)
تجسّدتَ يا ربّ، لتنتشلنا من وحل الخطيئة، وتقودنا إلى فرح الخلاص.
تجسّدتَ يا ربّ، لتحوّل خوفنا إلى قوّة، وإلى حبّ، وإلى رجاء.
تجسّدتَ يا ربّ لتلمسنا، وتداوي أسقامنا وتبلسم جراحنا.
تجسّدتَ لتلتقي بنا، لأنّك تحبّنا… لتدفئ برد قلوبنا بوهج رحمتك اللّامتناهية.
“الكلمة صار بشرًا، وعاش بيننا” (يوحنّا 1: 14)
“الحال أنّه في الإنسان يسوع تجلّى اللّه نفسه نهائيًّا، يسوع هو كلمته، ومن حيث هو كلمته فإنّه الله نفسه” (البابا بندكتس السّادس عشر)
يا ربّ… نريد أن نحيا فرح العيد… أنِر بصائرنا لنحيا جماليّة التّأمّل في سرّ تَجسّدك.
عمّانوئيل… يا ربّنا أنت معنا… اجعلنا أقوياء بعزيمتنا، عندها تصبح عيوننا مشرقة وجميلة، وقلوبنا حلوة ونقيّة…
يا يسوع، بسرّ تجسّدك… يُزهر الحبُّ نورًا وحياة.
يُهدي الحبُّ الدّمع عزاء، والمَرَض شفاء، والظّلام ضياء.
بسرّ تجسّدك، الأرض صارت سماء.
وُلد المسيح… هلّلويا!