بقلم روبير شعيب

الفاتيكان، الاثنين 20 أكتوبر 2008 (Zenit.org). – لأول مرة في تاريخ الكنيسة بعد انقسام عام 1053 بين الكنيستين الكاثوليكية والأرثوذكسية، تردد صوت بطريرك أرثوذكسي في "الكابيلا سيستينا" (كابيلا البابا سيكستوس) في الفاتيكان. فقد قام بطريرك القسطنطينية المسكوني، برثلماوس الأول بإلقاء خطاب في معرض الاحتفال بصلاة الغروب التي ترأسها البابا بندكتس السادس عشر بحضور الآباء السينودسيي، مساء السبت 18 أكتوبر 2008.

عبّر برثلماوس الأول عن مشاعر "التواضع والإلهام" التي يشعر بها لهذه الدعوة التي تلقاها للكلام إلى الجمعية العادية العامة الثانية عشرة لمجلس الأساقفة، مصرحًا أمام الأب الأقدس بندكتس السادس عشر أن "دعوة قداستكم لاتضاعنا هي بادرة زاخرة بالمعنى"، لأن "هذه هي المرة الأولى التي تسنح الفرصة لبطريرك مسكوني أن يخاطب سينودس أساقفة الكنيسة الكاثوليكية الرومانية، فيكون بالتالي شريكًا في حياة كنيسة أخت على هذا المستوى الرفيع".

علق البطريرك على النظام السينودسي مشيرًا إلى أهميته الإكليزيولوجية، لأن مسألة "السينودسية" إلى جانب مسألة قضية "الأولية" تشكل "العمود الفقري لرعاية وتنظيم الكنيسة".

كما ورحب بالموضوع الذي يدرسه سينودس الأساقفة مشيرًا إلى أنه موضوع هام جدًا، إذ أن "الرسالة والتبشير يبقيان دومًا واجب الكنيسة في كل زمان ومكان؛ لأنهما جزء من طبيعة الكنيسة، إذ هي توصف بـ ‘الرسولية‘ بمعنيين إثنين":

أولاً بمعنى أمانتها لتعليم الرسل الأساسي، وثانيًا بإعلانها كلمة الله في كل ثقافة وفي إطار حياة كل يوم.

موضوع المداخلة

 

وأشار البطريرك أن الهدف من مداخلته هو تسليط الضوء على كيفية رؤية التقليد الأرثوذكسي لكلمة الله، والتركيز على 3 أبعاد في هذا الموضوع: الإصغاء لكلمة الله في الكتاب المقدس؛ رؤية كلمة الله في الطبيعة وفوق كل شيء في الأيقونات؛ وأخيرًا لمس كلمة الله والشركة فيها عبر شركة القديسين وحياة الكنيسة الأسرارية.

واستمد برثلماوس الأول تعليمه من الينابيع الآبائية، منطلقًا من التعليم بشأن "قدرة الحس الإلهية" التي يتحدث عندها أوريجانوس الإسكندري، والتي تتجلى "كنظر لتأمل الأشكال غير المادية، وكإصغاء لتمييز الأصوات، وذوق للتلذذ بالخبز الحي، وشم للتمتع بشذى الروح العذب، واللمس للمس كلمة الله، التي تحدسها كل حواس الروح". ولذا يقدم الحواس الروحية كـ "الحواس الروحية الخمس"، حواسًا "إلهية"، أو "داخلية"، وحتى "حواس القلب" أو "العقل (اللوغوس)".

الإصغاء لكلمة الله في الكتاب المقدس

 

استشهد البطريرك متحدثًا عن النقطة الأولى، أي عن الإصغاء لكمة الله في الكتاب المقدس، وإعلانها من خلال إعلانه، بالليتورجية الإلهية بحسب القديس يوحنا فم الذهب، حيث يقول الكاهن المحتفل: "لكي نكون مستحقين أن نصغي إلى الإنجيل المقدس"، وشرح قائلاً: أن "نسمع ونرى ونلمس كلمة الحياة" (1 يو 1، 1) ليس حقًا بشريًا، بل هو "امتياز وهبة ننالها كأبناء الله الحي".

"الكنيسة المسيحية هب فوق كل شيء كنيسة كتابية". والكتاب المقدس هو "الشهادة الحية لتاريخ معاش في العلاقة بين الله الحي والشعب الحي".

وأشار البطريرك – مسلطًا الضوء على المفهوم المشترك بين الكنيسة الأرثوذكسية والكاثوليكية بشأن ترابط الوحي والتقليد – إلى أن كلمة الله التي توجهت إلى الأنبياء كانت كلمة شفوية ومباشرة، وبالتالي فالكتاب المقدس هو "مشتق وثانوي" بمعنى أن "النص الكتابي هو في خدمة الكلمة المعلنة".

واستشهد بالقديس يوحنا فم الذهب الذي يتحدث عن تنازل الكلمة العميق (συγκατάβασις) وتألقمها مع اختلاف الثقافات والجماعات التي تتوجه إليها.

رؤية جمال كلمة الله

 

وبالحديث عن جمال الخليقة وبشكل خاص عن الأيقونة قال: "ما من واقع أكثر من جمال الأيقونة وبهاء الخليقة يستطيع أن يجعل اللامرئي مرئيًا"

وأوضح أن اهتمام المجمع المسكوني السابع، أي مجمع نيقيا الثاني، لم يكن الفن المقدس؛ بل كان "متابعة وتثبيتًا للتحديدات السالفة حول ملء بشرية كلمة الله".

"الأيقونات هي تذكير بدعوتنا الإلهية؛ هي دعوة للارتفاع فوق الاهتمامات العالمية الباطلة". وهي تشجعنا على "البحث عن الفائق الطبيعة في ما هو طبيعي" لكي نختبر الدهشة عينها التي يعبر عنها الله في الفصل الأول من سفر التكوين: "رأى الله كل ما خلقه، وإذا به حسن جدًا" (تك 1، 30 – 31).

 

 

لمس كلمة الله والشركة فيها

 

وأخيرًا، تحدث البطريرك في النقطة الثالثة عن لمس كلمة الله والشركة فيها وذلك عبر الدخول في شركة حياة القديسين والاشتراك في أسرار الكنيسة.

فكلمة الله تنال في الخليقة تجسيدها الكامل، وفوق كل شيء في الافخارستيا المقدسة. فهنا "يضحي الكلمة جسدًا ويسمح لنا ليس فقط أن نصغي إليه بل أن نلمسه بأيدينا، كما يصرح القديس يوحنا (1 يو 1، 1) وأن نجعله جزءًا من جسدنا ودمنا" بحسب كلمات القديس يوحنا الذهبي الفم".

"في الافخارستيا نقوم في الوقت عينه برؤية الكلمة وبالشركة فيه".

والشركة الافخارستية تعاش في شركة القديسين حيث يدعى كل منا لكي يضحي "مثل النار" (بحسب تعبير آباء الصحراء)، حتى يلمس العالم بالشعلة الصوفية الصادرة عن كلمة الله.

وأخيرًا ختم البطريرك كلمته بتلاوة الصلاة التقليدية البيزنطية إلى الروح القدس: "أيها الملك السماوي المعزي الروح الحق، الحاضر في كل مكان، والمالئ الكل، كنز الصالحات وواهب الحياة، هلمّ واسكن فينا، طهرنا من كل دنس، وخلّص أيها الصالح نفوسنا. لأنك صالح ومحب للبشر. آمين!".